السؤال الآن.. هل انتصرت "الجزيرة" علي الإعلام المصري بالضربة الكروية؟! .. وللأمانة هناك مبررات تطرح السؤال مع إخفاق إعلامي مزمن علي حقوق إذاعة كل بطولة قارية أو دولية، دون أن نجد حلاً لإدمان الفشل الذي نمارسه مع سبق القصور والإهمال.. أما الخطورة فهي أن البعض وضع هذا السؤال لإجابة استقرت لديه مسبقا، وأمنية تمناها لتصفية حسابات مع الدولة المصرية عبر البوابة القطرية! ما جري سابقا، في أزمات تكررت مع ART لم نستفد منها وأصابتنا لدغة "الجزيرة" لغياب الرؤية والإرادة، وحسن إدارة الأزمات وهو ما يكشف بوضوح دون لبس ضرورة إعادة النظر في إدارة ملفات الإعلام والرياضة، وفق منظومة أعمق وأعم تتجاوز إمكانيات من يديرونها حاليا ورؤيتهم السطحية دائما! ليس من قبيل التهويل أو المبالغة، أن تصبح كرة القدم وإذاعة بطولاتها علي قدر أهمية رغيف العيش لدي المواطن العادي، فهي من مقومات القوي الناعمة soft power للدول، وتظل البرازيل نموذجا يحتذي.. خصوصا أن اللقاءات الكروية عادة ما يتم صبغها سياسيا وحضاريا بعد أن أصبح تبادل الكرة بالأقدام هو تهذيب لفكرة ركل رؤوس الأعداء في الحروب الغابرة! المدقق لمجريات الأمور والمتابع لها قبل أكثر من شهرين، يلمس تغيرا لافتا في إدارة قطر لمنظومتها الإعلامية، بعد أن استنفدت "الجزيرة" الإخبارية أهدافها، فحولت بوصلتها إلي كرة القدم مستفيدة من دراسات وأبحاث وشواهد حول اللعبة الشعبية الأولي في صياغة وعي الجماهير الغفيرة، وطريقة حشدها، وتسخير كل ذلك لتأليب الشعوب ضد أنظمتها وحكوماتها! في سبيل ذلك كانت الصفقة الأكبر والأضخم باحتكارها أغلب البطولات القارية العالمية الكروية بعد صفقة شرائها واستحواذها علي باقة ART الرياضية، والتي أحدثت دويا ليس فقط في قيمته المالية المبالغ فيها "23 مليار ريال سعودي"، ولكن لتحليل خلفياته وأسبابه التي غابت عنا، فلم نعلم بها أثناء المفاوضات، وعند التوقيع عليها لم نبحث عن حقوقنا المهدرة! لامبالاة واستهتار، أن نغض الطرف عن حقوق أصيلة لدي ART ووريثتها الجزيرة الرياضية، وظلت إدارة الإعلام المصري مغيبة سهوا أو عمدا، عن صفقة مهمة ذات دلالات سياسية، والأدهي أننا لم ندخل مفاوضات البحث عن حقوقنا إلا قبل الدورة بأيام قليلة، كنا فيها الطرف المذعن والأضعف رغم أن لوائح الاتحاد الأفريقي تعطي الحق للفرق المشاركة في بطولة أمم أفريقيا لمشاهدة مبارياتها، كما أن اللائحة تنص أيضا، أنه في حالة انتقال أو بيع ملكية الشبكة صاحبة حق إذاعة البطولة الأفريقية لأخري أن يعاد الاتفاق وتدخل في مفاوضات جديدة تحافظ علي حقوق الدول المشاركة! إدمان الفشل الإعلامي انتقل إلي مرحلة الشلل الكامل، فأصابتنا البغتة، ولم نقو علي التحرك في اتجاه مقابل، أو اتخاذ حزمة إجراءات وقائية موجعة مثل التنسيق العربي عبر اتحاد الإذاعات العربية والتي كانت هي من تقوم بشراء حقوق إذاعة البطولات القارية، ولم نحاول إفاقته كخط مواجهة مع احتكار الجزيرة وتعنتها، مع العلم أن أسعار بيع حقوق مباريات كرة القدم مبالغ فيها لاتستطيع أغلب الدول منفردة الحصول عليها، وهو الأمر المختلف لشبكة قنوات الجزيرة صاحبة الميزانية المفتوحة غير الهادفة للربح، بقدر ما تهدف للبحث عن أدوار، وتوجيه قبلة الإعلام السياسي والرياضي وحتي قنوات الأطفال إلي شبكتها! علي ما تقدم، يخطئ من يظن أن ما قامت به قطر منفردة، ظهيرة يوم لقاء مصر ونيجيريا بإذاعة مباريات منتخبي مصر وتونس علي قناتها المفتوحة، تفضلا منها علي شعب الدولتين، بعد أن وصلت المفاوضات الحكومية لطريق مسدود، وتعنت مقصود من إدارة الجزيرة، وأن خطوة إذاعة المباراة كان الهدف منها إحراج الحكومة أمام الشعب، بعد أن قدمتنا وزارة الإعلام المصرية بأدائها علي طبق من