كثير من الحكام العرب يتكبرون ويتجبرون على أبناء شعوبهم، على الرغم من أنهم قبل اعتلاءهم سدة المسؤولية في بلادهم، كانوا بسطاء، ويتمنون من أبناء أوطانهم الرضا عنهم بكل ما أوتوا من حيل ومكر. إلا أنهم بعد وصولهم إلى الحكم، نسوا أيامهم الخوالي، وأغواهم الشيطان عن جادة الصواب، فنراهم يقربون هذا، ويقصون هذا، ويمنحون هذا، ويمنعون هذا، وكأنها أصبحت ممالك أو عزباً خاصة بهم، لا يحق لأبناء الشعب أن يتمتعوا بخيراتها، وتوجه كل ثرواتها إلى من رضي عنه الحاكم، وكأنه أصبح مخولاً من عند الله بتقسيم الأرزاق على العباد، يشبع من شاء ويجوّع من شاء. كم رأينا من أناس كانوا يعيشون في فقر مدقع، ولقربهم من النظام الحاكم، أصبحوا في أيام معدودات رجال أعمال، يشار إليهم بالبنان، يملكون المليارات، ولا يجرؤ أحد من أبناء الشعب أن يتكلم عليهم، ولا أن يسألهم عن مصدر أموالهم، وإذا تجرأ وسأل فسيكون عقابه شديداً على ما اقترفت يداه. وليس ببعيد عنّا ما حدث لطلعت السادات، عضو مجلس الشعب السابق، عندما تقدم باستجواب لأحمد عز، الرجل الأقوى في الحزب الوطني المنحل، عن مصدر أمواله، فغضب منه النظام الحاكم، ولفق له تهمة إهانة المؤسسة العسكرية، ورفعت عنه الحصانة في يوم إجازة رسمية، وحكم عليه بالسجن لمدة عام. وفي تونس، ومع بداية ثورتها المباركة، حاول النظام الحاكم أن يقمع المتظاهرين، لكي يرهبهم كما كان في السابق، فلم يفلح، لأن كثرة استبداده قتلت فيهم حاجز الخوف، حتى إنهم كانوا يخرجون إلى الشوارع بأياديهم البيضاء وصدورهم العارية، ليواجهوا آلة الموت. وعندما لم تفلح عصاه الأمنية في قمعهم، لأن عددهم كل يوم في ازدياد، أجبره قائد الجيش على مغادرة البلاد، وأصبح الآن مقيماً في السعودية مرتعداً ذليلاً، خائفاً من المحاكمة التي ستلاحقه لا محالة. أما في بداية الثورة المصرية المباركة، التي أطاحت بحكم الاستبداد، فلولا تكبر النظام الحاكم لجلس مع الثوار ليحاورهم، ويرى طلباتهم، فيلبيها لهم، لكنه ضرب بثورتهم عرض الحائط، واستهزأ بهم، وكأنهم يطلبون ما ليس من حقهم، وكلما زاد عددهم زاد قمعه لهم، وعندما لم تفلح أجهزته الأمنية في قمعهم، استعان بالقوات المسلحة لمساعدتها على ذلك، إلا أن قادتها رفضوا الانصياع لأوامره، فكانت نهايته البائسة اليائسة، حتى إنه يحاول في كل جلسة محاكمة أن يستعطف أبناء الشعب الذين كثيراً ما أهانهم، لكي يرحموه من هذا العذاب. أما في الثورة الليبية، التي انتصرت بحمد الله تعالى، بعد ثمانية أشهر من القتال الضاري، فقد رأينا عبر أجهزة الإعلام، كيف أن القذافي، استعان بقوات الأمن والجيش معاً لقمع المتظاهرين، وعندما لم يفلحا، وحدثت انشقاقات كثيرة في صفوفهما، قتل المنشقين منهم، وعندما زادت الانشقاقات، استعان بمرتزقة من خارج البلاد لإبادة أبناء شعبه العزل، وليس خافياً علينا أنه استعان بيهود الفلاشا الذين لا يعرفون الإنسانية ولا التعامل مع البشر. وفي أحد خطاباته وصف الثوار بالجرذان، إلا أنه تم القبض عليه داخل ماسورة صرف صحي كالفئران أو الصراصير، وظل يستجلب عطفهم ليتركوه لحال سبيله، إلا أنه مات بعد دقائق قليلة من القبض عليه متأثراً بجراحه. أما في اليمن السعيد، فقد تكبر رئيسه، الجاهل، الذي لا يعي ما يقول، على أبناء شعبه وأبناء عمومته، وقام بضربهم بيد من حديد، وعندما لم تفلح أجهزته الأمنية في القضاء عليهم، استعان بالجيش، الذي هو حامي الديار للقضاء عليهم، حتى انشق عنه أقرب المقربين. وليس بخافياً على أحد أن شيخ مشائخ قبائل حاشد، والتي يعتبر صالح من أبنائها، انشق عليه، وأصبح أكثر أبناء القبيلة وزعمائها ضده. تقدم حكام الخليج بمبادرات عدة، للخروج من هذا المنعطف الخطير، إلا أنه في كل مرة يهرب من التوقيع عليها، على الرغم من أن جميعها يصب في مصلحته، وعندما لم يجد له مخرجاً مشرفاً من المأزق، طلب من أميركا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج ضمانات لحمايته، فقوبل طلبه بالرفض، لأنهم يعلمون أنه غير جاد، ولا يريد ترك السلطة، على الرغم من أنه لا يتحكم الآن إلا في أقل من كيلو متر مربع، لا يستطيع الخروج منه، أي أن إقامته وأنصاره شبه محددة. أما في سوريا الأبية، وكما رأينا بأم أعيننا، فقد استخدم النظام الأسدي المستأسد القوة المفرطة مع أبناء شعبه، ومات منهم الكثير والكثير، ناهيك عن المعتقلين والجرحى والمعاقين، وكلما زاد قمعه زاد عدد الثوار، وهو الآن لا يستطيع أن يتحكم في كرسيه، لأن الشعب كرهه، وكره الأرض التي يمشي عليها، وقام المجتمع الدولي بإقرار عقوبات مشددة عليه، لكي يكف عن استخدام القوة مع المتظاهرين السلميين، إلا أنه ما زال مستمراً في قمعهم، ولن ينجح، وستنجح الثورة شاء أم أبى، ولن يرحمه التاريخ. مما سبق يتضح لنا جلياً أن هؤلاء الحكام، لو تواضعوا وجلسوا مع أبناء شعوبهم ليحاوروهم، وليلبوا لهم طلباتهم المشروعة، لخرجوا من هذه المآزق بسلام، ولاستمروا على كرسي الحكم دون أي مشاكل، لكنه الكبرياء الذي أطاح بكراسيهم، وجعلهم عبرة للمعتبرين، وسطروا أسماءهم في مزبلة التاريخ، بدلاً من أن يذكرهم الناس بالخير. هذه نهاية طبيعية للمتكبرين والمتجبرين، فمهما علا طير وارتفع إلا كما طار وقع، والكبرياء ليست للبشر، بل إنها لرب البشر، ولا يحق لأي كان أن ينازع الله فيها، لأنه يعلم أنه خلق من تراب، ومآله إلى التراب، مهما طالت سنين حكمه، ومهما سكن القصور الفخمة، واستقل السيارات الحديثة الفارهة، فالكل نهايتهم واحدة، ولن يخلد إنسان إلا بأعماله الحسنة وذكر الناس له بالخير، أو أفعاله الدنيئة التي تجبرهم على ذكره بالشر. محمد أحمد عزوز كاتب مصري