وداعا للعلاج علي نفقة الدولة .. فالتأمين الصحي الشامل في الطريق (!!) ملمح مهم تتشكل معه بداية مناسبة لعام جديد .. بداية ، ربما تنجح في أن تخفي أثرا «غائرا» تركه عدد من نواب الشعب «السابقين» في نفوس المرضي و الأصحاء معا .. عندما امتدت أيدي هؤلاء لتتاجر فيما دبّرته الدولة من دواء، وأجهزة تعويضية كانت هي بارقة الأمل لغير القادرين والمعوذين (!!) الوضع الجديد رسمت معالمه بوضوح 4 سنوات مضت، دار خلالها جدل ساخن داخل أروقة البرلمان حول قانون التأمين الصحي الجديد أو الشامل.. وبحسب ما كان معدا، كان من المفترض أن يكون العام 2011 هو العام الذي ستشهد خلاله جميع محافظات مصر تطبيق القانون الجديد، إذ سيكون الاشتراك به إلزاميا للجميع.. سواء المنتمين منهم لنظام التأمين القديم، أو غير المؤمن عليهم من الأصل.. لكن الصورة اختلفت قليلا بعض الشيء. فقد كان الكثير من التساؤلات لايزال يفرض نفسه علي الجميع،منها : ما الضمانات التي تكفل استمرار النظام الجديد؟.. وهل ستدخل زراعة الأعضاء ضمن العلاج علي نفقة الدولة بعد إقرار اللائحة التنفيذية لقانون زراعة الأعضاء، وبدء إعطاء المراكز والمستشفيات العلاجية حالياً مهلة لتوفيق أوضاعها، حتي يوليو القادم؟.. وهل سيتم وقف التعامل مع المستشفيات الجامعية والاكتفاء بالتعامل مع المستشفيات الحكومية التابعة لوزارة الصحة.. ثم أخيرا هل تم تحديد سقف معين للأمراض المستعصية كالفشل الكلوي وأمراض الكبد والأورام السرطانية، أم ستظل القيمة رهينة تحديد الخدمات التي تقدم للمريض، لا وفقا لتكاليف العلاج الفعلية؟ حملنا هذه التساؤلات إلي المسئول الأول عن العلاج علي نفقة الدولة بوزارة الصحة (د.هشام شيحة) وكيل أول الوزارة والمشرف علي المجالس الطبية المتخصصة. شيحة قال: لن نستطيع أن نضحي تماما بالعلاج علي نفقة الدولة في الوقت الحالي.. إذ أن قانون التأمين الصحي الشامل سيبدأ تطبيقه مرحلياً بسبب عجز الميزانية، التي بلغت 20 مليار جنيه. وعلي هذا.. فلن تشهد تطبيقه كل المحافظات.. سنبدأ بثلاث محافظات، هي: السويس وسوهاج والإسكندرية، حتي عام .2015 وبالتالي فالعلاج علي نفقة الدولة مستمر لحين الانتهاء من تغطية التأمين الصحي لجميع المنتفعين به في مصر، موضحاً أن نفقة الدولة حاليا تغطي 50% من السكان لغير المؤمن عليهم. لكن الجديد هذه المرة هو أنه سيتم تطبيق ضوابط مشددة للعلاج علي نفقة الدولة.. منها أن يلتزم مقدمو الخدمة أو المستشفيات التي تم التعاقد معها بالكود أو بالأسعار العالمية في حساب تكلفة علاج كل دواء.. حتي نحقق الخدمة لكل المرضي علي السواء، دون تفرقة. فلدينا 5 مجموعات أساسية ميزانياتها معروفة.. فالغسيل الكلوي تكلفته السنوية تقدر ب18 ألفاً و360 جنيها'' شاملة 3 جلسات أسبوعيا، وتصل ميزانياتها السنوية إلي 550 مليون جنيه.. والأورام الخبيثة ميزانياتها تصل إلي 400 مليون جنيه.. وعمليات القلب المفتوح 12 ألف جنيه.. بالإضافة إلي حقن الأنترفريون لأمراض (فيروس سي)، إذ يتم اعتماد مبلغ 500 مليون جنيه لها سنويا، فضلا عن حزمة الأمراض التي تضم: نقص المناعة والسكر والربو.. أما ما دون ذلك فيتم إرسال المريض بخطاب لأي مستشفي حكومي تم التعاقد معه. سألنا شيحة: هل سيختفي الوسيط الذي كان يتسبب في عرقلة الكثير من القرارت، أم أن الأمر سيزداد سوءاً؟ فقال: من خلال إحصائية قمنا بها داخل المجالس الطبية المتخصصة وجدنا أن 51% من القرارات كان يقوم بها الوسيط(!!).. لكن منذ يناير الماضي وصلت إلي 2% فقط.. وقال: استحدثنا آلية جديدة استهدفت ربط 70 مستشفي تم التعاقد معها بشبكة الإنترنت بالمجالس الطبية.. لتقدم تقريرا عن حالة المريض الصحية.. وفي الحال ترد عليها المجالس بتقرير للجنة الثلاثية.. بعد دراسة حالة المريض. ولقد نجح هذا النظام في تخفيض أعداد المرضي الوافدين إلينا من المحافظات ليتزاحموا علي شبابيك المجالس من 15 ألف مواطن شهريا إلي 7 آلاف فقط، مردفا: إن الطلبات الواردة عن طريق مندوبي المستشفيات مازالت مستمرة. وقال: لأول مرة سيتم إصدار تقارير المجالس الطبية مزودة بعلامة مائية حتي لا يتم تزويرها، ويتكرر ما حدث سابقا.. ونجد أنفسنا نواجه من جديد فساداً في إصدار القرارات بعد أن انتهينا من وضع الضوابط الجديدة. أما عن إمكانية الحصول علي قرار لزراعة الأعضاء فقال شيحة : إنها مدرجة بين قرارات العلاج.. فقرار زرع الكلي تكلفته 20 ألف جنيه.. وزرع النخاع قيمته 75 ألف جنيه.. وزرع القرنية 45 ألف جنيه. أما زراعة الكبد فالقرار قيمته 50 ألف جنيه.. وهو لا يكفي لعملية الزراعة التي تصل تكلفتها الي 200 ألف جنية إلا أن جمعية أصدقاء مرضي الكبد تتبرع ب75 ألف جنيه للمريض، بالإضافة إلي جمعيات أخري.. فنحن لا نستطيع أن نتكلف مصاريف العملية كاملة لأننا يحكمنا سقف لكل مريض لا يتعدي ال50 ألف جنيه، هي قيمة القرار الذي يأخذه علي نفقة الدولة. لم يفارق ناظرينا هذا الدور الرقابي (الغائب) للمجالس الطبية المتخصصة، ونحن نتحدث مع رئيسها.. أدرك من سياق الكلام أننا نميل إلي أن هناك فوضي «فعلية» تضرب أركان الدور المنوط بالمجالس داخل المستشفيات الحكومية التابعة للوزارة ..فاستدرك قاطعا سياق حديثه السابق: لقد شددنا دورنا الرقابي بشكل كبير .. وأصبح لدينا 29 مديرية «للكومسيون العام» منوط بها مراقبة المستشفيات في المحافظات.. فضلا عن الرقابة المركزية داخل المجالس التي تراقب يوميا مابين 3 آلاف إلي 4 ألاف قرار يتم إصدارها من المجالس الطبية المتخصصة. قلنا له: لكن هل ستشهد الفترة المقبلة وقفا نهائياً للتعامل مع المستشفيات الجامعية.. والاكتفاء بالتعامل مع المستشفيات الحكومية؟ فقال لنا: إننا لا نرسل حالات للمستشفيات الجامعية إلا إذا كانت الخدمة غير متوافرة في مستشفيات وزارة الصحة.. فمثلا ليست كل مستشفيات وزارة الصحة مجهزة بوحدات الغسيل الكلوي، وبالتالي نضطر للجوء إلي مستشفيات الجامعة . وكذلك عمليات القلب المفتوح.. فمعهد القلب يعاني من وجود قائمة طويلة للانتظار، قد تصل إلي شهرين حتي يتمكن المريض من إجراء جراحته المطلوبة.. وبالتالي نضطر لإرساله إلي مستشفيات جامعية. لكنني أوقفت التعامل مع المستشفيات الجامعية الاستثمارية كقصر العيني الفرنساوي ، وعين شمس التخصصي .. التي تغالي في تكاليف إجراء العمليات الجراحية، إذ تصل مثلا تكاليف عملية القلب المفتوح الي 40ألف جنيه ، في حين أن تكلفتها الفعلية 12 ألف جنيه، مؤكدا استمرارية إصدار قرارات (العلاج علي نفقة الدولة ) بمتوسط يتراوح بين 90 ألف جنيه و100 ألف شهرياً بتكلفة تتراوح مابين 130 ألف جنيه و140 ألف جنيه.