في موقف قد يكون غريباً.. رفض رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قرار الإدارة الأمريكية بتعلق جزء من المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وطالب الإدارة الأمريكية بالحفاظ على تقديم هذه المساعدات لمصر.. على الرغم من أن البعض يرى أن القرار في صالح الدولة العبرية... فلماذا اعترضت إسرائيل على ذلك؟... وقد فسر د. عماد جاد- أستاذ العلوم السياسية- هذا الموقف قائلا: هناك مَن يقول إن الحكومة الإسرائيلية تتخذ هذا الموقف خشية تطبيقه على إسرائيل، بمعنى أن تخفيض المساعدات العسكرية لمصر سوف يعقبه تخفيض مماثل للمساعدات المقدمة لإسرائيل على أساس أن المساعدات ارتبطت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية، وبدأت واشنطن فى تقديمها للطرفين، مساعدة منها فى ترسيخ السلام بين البلدين، وهناك مَن أضاف إلى ذلك خوف إسرائيل من أن تقوم مصر ردًّا على ذلك بإلغاء المعاهدة أو طلب تعديلها، وفى تقديرى أن هذه التفسيرات غير دقيقة، صحيح أن المساعدات ارتبطت بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية وكانت مقدمة من واشنطن فى محاولة منها لترسيخ معاهدة السلام بين البلدين، لكن الصحيح أيضًا أنه لم ينص على هذه المساعدات فى المعاهدة، كما أنه لا يوجد ما يجبر واشنطن على تخفيض مساعداتها لإسرائيل على غرار ما فعلت وستفعل بشأن مصر، ومن ثَم فلا تخشى إسرائيل إقدام مصر على إلغاء المعاهدة، لأنها تدرك تمامًا أن السلام هو قرار دولة ومجتمع فى مصر، وأنه ليس من مصلحة مصر خوض حرب جديدة مع إسرائيل ببساطة، لأنه لا يوجد ما يبرر خوض هذه الحرب، والمبرر الرئيسى هنا سيكون الدفاع عن الأراضى المصرية والأمن القومى المصرى، وما دامت إسرائيل لن تقدم على المساس بأى منهما، لا يتوقع أن تدخل مصر فى حرب مع إسرائيل، وهو الأمر الذى تفهمه إسرائيل جيدًا وتدركه الحكومة اليمينية التى تتولّى الحكم اليوم فى إسرائيل. فى نفس الوقت، مؤكد أن مصلحة إسرائيل تكمن فى تقليص القدرات العسكرية للجيش المصرى. وأضاف عن أسباب الرفض في مقال له: السبب الرئيسى هو أن إسرائيل تدرك تمامًا أن المساعدات التى تقدمها الولاياتالمتحدة لمصر تعطى لواشنطن قدرًا كبيرًا من التأثير على القرار المصري وتمنح واشنطن نفوذًا كبيرًا على مصر، هذا إضافة إلى أن تقديم المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر يجعل الجيش المصري تحت مراقبة ومتابعة واشنطن ومن ثَم إسرائيل في كل ما يخصّه من أسلحة ومعدات، كما أن ذلك يساعد إسرائيل على معرفة تسليح الجيش المصري معرفة تامة، وتخفيض المساعدات الأمريكية لمصر يعنى تقليص النفوذ الأمريكي من ناحية ودفع مصر إلى تنويع مصدر السلاح، وهو أمر يحرم إسرائيل من مزايا هائلة، منها استمرار النفوذ الأمريكي على مصر ومعرفة إسرائيل لأسلحة الجيش المصري، باختصار تدرك إسرائيل، وربما بدرجة أعمق من الإدارة الأمريكية، أهمية استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وتقدر على نحو أكثر ذكاء من الإدارة الأمريكية للعواقب السلبية المترتبة على تقليص المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر، وأخيرًا لا يمثّل الإخوان المسلمين قيمة لإسرائيل فهي أكثر من واشنطن قدرة على فهم عقلية الجماعة وما تحمله من فكر متطرّف، فقد تعاملت إسرائيل مع الفرع الفلسطيني للجماعة، وخلصت إلى خطورة ما تحمله من فكر تجاه الدولة العبرية، ومن ثَم لا تحمل إسرائيل في قلبها تعاطفًا كالموجود في قلب أوباما، كما أن تل أبيب ليست العاصمة التي تكتفي بوعود أو عهود، بل تتعامل بواقعية شديدة مع كل ما يحيط بها. وقد ذكرت صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية أنه على الولاياتالمتحدةالأمريكية أن تدعم الجيش المصرى بدلا من وقف المساعدات العسكرية قبل أن تتحول لدولة إسلامية متشددة. وأضافت الصحيفة العبرية أن الولاياتالمتحدة بدأت تفقد مصر منذ فترة طويلة كحليف إستراتيجى، وأن الرئيس الأمريكى باراك أوباما، يتعمد منذ وقت طويل تجاهل مصر ويعاديها بعد فقدان حليفه الرئيس السابق محمد مرسى، موضحة أن أوباما صعّد من خطواته بعد قطع مئات الملايين من المساعدات العسكرية لمصر، كإشارة منه إلى أن المصريين لم يصبحوا حلفاء مخلصين له. وأكدت يديعوت أن خطوات أوباما ضد مصر ستجعل من الروس موضع ترحيب مرة أخرى بعد طرد خبرائهم العسكريين عام 1972 من قبل الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مشيرة إلى أن الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، قادر على تعزيز صورته كحليف مخلص للقاهرة خاصة بعد وقوفه بجانب سوريا ضد أى هجمات غربية ضدها باقتراح نزع الأسلحة الكيميائية. وأكدت يديعوت أن تمكين روسيا لتكون على رأس الشرق الأوسط ليست جيدة بالنسبة للولايات المتحدة وإسرائيل، مضيفة أن بوتين يحاول أن يكون راعى لمحور الشيعى المناهض للغرب بما فى ذلك إيران وسوريا بدعمه لنظام الأسد فى سوريا وحزب الله فى لبنان. وقالت مجلة فورين بوليسي الأمريكية إنه مع تراكم الضغوط على واشنطن لقطع المساعدات العسكرية الممنوحة لمصر، تجد مصر ما وصفته المجلة ب "صديق ولو انه غير ملائم" في واشنطن يتمثل في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (الايباك) ذلك اللوبي الصهيوني صاحب التأثير القوي والذي يدافع عن استمرار المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر وعدم قطعها حتى لا يتزعزع استقرارها وتتأثر إسرائيل بذلك سلبا حسب رؤية المجلة. وذكرت المجلة أن المساعدات العسكرية الأمريكية لمصر والتي هي بمثابة حافز لمصر للحفاظ على السلام مع إسرائيل عرضت واشنطن إلى انتقادات عالمية مع مواصلة السلطات المصرية حملة القمع ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة وذلك باستخدام دبابات وغاز مسيل للدموع بتمويل أمريكي.