هل خطر ببالك ولو لحظة واحدة إن شوارع مصر كانت خالية تماما من وسائل المواصلات ؟! هل فكرت وأنت محاصر في زحمة الشوارع بتلك السيارات المتراصة بجوار بعضها أن أجدادنا عاشوا زمنا من الروقان لم يكن في شوارع مصر كلها سيارة واحدة. هل سألت نفسك في لحظة فراغ وأنت داخل سيارتك الفاخرة أو الكحيانة متي دخلت السيارات مصر ؟! ومن أول مصري اشتري سيارة من الخارج وسار بها في شوارع القاهرة ؟! أعترف لكم بصراحة أنني لم أكن أعرف الإجابة عن كل هذه الأسئلة حتي وقع في يدي منذ أيام كتاب طريف وبديع ومهم أيضا اسمه «المجتمع المصري بين الثابت والمتغير» للدكتور الصديق «عبدالمنعم الجميعي»، والكتاب يستحق القراءة والاحترام والتقدير لما تضمنه من معلومات طريفة لكنها في غاية الأهمية. وفي أحد فصول الكتاب «متي تعرف المصريون علي وسائل النقل الحديثة» يقول المؤلف : «كانت وسائل النقل والمواصلات المستخدمة في مصر تقتصر علي الحمير والبغال والخيول وعربات الحنطور والكارو، وكان للحمير مواقف معينة يذهب إليها من يرغب في استئجارها كما كان كل منها يحمل لوحات معدنية عليها رقمه مثل حمار ر قم «كذا» تعلق علي جانب السرج!! ثم يستعرض د. الجميعي قصة دخول القطار إلي مصر في عهد الخديو عباس الأول عام 1852 ثم قصة دخول الترام الذي سار لأول مرة في 12 أغسطس 1896 في ميدان العتبة الخضراء، وكان يركبه «حسين فوزي» وزير الأشغال وقتها والأولاد يصرخون علي الجانبين العفريت «العفريت»، أما دخول السيارة أو الأتومبيل فعنه يقول : قصة دخول السيارة إلي مصر جديرة بالتساؤل ومع إن الكثيرين اختلفوا حول تاريخ دخولها، فمن المرجح أن أول سيارة دخلت مصر كانت في أواخر عهد الخديو توفيق وبالتقريب في عام 1890 حيث استقدم الأمير حسن أحد أفراد الأسرة الخديوية سيارة فرنسية تعمل بالبخار إلي مصر بهدف استخدامها في الترفيه والمغامرة ! وقام الأمير حسن برحلة بسيارته البخارية من القاهرة إلي الإسكندرية بصحبة اثنين من أصدقائه عام 1904، وفي خلال تلك الرحلة لم تتجاوز السرعة القصوي للسيارة أكثر من 20 كيلو مترا في الساعة، وقد استغرقت الرحلة أكثر من عشر ساعات مما تسبب في إرهاق الأمير، كما أدي إلي غضب وانزعاج الفلاحين الذين رأوا السيارة لا تجرها الدواب مما أدي لاعتقادهم إن الشياطين هم الذين يحركونها. يضاف إلي ذلك أن هذه السيارة اضطرت إلي السير في وسط الحقول لعدم وجود طرق صالحة لسير السيارات في ذلك الوقت مما أتلف المزروعات وقتل عددا كبيرا من الخراف والماعز والماشية، كل ذلك أثار حنق الفلاحين تجاه هذا الاختراع الجديد الذي رأوه لأول مرة. كما تصور المصادر التاريخية أن الخديو «عباس الثاني» وشقيقه الأمير «محمد علي» ابن الخديو توفيق كانا من أوئل من امتلكوا السيارات في مصر، فكان الخديو عباس يمتلك سيارة فضية اللون وكان مغرما بقيادتها بسرعة كبيرة تصل إلي خمسين كيلو مترا في الساعة وهي سرعة قياسية في ذلك الوقت، أما الأمير محمد علي فقد ذكرت إحدي الصحف أنه تعرض لحادث بسيارته عام 1901 حيث ارتطمت بعربة كارو كانت تحمل ألواحا خشبية !! والجدير بالذكر أن قيادة السيارات في تلك الفترة كانت محفوفة بالمخاطر، خاصة أنه لا توجد علامات مرورية في الشوارع لقلة عدد السيارات في ذلك الزمان، ولما بدأت الأعداد في التزايد بدأت سلطات القاهرة في التحرك، فأصدر المحافظ قرارا بمنع قيادة السيارات بسرعة لا تزيد علي عشرين كيلو مترا في الساعة في شوارع المحروسة. والطريف في الأمر أن الدواب التي كانت تسير في الشوارع في هذه الأيام كانت تصاب بالهلع عند رؤية سيارة في الطريق!!». ويعلق د. الجميعي علي هذا المشهد الطريف بقوله : «عندما نتذكر هذه الأيام الخوالي وننظر إلي شوارع مصر المحروسة حاليا والتي أصبحت عبارة عن جراج كبير للسيارات من جميع الأنواع والأشكال والماركات ننظر إلي السماء ونقول سبحان مغير الأحوال فبعد أن كان التنقل بالأتوبيس والترام ووسائل النقل العامة أمرا متبعا وكان من الشائع أن تقابل أشخاصا من ذوي الحيثيات وهم يقرأون الصحف في الترام أو المترو أو واقفين أمام محطة الأتوبيس ينتظرون وصوله ولم يكن يدور في حسبان أحد اقتناء سيارة خاصة.» يا دكتور «جميعي» كانت أيام!!؟