مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



استراتيجية أم العروسة

فاصل من الضحك بطولة بشار الأسد وأحمدي نجاد
بخلاف أوجهه الكثيرة، فإن الرئيس الإيراني أحمدي نجاد كشف يوم الخميس عن وجه ساخر جديد، حين وصف تصريحات لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون بأنها تشبه (كلام أم العروس).. لا فائدة له.. وفيما يبدو فإن هذا هو وصف كلام (أم العروس) في الثقافة الفارسية.. تلك التي نشير إليها في ثقافتنا المصرية بأنها تبدو منشغلة وإن كانت غير ذلك.. ومن المؤكد أن هيلاري كلينتون لن تستطيع ببساطة استيعاب المعني (العميق) الذي قرر نجاد أن يبلغه لها من دمشق.. بهذه العبارة الدارجة.. لكنها بالتأكيد - وعبر عدد لابأس به من المستشارين - سوف تستوعب أن الرئيس الإيراني إنما كان (يتمسخر) عليها.
عمليا، لم يكن نجاد وحده في هذه الحالة المستهزئة، بل كان إلي جانبه مضيفه الرئيس السوري بشار الأسد، وبدوره سخر - بقدر أقل من الحدة - من هيلاري كلينتون، ومطالبتها لسوريا بالابتعاد عن إيران.. وقال في المؤتمر الصحفي: كيف يدعون إلي الاستقرار في المنطقة ثم يدعون إلي التباعد بين دولتين.. أي دولتين. ومن ثم قرر الرئيس الأسد أن ينافس الرئيس نجاد في مستوي خفة الظل.. فقال: نحن التقينا اليوم - يقصد هو ونجاد - لتوقيع اتفاقية الابتعاد.. ولكن ربما بسبب خطأ في الترجمة ومحدودية الفهم، فإننا وقعنا اتفاقية إلغاء تأشيرات الدخول بين البلدين.
واقعيا، لا أتفق غالبا مع التوجهات التي يتبعها الرئيس السوري.. لكنني في هذه المرة سوف أؤيده في معني ردده.. إذ إن (محدودية الفهم) هي الصفة التي تميزت بها واشنطن والعواصم الأوروبية التي رأت أنه بالإمكان أن تقوم بجهد نوعي لإقناع سوريا بالابتعاد عن إيران وإنقاذ نفسها مما ينتظر أمة فارس بسبب تبعات الملف النووي الإيراني المتصاعدة.
-إغواء ساركوزي
لقد بدأ هذا التوجه منذ ما يزيد علي عامين الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، الذي شخص ارتماء سوريا في أحضان إيران بأن سببه هو أن الأبواب مغلقة في وجهها.. ومن ثم تبني السياسة الداعية إلي استيعاب سوريا.. وفتح الأبواب أمامها.. ظنا منه أن ذلك حين يأتي من فرنسا حليفة المعسكر المناوئ لسوريا في لبنان، فإنه سوف يشجع سوريا علي فتح النوافذ والقبول بالإغواء الفرنسي.. وقابل الرئيس الفرنسي نظيره السوري في الإليزيه في عام 2007. لأول مرة منذ وقع اغتيال رفيق الحريري قبل ذلك بأكثر من عامين.. ومن المثير أن ساركوزي لم يكتف بفرنسية الإغواء، وإنما كان أن مضي في توسيع دائرة العرض وأقنع بعض الدول الأوروبية بتوجهاته فانجرفت وراءه خلال السنة الماضية، خصوصا بعد حرب غزة.
هكذا عرفنا، بعد عزلة طويلة، زيارات الحج إلي دمشق، وتغني حكام الشام لفترة طويلة من الوقت بأن عاصمتهم يأتيها من لم يكن يأتيها، وردد وزير الخارجية السوري وليد المعلم تصريحات مختلفة بشأن اهتمام العالم بسوريا.. وكان أن ذهب الرئيس الأمريكي أوباما، إلي نفس المنحي، خضوعا لآراء مستشارين في إدارته.. وفتحت الأبواب الأمريكية أمام سوريا.. وصولا إلي تعيين سفير أمريكي في دمشق قبل أيام.. وهو القرار الذي اتخذ في فبراير الماضي. ثم جاء الرد علي المسرح الفكاهي المدهش الذي ابتدعه الرئيسان بشار ونجاد يوم الخميس.. حيث قدما وصلة سخرية واستهزاء بالولايات المتحدة.. ألحقاها بضحك عالي الصوت أمام الكاميرات.. في عرض غير مسبوق.. ويرشحهما بالتأكيد إلي جوائز متقدمة في مسابقات نجوم الكوميديا والبرامج الهزلية.
