انتفضت مصر عن بكرة أبيها، وخرج أبناؤها البواسل إلى الشوارع والميادين العامة، على الرغم من القبضة الأمنية الحديدية، التي كانت تحكم بها البلاد آنذاك، فلا صوت يعلو فوق صوت الحزب الوطني، ولا يجرؤ أي مواطن مهما كانت قوته وجبروته أن ينبس ببنت شفة بانتقاده، لأنه يعلم أنه سيباد. وليس بخافياً على أحد عدد المعتقلين السياسيين الذين ملئت بهم السجون والمعتقلات، وكأنها شيدت من أجل المعارضين للنظام. على الرغم من أن ثورة الخامس والعشرين من يناير، لم يقدها حزب أو تيار ديني أو سياسي، إلا أنها نجحت في توحيد صفوف أبناء الشعب المصري بكافة أطيافهم، لما عانوه من الظلم والاستبداد والإقصاء طيلة العقود الثلاثة الماضية. قامت الثورة المباركة من أجل إزاحة نظام بأكمله وليس رأسه فقط، لكنه إلى الآن، وبعد مرور عام عليها، مازال النظام جاثماً على صدورنا، ويتحكم فينا، وكأننا قمنا بالثورة لخلع رأسه وترك جسده. إلى يومنا هذا، مازال المواطنون يقفون في طوابير طويلة لانتظار شراء رغيف الخبز الذي يسد حاجتهم، على الرغم من أنه لا يسمن ولا يغني من جوع، وفي كثير من الدول يرمى للبهائم والهوام، ناهيك عن قمحه المليء بالحشرات، والذي يأتينا من أميركا بالأمر المباشر من البنتاجون، وكأنه صنع خصيصا للقضاء علينا وإصابتنا بالأمراض الفتاكة. أزمة الخبز، كما هو معلوم، كانت مفتعلة من النظام المخلوع، وقد أكرمنا الله بإزاحة رأسه، والآن نحاول جاهدين القضاء على جسده، لأننا سئمنا حكمه وأزماته المتكررة التي كان يفتعلها ليلهينا عن انتقاد سياساته الفاشلة داخلياً وخارجياً. أسطوانة الغاز، التي تباع في السوق السوداء بعشرة أضعاف ثمنها، رغم عدم وجودها، وعلى الرغم من أننا مازلنا نصدره لإسرائيل بأقل من سعر التكلفة، وكأنه حرام علينا وحلال على بني صهيون. ارتفاع مهول في أسعار السلع الغذائية وغيرها، لأنه لا يوجد رقابة فاعلة عليها، مما منح الباعة الفرصة لرفعها دون مبرر، ومن لا يعجبه فلا يشتري. كلما حدثت مشكلة مفتعلة، رمينا بها على فلول الحزب الوطني المنحل، وكأنه مازال يحكمنا إلى الآن، ونسينا أو تناسينا أن هناك مجلساً عسكرياً يقوم على شؤون البلاد، وهو المسؤول الوحيد أمامنا. الاعتداء على المتظاهرين من قبل رجال الأمن، مازال يحدث إلى يومنا هذا، وفي كل مرة يلقى باللائمة على الفلول، هرباً من المسؤولية، أو أن يضحي المجلس الحاكم بمسؤول «ليس بيده شيء»، ذراً للرماد، وإسكاتاً للمتظاهرين. ليس ببعيد عنا ما حدث من اعتداء آثم على إخواننا المتظاهرين في العباسية، والمسمى ب«بموقعة الجمل الثانية»، أو على إخواننا المسيحيين أمام ماسبيرو، أو ما حدث بشارع محمد محمود، أو ما حدث في بورسعيد، وأخيراً ما حدث عند مجلس الشعب ووزارة الداخلية... وفي كل مرة تشير أصابع الاتهام، دون أدنى تفكير، إلى جهة ثالثة. وإذا سألنا عنها يأتينا الجواب سريعاً بأنها «الفلول». فأين المجلس العسكري من كل هذا؟ أليس من صميم عمله الدفاع عنا والحفاظ على أرواحنا؟. في كل ما ذكر آنفاً، تشير أصابع الاتهام إلى جهة وحيدة، وهي المجلس العسكري، الذي مازال يسير على نهج رئيسه المخلوع، ثم يلقي باللائمة على الفلول، هرباً من تحمل المسؤولية التي حملها برضاه. سواء كان المجلس العسكري هو مفتعل هذه الأزمات، أو أنه بريء منها، فإنه فشل فشلاً ذريعاً في إدارة البلاد، ونقول له: شكراً جزيلاً، ومع السلامة، عليك الرجوع إلى ثكناتك، ونحن في انتظار انتخابات رئيس للجمهورية، لكي تستقر البلاد، ونشعر بالأمن الذي ننشده. محمد أحمد عزوز كاتب مصري