الإعلام حسب التعريف السائد هو فن الاتصال بالجمهور بواسطة مجموعة من الوسائل تقوم بنشر الاخبار والمعلومات السليمة الدقيقة والرأي الحر المجرد ، بحيث تؤثر في الناس تأثيراً واعياً الهدف منه التنوير وتعريف بالجمهور بالحقائق الواجبة لخدمة الحقيقة والمجتمع والوطن والأفراد . وهذا ما جعل من الإعلام موضوعاً بارز الاهمية في عالم الفكر والسياسة من حيث انه يتناول ، فضلا عن تعريف وسائله وبيان تطورها وتأثيرها في الرأى العام وفي الاوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية في الدول الحديثة ، تأثير تلك الاوضاع في وسائل الإعلام وتطورها . وهذا التأثير المتبادل ظهرت اهميته في مطلع القرن العشرين إثر التطورات السياسية والاجتماعية التي مرت بها الامم المتحضرة بعد ان احتلت النظم الديمقراطية مركزها وبدأت تغزو النظم الفردية يؤيدها الشعب الذي شعر بأن هذه المبادئ الجديدة جاءت لتقضي على التحكم والسيطرة لتخلق المجتمع السياسي الحديث الذي يقوم على المساواة والإقناع والحرية . فالمبادئ الديمقراطية اعطت الفرد حق ابداء الرأي والحكم على تصرف حاكميه حتى يوافق على اسمرارهم في الحكم او اقصائهم عنه ، واوا جبت على الحاكمين في نفسه اطلاع الشعب على ما يجري من احداث بصدق وصراحة وموضوعية ، ومده بجميع المعلومات الضرورية لمعرفة المشكلات ، وتزويده بالثقافة السياسية التي تمكنه من الحكم ووضع الحلول لتلك المشكلات ، لان السياسية في جوهرها حوار هادئ ومناقشة حرة . فعندما ينور الشعب ويزود بالحجج المختلفة التي لا تشوبها شائبة ، من انحياز او محاباة ، يستطيع ان يكون في حكمه على المسئولين منصفاً غير متحيز . ولا يتيسر هذا الامر إلا اذا كانت وسائل الإعلام حرة ، وكانت معلوماتها من الكتابة والدقة بحيث يترتب عليها تطور المجتمع تطوراً ايجابياً خلاقاً . من هنا كانت اهمية وظيفة الإعلام في المجتمعات الدولية الحديثة . فكلما ازداد المجتمع تقدماً بفضل العلم والمدنية ، اصبح الإعلام اكثر اهمية واشد ضرورة . ولا يرجى لأي مجتمع نصيب من الخير والتقدم ما لم تتوافق عناصره وتتكيف جماهيره مع منظماته وأحزابه وفئاته وأجهزته الحكومية . والإعلام هو الذي يقوم بهذه الوظيفة لأنه الوسيلة الهامة التي يتم بها هذا التفاهم والانسجام عن طريق المشاركة في الخبرة والمعرفة والاتجاه والعاطفة . وهذا يعني ان الحكم الديمقراطي هو تفاعل مستمر خلاق منظم ، وان تنوير الشعب هو الذي يضمن بصورة مطردة لهذا التفاعل أسساً صالحة ومجردة . كيف ينور الشعب ؟ ما هو الشكل ، ما هو الاسلوب ، ما هي الحدود وما هي انواع هذا التنوير وأساليبه ؟ كل هذه الامور اطلق عليها حديثا اسم تكني الإعلام ، وان كان هنا من يطلق عليها اسم وسائل النشر . هذه الوسائل كما حددها التعريف الحديث هي الصحافة ، المسموعة والمرئية و السينما ووكالات الانباء والتكني . وان مفهوم كل من هذه الوسائل يختلف باختلاف النظام السياسي الذي يخضع له أي بلد من البلدان ، وباختلاف مفهوم الحرية بالنسبة الى كل نظام . فالمفهوم الكلاسيكي القديم لحرية وسائل الإعلام كان تمكين المحكومين من ان يقولوا ويكتبوا ما يريدون . اما المفهوم الحديث للإعلام فانه اوضح معنى وأبعد مدىً ، لأنه يعتبر ان واجب الحكام ان ينوروا المحكومين ليأتي اختيارهم وانتقاؤهم اختياراً راشداً وحكيماً . فكل حرية تستلزم في مقابلها واجبات . فإذا كان المحكومين حق في ان لا يكون هناك أي عائق امام الانباء التي يجب ان تصل اليهم ، فان ذلك يفترض ، من جانبهم ، إلا يسيئوا استعمال تلك الحرية . وان كان على الحاكمين واجب تنوير المواطنين ، فان ذلك لا يتنافى والسعي لكسب تأييدهم لنشاط الحكومة ، مادامت مسؤولية تطور السياسية والوعي القومي والاجتماعي والثقافي تقوم على عاتق مجموعة المواطنين الذين يؤلفون الرأي العام . وهذا الرأي العام ، لكي يقوم بواجباته الكبيرة يجب ان يكون منوراً تنويراً كاملاً ومجرداً ، وانه لا يكون كذلك إلا اذا كان حراً ، وكانت الصحافة حرة . فوسائل الإعلام تلعب الدور الاول في تكوين الرأي العام وفي التأثير فيه ، لان الإعلام الصحيح الناضج يجعل الرأي العام أقدر على الفهم والإدراك ، ومن ثم على الحكم الصحيح على جميع الامور مهما كان موضوعها وحساسيتها . على هذا للإعلام السلطة الاولى الفاعلة في حياة كل أمة وكل دولة وكل مجتمع بشري فالإعلام يتضمن عمليتين : عملية ارسال وعملية التقاط او استقبال . وفي هاتين العمليتين تعتبر وسائل الإعلام الجهاز المرسل .اما الجهاز المستقبِل او اللاقط فهو الشعب الذي يجب ان يكون منه الرأي العام ، لان كل رأي عام ، في أي بلد كان يتألف من أشخاص يرغبون في الحصول على اخبار معينة دون سواها . وهناك رواة اخبار مختلفون باختلاف وسائل الإعلام . كل رواية اخبار يرغب ، قبل كل شيء ، في ان يقرأ الآخرون ما يكتبه او ان يستمعوا الى ما يقوله ، وهو يعمل ما في وسعه لإرضاء الجمهور الذي يتوجه اليه مستعملا جميع الوسائل ، فالمستخبر يؤثر في المخبر كما ان الخبر ، بالمقابل ، يشفي غليل المستخبر . وعن طريق هذا التأثير المتبادل يتكون الرأي العام ويثبت وجوده . وحتى يكون للإعلام سلطة حقيقية قادرة على فرض ارادتها في السلطة والحكم وفي التأثير على الرأي العام ، داخلياً كان او خارجياً ، فان على القائمين على اجهزة الإعلام ان يعرفوا نفسية الجمهور معرفة تامة حتى يستطيعوا الوصول الى ما يريدون ، وحتى لا يقعوا في اخطاء تكتيكية وتخطيطية تجعل للإعلام نتيجة معاكسة وسيئة . فإذا اراد الإعلامي توجيه اذاعة الى بلد ما يجب عليه اولاَ ان يقوم بدراسة حالة المستمعين في البلد الذي ستوجه اليه الاذاعة . ما اذا كان لدى المستمعين فيه اجهزة اذاعة تستطيع التقاط الموجة الموجهة ، والى أي شريحة ينتمي هؤلاء المستمعون . واختيار وسيلة الإعلام واختيار مادتها هما العامل الاول للنجاح . فالصحافة مثلاً هي أنسب الوسائل وانجحها تأثيراً في الذين يحسنون القراءة والكتابة ولديهم قسط من الثقافة . اما الجمهور التي يتألف منها السواد الاعظم ، فتناسبها الاذاعة او التلفزيون شرط ان يكون الاذاعات بلغة سهلة مبسطة في التعبير والوضوح في المعنى من أهم الاشياء وألزمها لضمان إدخال الافكار في رؤوس الناس دون خلط او تشويه او ابهام . اختلفت الدول في تنظيم وسائل الإعلام باختلاف النظم السياسية التي اخذت بها ، وباختلاف التطور الفني والتقديم التقني لكل وسيلة من وسائل الإعلام . فالإعلام لم يصبح سلطة إلا بعد ان اصبح فناً وعلماً قائماً على اوصول وقواعد ، وتعاونا يقوم على اساس تبادل الخبر الفنية والتقنية بين اجهزة الإعلام في الدول وترعاه جمعية الاممالمتحدة ومنظمة الاونسكو والاتحادات والمنظمات الدولية الإعلامية . ولكي نستطيع شرح الأسس التي تقوم عليها الإعلام كفن وكسلطة لا بد لنا من ان وسنحاول قدر المستطاع من خلال استعراضنا هذا ان نبين الدور الذي تقوم به وسائل الإعلام في العالم العربي ، وكيف تطورت هذه الوسائل حتى اليوم . ثم كيف وضعت التشريعات لتنظيم اجهزة الإعلام . لنرى هل سايرنا في تطورها ركب العلم والفن ، وهل كنا في اجهزتنا الإعلامية ، رسمية كانت او خاصة ، على مستوى رسالة العالم العربي الحضارية ، وهل هذه الوسائل الإعلامية العربية قادرة في المستقبل على ان تقوم بالواجب الملقى على عاتقها وهو ايصال الاشعاع العربي الى ابنائه ، المقيمين ومغتربين ، والى العالم رسالة حب وسلام وحرية ؟ ان موضوع الإعلام كسلطة وفن موضوع جديد لم يعالج إلا قليلاً في العالم العربي . ونرجو مخلصين ان نتمكن من الاحاطة بجميع تفاصيله ، وان يقوم بعض المهتمين بالقضايا الإعلامية في العالم العربي بإعطائه الافضلية في البحث والدراسة . الصحافة اعتبرت الصحافة الوسيلة الاولى للإعلام . فقد كانت في بدء نشأتها فكرة وفناً وموهبة ، وبعد التطورات الفنية التي مرت بها ، كالمطبعة والاختراعات الحديثة ، اصبحت صناعة ومنهة وحرفة . وعلى ضوء هذا المفهوم الجديد للصحافة أصبحت تنطبق عليها الاحكام والقواعد والمقاييس التي تتحكم في اية مهنة من المهن . وعلى ضوء التطور والازدهار اللذين جعلا للصحافة أهمية خاصة وكبيرة فقد اطلق عليها اسم( السلطة الرابع ) . وهذا ما دفع الحاكمين ، منذ نشأة الصحافة الاولى حتى اليوم ، الى محاولة تكبيل حريتها ، هذه الحرية التي جاهدت الصحافة ، وجاهد العاملون فيها ، ورجال الفكر في العالم ، الحصول عليها والاحتفاظ بها . وفي مطلع القرن المنصرم ادت المنافسة بين الصحف في العالم الى ازدهار الصحافة وتطورها تطوراً سريعاً وقوياً ، وتمتعت الصحافة في هذه الفترة بحرية كادت تكون كاملة اعتوارها التقييد خلال الحرب العالمية الاولى . وما ان عاد السلام حتى عادت الحرية الى الصحافة في اغلب البلدان . إلا ان هذه الحرية قضي عليها في الأنظمة السياسية التي اتخذت الديكتاتورية على اختلاف اشكالها أساساً للحكم فيها . وبناء على تقدم الصحافة وتشابك مهامها والدفاع عن حقوقها او الحصول عليها وتوضيح واجباتها والدفاع عنها ايضاً ، تألفت النقابات الصحافية لهذا الغرض ، واعترفت الحكومات بهذه النقابات ، ونصت الدساتير والقوانين المختلفة في العالم حرية الصحافة . ووجهت منظمة الأممالمتحدة اهمية خاصة واهتمام كبيراً الى الصحافة والأمور المتفرعة عنها والمتصلة بها ، فأقرت مشروع قرار يتعلق بضمان حرية الفكر والرأي في العالم كسبيل من سبل التعاون الانساني وكأساس لخدمة السلام العالمي وتركيزه . كيف نشأة الصحافة في العالم العربي . كيف تطورات ، وما هو الدور الذي لعبته في الحياة العربية في العهود المختلفة ، وحتى وصلت الى ما عليه اليوم سوف اذكر بعض منها 1- لبنان اولاً صدرت اول صحيفة لبنانية عام ( 1858) وكانت تدعى ( حديقة الاخبار ) لصاحبها خليل خوري . وعام ( 1860 ) ، اصدار داود باشا ، متصرف جبل البنان ، صحيفة ( لبنان ) باللغتين العربية والفرنسية ، وكانت تتضمن خلاصة سياسية عامة ثم أنباء الحوادث الداخلية والخارجية . ولا بد من الاشارة الى ان اكثر الصحف التي صدرت في العالم العربي اصدرها البنانيون ، وذلك لأنهم كانوا اسبق من غيرهم من ابناء الشعوب العربية الى الأجنبية . وقد كان للصحافة العربية دور كبير وهام في مقاومة الاستعمار العثماني اذ كانت تطالب جهاراً بالاستقلال والحرية . وكانت جرأة بعض الصحافيين هي التي ادت بهم الى اعواد المشانق مع احرار العرب الذين استشهدوا في /6/ أيار 1916 . وبلغ عدد الصحافيين الشهداء 16 من اصل 31 شهيداً وهذا هو من مقدمة كتابي عنوانه بداية الإعلام العالمي المؤرخ من عام ( 911) ما قبل الميلاد حتى عام ( 1960 )