ليس علي أحمدي نجاد أي حرج، للدقة لا جديد في موقفه، بلده في حالة صراع حاد مع الولايات المتحدة، ولكن اللافت جدا هو موقف الرئيس بشار.. والطريقة التي اختار أن يرد بها علي الرسائل الأمريكية - للدقة مرة أخري - الطلبات الأربعة المحددة.. وهي وفقا لما قالته هيلاري كلينتون أمام إحدي لجان الكونجرس: (طلبنا من سوريا الابتعاد عن إيران - مزيداً من التعاون في العراق - وقف التدخلات في لبنان - وعدم نقل أو تسليم أي سلاح لحزب الله).
وإذا كان رئيسا إيران وسوريا قد سخرا من هيلاري كلينتون، فلا أقل لكاتب مثلي من أن يجاريهما فيما ذهبا إليه، من حيث وصف هذه الطلبات التي طرحتها الوزيرة كلينتون بأنها تعبر عن سذاجة مفرطة منها ومن إدارة الولايات المتحدة برمتها، وتعبر عن عدم فهم حقيقي لواقع سوريا وطريقة تفكيرها وسياستها.
- الطلبات الأربعة
إن مجموعة الطلبات الأربعة مرتبطة بالطلب الأول أكثر من أي شيء آخر، أي أنها تتعلق بعلاقة إيران مع سوريا، وهي علاقة بنيوية.. تتجاوز حدود التنسيق الاستراتيجي بين دولتين.. وتمتد إلي سنوات بعيدة.. وإذا ما كانت قد أصبحت علنية وسافرة بالشكل الذي هي عليه الآن في عصر الرئيس بشار، فإنها لم تكن تقل متانة وحيوية في عصر الرئيس حافظ الأسد.. وإن لم يكن يتغني بها كما يفعل خلفه.
وليس من المدهش أبدا أن يكون أهم محورين في هذا التحالف منذ عصر الرئيس حافظ الأسد هما جبهة العراق وجبهة لبنان.. حيث تلاقت المصالح بين طهران ودمشق.. في سنوات مختلفة.. وإن تبدلت الظروف فيما يخص العراق.
ففي وقت سابق كانت إيران تريد التخلص من نظام صدام حسين وتعاديه إلي درجة الحرب الممتدة طيلة ثماني سنوات.. وكانت دمشق علي عداء عقيدي مع بغداد علي أساس اختلاف حزب البعث السوري عن حزب البعث العراقي.. فضلا عن التنافس علي مواقع الزعامة المتوهمة بين كلتيهما.
وفي وقت لاحق، وحين سقط العراق، وأصبح محتلا من الولايات المتحدة، فإن العمل المشترك الذي اتفقت توجهاته بين كل من دمشق وطهران بشأن العراق.. هو أن تقوم كلتاهما باختراق الحدود وممارسة قدر كبير من العبث داخل الدولة العربية المحتلة.. كلٌّ علي طريقته وكلٌّ من أجل أهدافه.
سوريا سهلت وفق ما تقول التقارير عمليات تهريب المسلحين والراغبين في الانضمام إلي القوي التابعة للقاعدة وغيرها منذ اللحظة الأولي لحرب 2003. وإيران دفعت بالألوف من مواطنيها إلي داخل مدن العراق حيث استغلوا أن السجلات ضاعت.. وقدموا أنفسهم علي أنهم مواطنون عراقيون بلا أوراق.. بهدف العبث في التركيبة الديموجرافية للمجتمع إلي الدرجة التي جعلت اللغة الأولي في البصرة حاليا هي الفارسية وليست العربية.. وللحق فإن إيران تتميز عن سوريا في هذا الملف بأنها غاصت أكثر وتدخلت في السياسة وتداخلت في النزاعات سرا وعلنا وكان لها إصبع في كل صراع طائفي.
