ربما كان صحيحاً أن التاجر عندما يفلس يقلب في دفاتره القديمة، لكن الصحيح أيضا أن التقليب في الدفاتر القديمة متعة لا تنتهي، وفائدة بلا حدود لكل الأطراف، من المواطن العادي حتي الحاكم نفسه!! مصر مليئة بآلاف الدفاتر القديمة كتبها عقلاء بحكمة وصدق واقتدار وصفوا فيها أحوال البلاد وكيف تنصلح أحوال العباد! وليس معني أن مصر تعيش حالة ثورية وقف العالم كله بدون استثناء لها احتراماً وإعجاباً وتقديراً أن تلغي صلتها بالماضي القريب أو الماضي البعيد!! نعم ينبغي ألا تعود مصر للتقليب في دفاتر قديمة واستعادة قراءات لدراسات كانت تصف حكمة الحاكم وذكاء الحاكم الذي لا يخطئ أبداً أنه لولا حكمته وفطنته ويقظته لراح الوطن في ستين داهية. دفاتر النفاق والموالسة والهمبكة من الكاتب للحاكم الفرعون انتهي وقتها وزمنها وهي الآن مودعة في الأرشيف والمتاحف لمن يحب أن يعود إليها فيتسلي ويندهش وربما يلطم خدوده. لكن العودة لدفاتر التاريخ التي سطرها أصحابها بحبر الصدق وحروف الوطنية، وقالوا «لا» عندما كانت كلمة «لا» لا وجود لها في مدينة «نعم» فهذه الدفاتر «قيمة» وأصحابها «قامة» عالية. أكتب لكم عن عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بصيرة مصر ذلك العبقري الذي حرمته الأقدار نعمة البصر فعلمنا جميعا كيف نبصر!! وكانت أفكاره ورؤاه بصيرة وطن لسنوات مضت وأيضا لسنوات طويلة قادمة! ولا يحتاج د. طه حسين لمناسبة لكي أكتب عنه أو أتذكره أنت لا تحتاج لمناسبة لكي تتحدث عن فضيلة المحبة والتسامح والاعتذار عند الخطأ! أنت لا تحتاج لمناسبة لكي تعبر عن احترامك وتقديرك ومحبتك لمن سبقوك من بشر وأساتذة، علموك حرفاً، ولقنوك درساً واختلفت معهم فلم يعاقبوك بالفصل من وظيفتك أو اتهامك بالعمالة والتخوين! لكن أكثر ما جعلني أتذكر طه حسين وأعود إلي دفاتره هو ذلك الجدل الدائر الآن في مصر حول مستقبلها السياسي بعد أعظم وأنبل ثورة في تاريخها الحديث، ثورة 25 يناير المجيدة والعظيمة. نفس الجدل والنقاش والمكلمة الدائرة الآن، هي نفسها ما كانت تشهده مصر بعد قيام ثورة 23 يوليو سنة 1952، وكأن الزمن لا يغير فينا شيئا!! بعنوان «ثورتنا» كتب الدكتور طه حسين في جريدة الجمهورية يوم 16 يوليو 1954 يقول: يجب أن يستقر في النفوس أن نظم الحكم ليست في أنفسها أغراضا للشعوب، وإنما هي وسائل إلي إسعاد الشعوب، فنظام الحكم من حيث هو ليس حسناً ولا قبيحاً إلا بمقدار ما يتيح للشعب من السعادة أو بمقدار ما يجر عليه من الشقاء! والناس يخطئون أشد خطأ ويسيئون إلي أنفسهم أعظم الإساءة حين يتخذون من نظام الحكم غرضاً يطلب لنفسه وحين يفاخرون بهذا النظام أو ذلك، وحين ينفقون صفوة جهودهم علي هذا النظام أو ذاك، لأنهم قد خيلوا إلي أنفسهم أن نظاما ما من نظم الحكم خير في نفسه فينبغي أن يسعي إليه وأن نظاماً ما من نظم الحكم شر في نفسه فينبغي أن يزهد فيه! ويكمل د. طه حسين قائلا: كل هذا مضيع للجهد والوقت مكلف للناس ما لا ينبغي أن يتكلفوا من الشطط، فالغرض الوحيد الذي ينبغي أن تطمع الشعوب وتطمح إليه وتجد فيه ما تبتغي إليه الوسائل المختلفة ومنها نظم الحكم إنما هو «السعادة». والسعادة التي