فضة أمام الجزيرة، وهي التي تعنتت سابقا في حقوق المباراة الفاصلة بين مصر والجزائر بالقاهرة، وهي أيضا من دخلت معارك مع جناحها الخاص، وأقصد قنوات دريم والحياة ومودرن، وفقدتها كظهير إعلامي ودعم وعون لمنظومة الإعلام المصري مقابل تكتلات سعودية وقطرية وشيعية ملأت الفراغ الفضائي! لم يكن ظهور أسامة الشيخ علي شاشات التليفزيون المصري، كاشفا المفاوضات المتعنتة مع "الجزيرة"، كافيا لإزالة الحرج والخطأ عن إدارة الأزمة، وحتي ردود الفعل المكتومة والمتوقعة لم تغب عنها المراهقة السياسية بتقديم اقتراحات برفع سعر تأجير الجزيرة لقنواتها القمرية علي النايل سات أو منع بثها نهائيا، أو التواطؤ مع أصحاب الشبكات ولم تستطع أن تأخذ قرارا موجعا بمنع تداول بطاقات الجزيرة، مستفيدة من القضية الشعبية في الشارع وحملات المقاطعة التي قادها المصريون ضد الجزيرة، واكتفت بنقل مشاعر الجماهير المهتاجة والمغضوب عليها دون حتي أن تتخذ إجراءات عقابية ضد ART والجزيرة! خصوصا أن "الجزيرة" تملصت من عقود والتزامات مع شركة CNE، وقامت منفردة بالاتفاق مع وكيل "راديوشاك" و"موبيل شوب" في مصر لتوزيع كروت المشاهدة الذكية لباقة الجزيرة الرياضية عبرها رغم غياب الإمكانيات لديها! التهوين مما جري، ورفع شعار لم يكن في الإمكان أفضل مما كان، يجب محاسبة المسئولين الإعلاميين عليه، خصوصاً أن صفقة الاستحواذ الأهم كان أن جرت لها تسويات إعلامية من شبكة ART بعد إصابة الشيخ "صالح كامل" بكسر في الحوض تطلب إجراء عملية جراحية سوف تحتاج عملية أخري، وذهب إلي مقر شركته علي كرسي متحرك، كما أنه أجري عملية قلب مفتوح منذ فترة قصيرة من عام تقريباً كان أثناءها أن نشب صراع بين أولاده وتم تهديد نجاحات شبكته مع انتشار وصلات الدش في كثير من الدول العربية وانتهي إلي تقسيم باقة الرياضة وبيعها للجزيرة، علي أن يكون ذلك نصيب أولاده السعوديين وهو ما لقي رفضاً داخل الحكومة السعودية التي لم تستسغ الصفقة وحاولت إيقافها وأبدت تخوفاً من نقل مباريات الدوري السعودي علي قناة قطر! أما قنوات الأفلام فكانت قسمته لأولاده من زوجته "صفاء أبوالسعود" وكان مقرراً لها أن يتم بيعها إلي الأمير "وليد بن طلال" مقابل 6 مليارات دولار، وهي الأضخم نظراً لأنها تضم أكبر مكتبة للأفلام العربية في الشرق الأوسط ولولا الأزمة المالية التي أضرت "الوليد" وأجبرته علي بيع 35٪ من باقة قنوات روتانا إلي شبكة Fox News الأمريكية المملوكة للملياردير اليهودي "ميردوخ"!. كل ذلك يدور دون أن تبحث وزارة الإعلام بإدارتها عن حقوق المصريين المشتركين في شبكة ART والتي تفجرت فجأة ومرة واحدة عند إذاعة البطولة، فلم تسع الوزارة للضغط بهذه الورقة أو الحفاظ علي حقوق الشعب المصري! وكان فارقاً هذا الأداء الكسيح إعلامياً، حين تم التفاوض مع سفير قطر بالقاهرة، وهو الأمر الذي كان ورطة لنا حين فشل التفاوض وفي المقابل فطنت مصر للفخ السياسي القطري ولم تعر الإدارة المصرية أي اهتمام للمطلب القطري، والذي كان يجري إعداده وفق سيناريو محكم أو كان ذلك تصرفا سياسياً مصرياً حكيماً، صاحبه دعم جماهيري في الشارع بعد أن أخفقت قطر في حساب أمورها واستغلال قوتها الناعمة وشحنت الشارع ضدها أو لم تفلح محاولتها بإذاعة المباريات في تأليب الشعب علي حكومته! ليس فيما سبق جلد للذات، بقدر ما هو إعادة قراءة الأمور وتشخيص الأخطاء، وتنبيه المعنيين بالأمر، فالملف الإعلامي، يحتاج إلي رؤية أشمل وأبعد، تتوافق مع الأمن القومي المصري، وتستفيد من مقومات وقدرات الدولة المصرية وتسخير ذلك لصالح الشعب، مع الوضع في الاعتبار أن ما تقوم به قطر عبر قنواتها ليس مقصوداً به مصر وحدها وإنما تستهدف منه ضرراً لكل الدول المناوئة لسياستها ومغامراتها.