رغم اختلاف الملابسات، وتنوع الجهات من الشرق للغرب، إلا أنه كان من الضرورى أن نطرح سؤالا ملحا على المشهد السياسى لماذا السادات؟! هذا السؤال الذى تردد على ألسنة كل المتابعين لأزمة الفيلم الأمريكى المتطاول على الزعيم الراحل، ولم يجدوا رداً .. فهل تحول السادات إلى لوحة نيشان من طهران وحتى واشنطن ؟!، الأمر بالطبع أكثر تعقيدا مما يتصوره البعض، فقد تجاوز كونه يمس رئيس له تاريخه وإنجازه الإقليمى والعالمى وسيادة مصر، بل يرسل رسائل مزدوجة حول أن مصر تمثل لأطراف عديدة فى إيران وأمريكا وفيما بينهما وجعا فى أدمغتهم يريدون مناوشتها بين الحين والآخر رغم أن الكثيرين انتقدوا تأخر صدور موقف أمريكى رسمى ضد الإساءة فى حق السادات فى الفيلم الأمريكى (أحبك يا رجل)، والذى شبهه بالكلب!.. إلا أن صيغة الرد الأمريكى الوارد من السفارة الأمريكيةبالقاهرة جاءت حاسمة، مؤكدة مدى تقدير بلادها إلى شخص الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذى حظى باحترام العالم، بل وصفته مارجريت وايت المتحدثة باسم السفارة بأنه من أعظم زعماء القرن العشرين لإسهاماته فى تحقيق السلام بالمنطقة وشخصيته الشجاعة، وقالت أنها صفات دوما تعلق بأذهان كثير من المعجبين بالرئيس الراحل، وكان مهما أيضا أن تهاجم السفارة هذا الفيلم المسئ معبرة عن تعاطفها مع أسرة السادات والمصريين كلهم الذين شعروا بالإهانة بسبب تطاولات هذا الفيلم، وأكدت مارجريت أن الحقيقة هى أنه لا يمكن لأية إشارة عابرة فى أى فيلم أن تنقص من قدره وميراث السادات العظيم! وكان قرارا صائبا أن تنهى واشنطن بوادر الأزمة التى نشبت بين الدولتين خلال الأيام الأخيرة، خاصة أنها حملت أبعادا معقدة مع اقتراب زيارة الرئيس مبارك للولايات المتحدة، ولم يكن من السهل أن يتحاور الجانبان لإعادة العلاقات المصرية الأمريكية لمسارها الطبيعى بعد فترة البرود خلال إدارة بوش، دون حسم هذه الملابسات المفاجئة والتى كشفت عنها قناة الحياة من خلال برنامجها (الحياة اليوم)، خاصة أنها كانت تسير فى طريق التصعيد والتسييس وركوب الموجة من بعض القوى لدرجة وصلت إلى الشماتة! لكن لو كان هناك جانب إيجابى فى هذه الأزمة، فهو أن الأمريكيين حتى الشباب والأجيال الجديدة منهم تعرف من هو السادات لدرجة أن هذا الفيلم الكوميدى استخدم اسمه فى حواره، بصرف النظر عن الغايات الخبيثة من وراء هذا! بالتأكيد أمر طيب أن يتعرف الشباب الأمريكى على السادات، خاصة أن الشباب المصرى قد لايتذكر رؤساء أمريكان سابقين مثل نيكسون أو ايزنهاور. وبالطبع فإن هذه الإيماءات الدنيئة لن تكون بعيدة عن تدخلات سياسية معروفة المصدر، إن ربطنا بين رسومات كاريكاتير مصرية، بل وإسرائيلية تشبه وزير الخارجية الإسرائيلى المتطرف (إفيجدور ليبرمان) بالكلب، وأيضا لن ننسى أبدا الكاريكاتيرات والرسومات التى تشبه الرسول محمد - صلى الله عليه وسلم - بالخنزير، وبالتالى فإنه من المنطقى أن تأتى هذه الإساءة من فيلم أمريكى يسيطر اليهود على صناعته مثله