حدثان جديران بالوقوف عندهما والتأمل فيهما، وقد وقعا شبه متزامنين: الحدث الأول: القرار المشؤوم الصادر عن مجمع البحوث الإسلامي، بسحب المذكرة العلمية التي رد فيها الدكتور محمد عمارة على الشبهات التي طرحها أحد الكتب التنصيرية، والذي كان بتكليف من المجمع ذاته!! الحدث الثاني: قرار السلطات المصرية (الموقرة) بهدم مستشفى بنته جماعة (الاخوان المسلمين) لخدمة الفقراء من سكان القاهرة، وحجة المسئولين: أن المستشفى يخالف لوائح البناء، علما بأن تكلفة هذا البناء على ما يذكر الإخوان (40 مليون جنيه مصري (7.3 مليون دولار) حتى الآن. وأود هنا أن أقرأ الخبرين بصيغة أخرى، أغير فيها شخص المفعول به، وليكن على هذا النحو: الحدث الأول: قرار يمنع نشر أحد الكتب النصرانية أو القنوات التبشيرية التي تسب الإسلام، وتتهجم على سيد الأنام صلى الله عليه وسلم – وما أكثرها -. الحدث الثاني: قرار يقضي بهدم مستشفى تابع لإحدى الكنائس لمخالفة في البناء، أو بسبب إحداثه زحاما مروريا. أنا أتسأل فقط: هل كان أي من القرارين سيمر مرور الكرام؟؟ أم أن الأقلام المأجورة، والأبواق المسعورة ، والقلوب الموتورة، والذمم المشتراة ب (دولارت الغرب) و(يورو الغرب) والمنفذة ل (أجندة الغرب) كانت ستصب جام غضبها على صفحات الجرائد الصفراء، والقنوات المدعومة من الملياردرات التي اغتنت على حساب فقراء الشعب، والمطحونين منهم؟!! إن محمد عمارة يمثل قامة فكرية جديرة بالاحترام، وهو من النوعية التي تعمل في صمت وسكون، لكن عظم أعماله، وما لها من أثر حوّل الصمت إلى صوت عال، والسكون إلى حركة، والخفاء إلى علن. وغدت كتاباته – مهما اختلف البعض معه- كتابات رجل يوصف بأنه من الكتاب المعدودين. لكن قَدَرَ محمد عمارة أنه لم ينتسب إلى حزب أو جماعة، ولم يعمل تحت لافتة أو راية، فلم يحفل به الكثيرون. ولكنه استطاع أن يحفر لنفسه اسما بين الكبار، وأن يجيد تخصصا يرجع إليه فيه الجميع. وله من المواقف الجريئة والشجاعة ما يعجز عن المجيء بمثلها عشرات وعشرات، وقد قيل: والناس ألف منه كواحد وواحد كالأف إن أمر عنا لماذا صمت العلماء والكتاب والمفكرون؟؟ أين دعاة حرية التعبير وحرية الكلمة؟؟ إن ما قرره محمد عمارة هو عين ما قرره العلماء المخلصون من أبناء هذه الأمة. وإلا فمن حق اللوبي (التنصيري) أن يمنع الأكثرية من أن تتعبد لله تعالى بقرآنه، لأن القرآن يثير فتنة، وأحذر أن يخرج علينا واحد من دعاة التمييع فيأمرنا بألا نقرأه قوله تعالى: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (المائدة: 17). وقوله سبحانه: (} لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ) (النساء:71). وقوله جلّ شأنه: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ)(سورة الإخلاص). وغير ذلك من الآيات التي تخالف معتقدهم. وأنا أقولها وبكل صراحة: هذا هو حكم القرآن، وهو نفس حكمهم فينا. وهذا ما يعلنونه ولا يسرونه، ولا ينكره أحد منهم. ومن الحماقة أن يتصور البعض أن مثل هذه الأحكام تثير فتنة طائفية، إن الفتنة الطائفية تنبت عندما تُكره الأغلبية على شيء من أجل الأقلية. حين ترى الأكثرية أن حقها مهضوم. وإلا فنحن نؤمن بأن للقوم أن يتعبدوا لربهم بما اعتقدوه حتى وإن اعتقدنا نحن بطلانه، وقد علمتنا الشريعة الإسلامية الغراء أن غير المسلمين في مجتمعنا: لهم ما لنا وعليهم ما علينا. وأما الإخوان فمهما اختلف معهم غيرهم إلا أنها ستظل جماعة - وإن كانت بمفهوم الغير (محظورة) - أعمالها تدل على وجودها، وها هم شبابها في جامعات مصر ونقابتها، وبين الناس في المدن والأحياء والقرى والنجوع يشار إليهم وإلى جهودهم، وأدبيات علمائها ومفكريها خير شاهد على وجودهم، ومَن مِن الناس ينكر رسائل البنا، أو معالم سيد وظلاله، أو روائع الغزالي، وتجديدات القرضاوي...... كما أن دورهم في الحركات الجهادية والنضالية لا ينكر . ومن حق أي فرد أن يختلف معهم ما دام الاختلاف في الوسائل أو الفروع أو الجزئيات، وليس في الغايات أو الأصول أو الكليات.. والسؤال هنا: لماذا هذ الصمت الرهيب تجاه هذا الهدم، أوليست هذه الأموال أموال مصرية؛ بغض النظر عن كون الإخوان يملكون التصرف فيها أو غيرهم؟؟ وهبّ أن الإخوان ينتفعون دعائيا من هذا المستشفى؛ ألا يحسب ذلك لهم! أيهما خير من يخدم الجمهور من أجل كسب صوته، أم من يبيع الجمهور بعد أخذ صوته؟ّ! أوليس المنتفع هم فقراء هذه البلد الذين ضاعوا بن وعود الحكومة، واحلام المعارضة؟ أين منظمات المجتمع المدني؟؟ أين الشرفاء من المعارضة وما أكثرهم؟ أين الأحرار من رجالات الحزب الوطني؟ أين مصلحة مصر هنا؟ أوليست المصلحة هنا مع من ضاق بهم الحال فلم يجدوا من يداويهم حتى أكرمهم الله بمن يعالج بأقل الأسعار، وأنجع الأدوية؟ وأخيرأ: فأذكر أنني في إحدى زياراتي لفضيلة الشيخ العلامة يوسف القرضاوي في منزله بمدينة نصر، ومكثت عنده حتى قرابة منتصف الليل وسمعت تصفيقا وتشجيعا فظننته من أحد النوادي الطبرى، ولما استفسرت من فضيلة الشيخ قال لي: قم وافتح النافذة تعلم، فرأيت كنيسة علا بنيانها، وتعددت طوابقها، واصطف الشباب من المراحل العمرية المختلفة يمارسون ما عشقوا من الرياضات والفنون، وقد تخلق جمع منهم حول مبارة لكرة القدم ينتظرون الفائز فيها... فعدت بحسرتي لأجلس على كرسي الذي أعدّ لي وتذكرت أنني حوّلت للتحقيق منذ ما يزيد عن (15) عاما لأن مدير إدارة الأوقاف بمنطقتي مرّ عليّ في مسجدي فوجده مفتوحا بعد العشاء وبه جماعة بعد انتهاء الجماعة الأولى بقراية الثلث ساعة!! يا قوم عاملوا الأكثرية بما تعامل به الأقلية.... وحافظوا على وحدة الأمة تفلحوا.... عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين