تحري الحلال والتمسك به درجة عالية من درجات الإيمان فالمال الحلال أو الكسب الحلال يبارك الله فيه ويبارك لصاحبه والعكس يكون خرابا ودمارا. يقول الدكتور إبراهيم الهدهد رئيس جامعة الأزهر الأسبق: أبو الحسن المكي كان له ابنة مقيمة بمكة أشد ورعا منه وكانت تقتات بثلاثين درهما كل سنة يرسلها أبوهما من ثمن الخوص الذي يبيعه وكان ابن الرواس ذاهبا للحج فجاء فسلم عليه وسأله حاجته فسلم إليه قرطاسا ليسلمه ابنته بمكة قال ابن الرواس فأخذت القرطاس وعلمت أنه لابنته فسألت عنها فوجدتها أشد زهدا من أبيها فطمعت أن يصل إليها شيء من مالي ففتحت القرطاس وجعلت الثلاثين خمسين وسلمته إليها ثم سألتني عن خبر أبيها فقلت بخير فقالت: قد خالط أهل الدنيا وترك الانقطاع إلي الله تعالي ثم قالت: أسألك بالله هل خلطت بهذه الدراهم شيئا من عندك ؟ فقلت: نعم فمن أين علمت بهذا؟ قالت: ما كان أبي يزيدني شيئا لأن حاله لايحتمل أكثر من هذا إلا أن يكون ترك العادة فَلَو أخبرتني بذلك ما أخذت منه أيضا شيئا، ثم قالت لي: خذ الجميع فقد عققتني من حيث أردت أن تبرني فقلت: ولمَ؟ قالت: لا آكل شيئا ليس هو من كسبي ولا كسب أبي ولا آخذ من مال شيئا لا أعرف كيف هو، فقلت: خذي منها الثلاثين كما أنفذ إليك أبوك وردي الباقي فقالت: لو عرفتها بعينها من جملة الدراهم لأخذتها ولكن قد اختلطت بما لا أعرف جهته فلا آخذ منها شيئا وأنا الآن أقتات إلي الموسم الآخر من المزابل فقد أجعتني ولولا أنك ما قصدت أذاي لدعوت عليك. قال ابن الرواس فاغتممت وعدت إلي البصرة وجئت إلي أبي الحسن فأبي أن يأخذها لأنها اختلطت بغير ماله وقال لي: لقد عققتني وإياها ومازلت مدة أعتذر إليه حتي قال لي: تصدق بها. تأمل الخوف من الحرام من الوالد وابنته ورع من ورع، وخير من خير، لذا ساد هؤلاء الدنيا ولا طريق لنا في سيادتها سواه. ذكر الحكاية ابن الجوزي رحمه الله في صفة الصفوة.