سوريا تعتقد أنها تمارس ضغطا علي الولايات المتحدة من خلال تلك التسريبات البشرية المؤكدة.. لعل هذا يبقي العراق قلقا، فلا تنتبه القوات الأمريكية إلي ما يجري في سوريا.. وإيران تعتقد أنها قادرة علي ارتهان الجيش الأمريكي في العراق إذا ما وقعت حرب عليها، فيكون صيدا سمينا للانتقام.
- ساحة لبنان
في لبنان المسألة واضحة. دمشق - عقيديا - تؤمن بأن لبنان جزء منها، بل إنها لم تكن قد أسست سفارة في بيروت إلا قبل أشهر، وهناك ارتباط اقتصادي رهيب استنادا إلي شبكات راسخة من الفساد.. تجعل من لبنان فناء اقتصاديا غير معلن للأموال والموارد السورية.. بدون أن تضطر إلي تغيير نظامها الاقتصادي.. كما أنها تري أن من حقها أن ترتب البيت اللبناني وفق ما تريد.. وأن توزع الأنصبة فيه علي هواها.. وكانت تحتله لفترة طويلة بجيش عرمرم لم ينسحب إلا بعد اغتيال الحريري.. والنظام في سوريا يري أنه قد لُطم حين سحب قواته.. ومن ثم يواصل ممارسة العبث السياسي المدبر في داخل لبنان.
وإيران تري أن لبنان هو نافذتها علي البحر المتوسط، وهو ملعب شيعي أثير، ووسيلة عبر حزب الله لكي تخترق الأمة العربية، ولكي تبقي الاستقرار في المنطقة مقوضا، والحزب نفسه الذي اصطنعته ودربته وسلحته ومولته هو آلتها في تفجير المشكلات في لبنان وإسرائيل وعديد من العواصم العربية. وسوريا شريك متضامن في بناء هذا الحزب.. وكثير من عمليات بنائه وتكوينه وتنميته وعديد من عمليات إخفاء كوادره هي كانت جسرا فيها وإليها.. وطالما بقي الحزب وتأثيره السياسي لصالح الاستراتيجية السورية في لبنان، فسوف يبقي التحالف قائما بين طهران ودمشق بخلاف الأسباب الأخري.
دعنا هنا من تجاهل الطلبات الأمريكية الأربعة لموضوع الفصائل الفلسطينية وتوجيه سوريا لها ضد المصالحة وضد السلام.. وهذه الفصائل هي أحد جسور التحالف الوطيد بين طهران ودمشق، إلي الدرجة التي تجعل من قياداتها سفراء متنقلين وحاملي رسائل بين العاصمتين، دعنا من هذا.. ولكن كل المسائل المعلنة بين دمشق وطهران تثبت بما لا يدع مجالاً للشك وبما يمكن أن يرصده أي محلل قليل الخبرة أن هذا التحالف مرتبط بوجود النظامين.. وأنه قائم علي أسس استراتيجية لا تنفصم.. ويرتبط بتوجهات عقيدية يعني التنازل المتخيل أمريكيا وفرنسيا عنها أن نظام دمشق إنما يخلع ملابسه ويغير جلده ويبدل عقله.. أي أنه يرتضي أن يكون نظاما آخر.. وتلك أمور لا تحدث بالبساطة التي تصورها ساركوزي أو توهمتها كلينتون.
ربما لاحظ بعض زائري دمشق في الأشهر الأخيرة أن عيون الأسد لمعت قليلا، وانجذبت إلي العروض الإغوائية، ولكن هؤلاء الزائرين لا يدركون أن التحالف مع إيران لا فكاك منه.. ويقتضي التخلص منه أمورا جوهرية لا تتخذ بقرار تدريجي أو ثوري.. ولايقدر عليه فرد أيا كان موقعه.. ولاسيما أن البدائل هي في حد ذاتها ضد عقيدة النظام السوري.. وعلي رأسها السلام مع إسرائيل.. والأهم أن إيران لوحت عدة مرات ولمحت وصرحت وأفصحت.. وكانت تتلقي ردا سوريا واضحا.. يطفئ بريق العينين.. ويؤكد أن سوريا علي نهج فارس ولن تخرج بعيدا عنه ولو سنتيمترات قليلة لإرضاء الفريق المقتنع بأنه يمكن فتح الأبواب لها للابتعاد عن طهران.