مثل كل شىء فى السينما الأمريكية اليهودية! ولأن للأزمة العديد من الأبعاد، فمن المهم أن نعرف من هى هذه الشركة المصرية المجهولة التى اشترت الفيلم الأمريكى المسىء الذى بدأ عرضه فى السينما الأمريكية مؤخرا، وكيف دخل من المطار دون العرض على المصنفات، وهل مجرد أن إيراداته وصلت إلى 71 مليون دولار فى 35 يوما كاف لأن أشتريه لأعرضه فى مصر دون البحث فى محتوى الفيلم؟! والمفاجأة أن الكل يتهرب من التهمة وفى مقدمتهم على أبوشادى الذى يقول أنه تم شطب الجمل المسيئة، لكن الحقيقة أنه تم عرض الفيلم بالعبارات والمشاهد المتطاولة والتى تشمل حوارا بين بطل الفيلم »بيتر« وصديقه »زوبى« حول كلبه واسمه، وآخر لبيت الكلب وعليه صورة الرئيس الراحل! وقال أبوشادى: لو شاهدنا هذه الإساءة لمنعنا الفيلم كله! وبالتأكيد من حق أسرة السادات أن يسيطر الغضب عليها رغم انقسامها بين التصريح العلنى بذلك والتعبير السرى عنه، حيث هاجمت ابنته »رقية« أعداء الرئيس الراحل الذين أساءوا له فى الفيلم، لأنه يقف وراء نصر أكتوبر ,73 ومعروف أن الشركة المنتجة للفيلم »دريم ووركس بيكتشر« الأمريكية مقربة للجمهوريين والمحافظين الجدد، بل أن مخرجه »جونج هامبرج« معروف بعنصريته وكراهيته للعرب، ولا تختلف هذه الجهات العدائية عن الأطراف الإيرانية التى تورطت فى إنتاج فيلم »إعدام فرعون« العام الماضى، وعلى الأقل الأمريكيون اعتذروا واعترفوا بخطئهم، لكن الإيرانيين كان كلامهم متلونا ورفضوا الاعتذار بشكل مباشر، ومنذ وقتها والعلاقات بين القاهرةوطهران متوترة للغاية! وزارة الخارجية متمثلة فى السفير حسام زكى المتحدث باسمها هاجمت القائمين على هذا الفيلم المسىء، وقال »زكى« إنهم مجموعة من الجهلة أو المتعمدين لهذه الإساءة والإهانة ولابد أن ندير حملة تأليب ضدهم خاصة أن الرئيس السادات يحظى بتقدير كبير فى أمريكا للأسباب التاريخية المعروفة، وطالب باعتذار القائمين على الفيلم عن هذا الأمر المؤسف البعيد عن الفن وحرية التعبير، وأضاف: لن تمر المسألة مرور الكرام، لكننا سندير الأزمة بشكل واعٍ! ونتساءل الآن: هل تحولت الأفلام إلى وسيلة للإساءة إلى مصر ورموزها، فلن ننسى فيلم »روح شاكيد« الإسرائيلى الذى تحدث عن أسرانا فى أعقاب النكسة، والذى أثار ضجة شديدة حوله واعتذرت عنه إسرائيل، وجاء بعده بفترة فيلم »إعدام فرعون« ثم الآن »أحبك يارجل«! وبالتالى فنحن فى حاجة لأفلام تواجه مثل هذه الأفلام المتطاولة، لا تواجه بالتطاول بل بالتصدى الفكرى! وبالمناسبة ملف الإساءات الفيلمية ضخم، وفيه فيلم »حرب شارلى ولسون« الذى تعرض للمشير عبدالحليم أبوغزالة عندما كان وزيرا للدفاع، وهناك أيضا فيلم أمريكى اسمه »تسليم المشتبه بهم« الذى تعرض لإرسال معتقل مصرى لاستجوابه فى القاهرة فيلقى أشد التعذيب فى انتهاك شديد للسيادة المصرية، بالإضافة لقائمة شهيرة من الأفلام التاريخية كانت فى خدمة التخاريف والادعاءات الإسرائيلية حول بناء اليهود للأهرامات، منها فيلم ل»ويل سميث« على سبيل المثال!