بدأت التكهنات حول سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التالية فور الاقتراع على التصويت الأخير فى نوفمبر الماضى، خاصة بعد كلمة «ديفيد بترايوس» الأخيرة فى لوس أنجلوس التى أظهرت رغبة فى إعادة الولوج إلى الحياة العامة، قليلون هم من يتشككون فى أنه سيكون مرشحا رئاسيًا عظيمًا، ولربما كانت نواياه غير مؤكدة حتى بالنسبة إليه شخصيًا، ولكن قلة يحدوها الشك فى امتلاكه لطموح رائع، وكذلك الثقة بالنفس، المتطلبان الأهم للوظيفة بالبيت الأبيض كما يقول المحلل الشهير «جوزيف شوميتر» فى مقاله بصحيفة «وولد تريبيون» الأمريكية، فى مؤشر غير تقليدى لعسكرة أمريكا! ففى الوقت الذى يتحدث الكثير فى مصر عن التدخل العسكرى فى المشهد السياسى المصرى، وتصلنا رسائل من واشنطن ضد عسكرة مصر، كانت المؤشرات تأتى من أمريكا حول انقلاب عسكرى فى البيت الأبيض حتى لو بشكل انتخابى.. الاسم العسكرى المطروح هو «بترايوس» الذى قاد اللواء 101 جوى فى العراق، وفاوض المنشقين السنة على تسوية مؤقتة بوصفه قائدًا عامًا هناك، قبيل تقاعده عن الخدمة العسكرية، ترأس ال«سى آى إيه» ثم استقال على خلفية فضيحة خاصة بعلاقته بكاتبة سيرته، من المؤكد أن واشنطن قد مرت بما هو أقذر من ذلك، كما أن الرئيس أوباما أهاب به للبقاء، لكنه آثر التنحى!.. خرج بترايوس منها «بشرفه» لم يمس من قريب أو بعيد، برغم أنه على نحو رئيسى يعد الشرف ليس أكثر من شعار فى واشنطن، وصار بالكاد مسوغًا لمنصب مكتب الرئيس. الأمريكيون يحبون الجنرالات، وانتخبوا كثيرين منهم كرؤساء، جورج واشنطن، ويليام هنرى هاريسون، أندرو جاكسون، فرانكلين بيرس، زاكارى تايلور، يوليسيس إس جرانت، راذر فورد بى هايز، جيمس جارفيلد، تشستر إيه آرثر، وبنجامين هاريسون، ويليام ماكينلى كان قد وصل إلى ميجور قبيل الانتخابات مما نتج عنه ثغرة فى تسلسل الرؤساء الجنرالات حتى جرى انتخاب دوايت أيزنهاور فى .1952 على جانب ما يدين آخرون بمن فيهم ثيودور روزفلت وجون كينيدى ببزوغ نجمهم فى الحياة السياسية إلى الشجاعة أثناء الحرب، إلا أن بترايوس وعلى الرغم من عدد الضمادات الهائل فى بزته لا يحمل نوط شجاعة، لكنه محل تقدير على نحو واسع لتهدئة التوتر فى العراق وتجنيب البلاد كارثة. وبالرغم من أن الجنرال لم يحدد حزبه السياسى، لكن الجنرالات محافظون باكتساح هذه الأيام، ويزلى كلارك على النقيض، وهم يرون الحزب الديموقراطى- سواء صواب أم خطأ- يرونه داعمًا أكثر للانفاق الاجتماعى عنه للدفاع القومى، وكذلك يرونه حزب الرؤساء الذين أجهضوا الحروب وامتنعوا عن تمويلها. قطاع مهم من تحالف المحافظين سيجد الكثير مما يعجبه فى بترايوس، فطالما ارتأى اليمين الدينى فى الجيش معقلاً للأخلاق الفضلى، والمدافع عن الأمة، وقائداً لمهمة أمريكا فى العالم، وعلى نحو غير نسبى سيؤيد المحاربون وأفراد الخدمة العاملون الجنرال المتقاعد ذا النجوم الأربعة، برغم أن البعض بالطبع سيراه وغيره من الضباط لا يوافقون المعايير المطلوبة لمغامراتهم الأخرى بالخارج، وكذا يعتبرونهم لا يكترثون بالقدر الكافى لحياة شباب الجنود. على صعيد مواز يعتقد رجال الأعمال أنه مدير قادر، واحد غير قابل للإغراق فى الإنفاق والضرائب، ولعل الأهم على الإطلاق أنهم سيرون بترايوس كواحد من محافظين قلائل فى الأفق الآن يمكن انتخابه. كذلك سيرى مسئولو المالية والدخل القومى بترايوس منتخبًا محتملاً أكثر من أى زعيم أو سياسى محترف مجهول، فالجنرال بإمكانه أن يكون مقبولاً لدى أولئك الذين هم خارج القاعدة، الأمر الذى يناقض الشخوص الأقل جاذبية الذين يستشعرون الأمور بالخارج، حيث سيتم تقديم الجنرال- وقبل كل اتفاقات وخلافات العملية السياسية المعتادة- باعتباره قد خدم البلاد على نحو أن منهج الجنرال الواضح جليا من خلال فرض مكافحة الشغب غير انحيازى، فى ظل حكم كل من بوش الابن وباراك أوباما على استقرار طالما تزاوج مع الحرب وقوة السلاح المفرطة لهو عنصر جذب إضافى، حيث سينظر له كشخص يسترعى الانتباه والاحترام على مساره، يفكر خارج الأطر الحزبية وبإمكانه دفع البلاد للتحرك ثانية. وفيما اعتاد الجنرال إعطاء الأوامر ومتابعة تنفيذها، فإن عمل الرئاسة ليس كذلك بالضبط، حسبما أبدى ترومان ممتعضا قبيل أداء آيك لليمين، كما قيل إن بترايوس خلال عمله بال«سى آى إيه» قد أوضح جليا أن البيروقراطية المهنية الراسخة لا تتوافق مع الضباط المعتادين على الخدمة بالميدان.