وما يعضد هذه الرؤية هو أن سوريا لديها مطامع كبيرة من الأبواب المفتوحة.. تبدأ من عند تقديم ضمانات بعدم ملاحقة مسئوليها في قضية اغتيال الحريري.. وتصل إلي حد الحصول علي مساعدات غربية مغدقة.. مرورا برغبتها في أن تعود إلي لبنان بالطريقة التي تراها.. وأن ترفع عنها العقوبات والقرارات الدولية والأمريكية المختلفة.. وهي طلبات أربعة أيضا لم تنل منها سوريا شيئا.
وبالتالي فإن حلا وحيدا يمكن أن يبعد سوريا عن إيران ويجعلها تعيد حساباتها.. ألا وهو أن يتعرض النظام في إيران إلي عقاب صارم.. وربما قاصم.. وهو سيناريو مطروح ولانقترحه بالطبع.. وحتي في هذه الحالة إذا ما وقعت فإن طريقة تفكير سوريا وسياستها في المنطقة لن تتبدل بالبساطة المتخيلة.. حتي لو وجد الأسد نفسه وحيدا مع بقايا الفصائل والأطراف التي أنتجها التحالف الطويل والعميق مع إيران.
- حديث الوحدة
قبل أشهر سافر ناجي عطري رئيس الوزراء السوري إلي طهران علي رأس وفد ضم تقريبا نصف حكومته.. وقابلوا أركان الدولة الإيرانية وانعقدت اجتماعات أكدت علي عمق الارتباط بين النظامين.. وكان هذا في عز التحركات الأوروبية والأمريكية وغيرها التي تغازل سوريا وتحاول إقناعها بأن تبتعد عن إيران.. ثم حين توهم أصحاب العروض أنه قد حان موعد القطاف وأن سوريا كادت أن تقتنع.. فإن أحمدي نجاد سافر إلي دمشق.. ولعب دور البطولة في المسرحية الكوميدية التي رأيناها يوم الخميس.. حيث كان إلي جانبه السنيد.. ودار في المؤتمر الصحفي حديث ليس فقط علي سبيل الاستهزاء بهيلاري كلينتون وإنما أيضا بترديد عبارات عن (الوحدة) وبما يفوق معاني العمل المشترك والتحالف المعروف.
بالإجمال سوف أسجل عددا من النقاط في قراءة هذا الموقف المضحك والمثير للسخرية بالفعل.. ليس سخرية علي من توهموا.. ولكن سخرية منهم.. لأنهم بدوا بهذا القدر من السذاجة المفرطة في التعامل مع ملفات إقليم معقد:
- في مسألة حزب الله.. كيف تتخيل الولايات المتحدة أن سوريا سوف تتوقف عن تسليح حزب الله.. أو أن تكون جسرا إلي تسليحه.. إذا كان أحد مصادر تسليحه هو أحد أهم مصادر تسليحها نفسها.. والأهم إذا كان القرار الدولي 1559 لم يستطع أن يمنع الحزب بعد حرب لبنان من الالتزام بمجموعة المقررات التي فرضها عليه مجلس الأمن.
والأهم، أن العلاقة مع حزب الله، هي رأس حربة سورية.. فيها إلي جانبه مجموعة من التنظيمات الفلسطينية التي تستخدم في أداء أدوار بعينها تخدِّم علي الأهداف السورية التي ليس من بينها السعي إلي أي استقرار في معادلات الإقليم.. بل تعضيد الاختلال والارتباك والتثوير.. وانتهاج سياسات الستينيات التي تخطاها الزمن وتجاوزها، لكن يبدو أنه حين تخطاها فضل أن يستقر في المحطة الأخيرة داخل دمشق.
عمليا حزب الله هو القائد النوعي، علي شيعيته، الذي عينته إيران رئيسا لمجموعة الفصائل والتنظيمات الإقليمية، المسماة فارسيا بأنها فصائل المقاومة، وهي تضم حماس وغيرها.. وتتعاطف معها في الخلفية جماعة الإخوان.. وقد تبلور ذلك منذ زمن وتجسد أثناء حرب غزة.. واستخدم أولئك الوكلاء في تنفيذ المخطط الإيراني الذي قامت فيه سوريا بدور مهم وإن كان (سنيد).
- في بعض الأحيان يستطيع النظام في سوريا أن يخادع، أو يقنع، عددا من المسئولين والدبلوماسيين الغربيين الذين يزورون دمشق، أنه قادر علي أن يقوم بنوع من الإلجام لحزب الله، وأن لديه القدرة علي السيطرة علي الفصائل التي يديرها في الملف الفلسطيني، ومن ثم تتصور الأذن المستمعة والمقتنعة أنه يمكنه ذلك.. وأن ذلك قد يكون دورا تلعبه سوريا في الخفاء.. وأنها يجب أن تعطي فرصة لكي تدير تحولها عن إيران في هذا السياق.. حتي لا تتحول تلك الفصائل إلي طهران مباشرة ولا يكون حزب الله بعيدا عن قبضة سوريا المؤثرة فيه.
ولكن هؤلاء لايدركون حقيقة أعقد من هذا التبسيط.. وأن الذي يمكنه أن يسيطر، يمكنه كذلك أن يوجه تلك الفصائل والحزب إلي العكس.. وأنه لو كان قادرا علي أن يقوم بما يقترح في الغرف المغلقة، فإن من المفترض أن تكون هناك نتائج علي الأرض.. وأن تتضح الأمور في اتجاهات أكثر صراحة.
وحتي لو كان النظام في سوريا قد قدم - كما تقول تقارير مختلفة - تعاونا استخباريا وقدم معلومات بشأن عناصر يلاحقها الغرب.. فإن الواجب الانتباه إليه أن هذا التعاون له حدود معروفة.. وأساس واضح وهو أن تلك العناصر وما يشابهها هي من أدوات دمشق التي لا يمكنها الاستغناء عنها.
- لقد تلقي الغرب والولايات المتحدة ومن يؤيدون وجهة نظرهم في فتح الأبواب أمام سوريا لكي تبتعد عن إيران، تلقي صفعة علنية.. تتجاوز حدود معناها السافر إلي أبعاد عميقة للغاية في إطار التحالف بين إيران وسوريا.. وهذا درس جديد وأكيد لكل هؤلاء الذين يتعاملون مع ملفات الشرق الأوسط بدون فهم.. وبتصورات تقوم علي التجريب فيما تم تجريبه.. والذهاب إلي آفاق سبق اجتيازها ومعرفة أبعادها.
والأهم هنا هو أن قوي الاعتدال في المنطقة تقف تتفرج علي تلك المسرحية العبثية المهدرة للوقت بين الغرب والولايات المتحدة من جانب والنظام في سوريا من جانب آخر.. ولا شك أن الرسالة الواضحة فيما يجري هي أن الخارجين عن القانون الدولي الذين تلاحقهم الاتهامات الدولية في محاكم معلنة.. إنما يمكنهم أن يحافظوا علي مصالحهم بالطريقة التي يريدونها وأن يسببوا توترا للإقليم، بينما الغرب والولايات المتحدة يمارسان التجريب.
لقد رد الحليفان علي استراتيجية فتح الأبواب علي دمشق باستراتيجية أم العروسة.. وهذا هو أفضل رد علي السذج قليلي الخبرة بعالم الشرق الأوسط.

عبد الله كمال
يمكنكم مناقشة الكاتب وطرح الآراء المتنوعة علي موقعه الشخصي
www.abkamal.net
أو علي موقع المجلة :
www.rosaonline.net/weekly
أو علي المدونة علي العنوان التالي:
http//:alsiasy.blogspot.com
Email: [email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.