يستمتع بها الفرد حين يخلو إلي نفسه إلي ضميره وحين يلقي أمثاله من الأفراد، والتي يستمتع بها الشعب جملة حين يخلو إلي نفسه، إن أمكن أن تخلو الشعوب إلي نفسها، وحين تتصل المعاملات بينه وبين غيره من الشعوب القريبة منه أو البعيدة عنه. وأخص ما تمتاز به هذه السعادة هو أنها تتيح للفرد أن يكون خيراً يشيع الخير فيمن حوله، وأن يعيش في بيئة خيرة تشيع الخير بين أفرادها جميعاً. ومعني ذلك أن يخلو الفرد إلي نفسه فلا يحس حزناً ولا بؤساً ولا ألماً ولا حسداً لنظرائه ولا طمعاً فيما عندهم ولا طموحاً إلي ما في أيديهم، وأن يلقي الفرد غيره من نظرائه فلا يظهر له مودة من ورائها البغض، وإنما يظهر له مودة وإلفاً يصدران عن دخيلة نفس وعن أعماق ضمير. ومعني هذا أيضا أن يشعر الناس بالتضامن وأن يقيموا أمرهم كله علي التعاون وأن تبرأ حياتهم من المداراة والمجاراة والنفاق وأن يطمئن كل واحد منهم إلي أنه يستطيع أن ينظر في قلوب مواطنيه فلا يري فيها غلا ولاحقدا ولا ضغينة ولا حسداً ولا غيظاً وأن ينظر مواطنوه في قلبه فلا يرون فيه من هذه الخصال كلها شيئاً، والأمر كذلك بالقياس إلي الشعوب. فسعادة الشعب هي أن يعيش مفيضاً للخير علي أفراده مذيعا للخير من حوله، نافعاً لنفسه وللناس، منتفعا كذلك بما يبذل الناس حوله من الجهود. ومن المحقق أن هذه السعادة لم تتح بعد للناس في أي قطر من أقطار الأرض ولكنها هي الغرض الذي تطمح إليه الإنسانية أو ينبغي أن تطمح إليه والذي تبذل الإنسانية أو ينبغي أن تبذل في سبيله ما تملك من قوة وجهد ونشاط. ويمضي د. طه حسين قائلا: فإذا نظرنا في شئون مصر خاصة فينبغي أن تفهم مصر أن الجمهورية وما تقتضيه من نظم سياسية ليست إلا وسيلة لإسعادهم وتمكين أبنائها علي اختلاف أجيالهم من أن يعيشوا سعداء أخياراً ينفعون وينتفعون ولا يجدون في أنفسهم هذه الآلام الممضة التي يجدها الأشقياء المحرومون حين يخلون إلي أنفسهم وحين يلقي بعضهم بعضاً. فالحياة الفردية السعيدة والحياة الاجتماعية السعيدة هي الغرض الأول والأخير الذي ينبغي أن يسعي إليه الأفراد وأن تسعي إليه الجماعات وأن تجاهد في سبيله الشعوب. وكل الحكومة لا تتيح لشعبها وسائل هذا الجهاد في سبيل السعادة الفردية والاجتماعية حكومة رديئة بغيضة لا حق لها في الوجود ولا حق لها في طاعة الشعب الذي تقوم علي تدبير أموره ورعاية مرافقه. أما تفاصيل ذلك الجهاد فيحتاج لموضوع آخر! • علي بركة الله علي بركة الله تبدأ «روز اليوسف» مرحلة صحفية جديدة بقيادة أربعة زملاء وأصدقاء أعزاء في نفس الوقت ليس المطلوب منهم سوي مهمة بسيطة غاية في البساطة أن تعود روز اليوسف إلي مكانها الطبيعي مع الناس وليس ضد الناس، مع القارئ وليس ضده مع التفكير وليس التكفير، مع توقير الحاكم لا عبادته مع احترام الرأي المعارض والترحيب به لا مع تشويهه وتخوينه وتكفيره. روز اليوسف المكان والمكانة، بكل إصداراتها. روز اليوسف المجلة والجريدة وصباح الخير تاريخ طويل من المعارك المحترمة والشرسة ضد قوي الظلام والفساد والتخلف والإرهاب حتي لو تعثر ذلك الدور في بعض الأوقات لظروف خارجة عن إرادتها. تحية للأساتذة الأفاضل زملاء وأصدقاء العمر: محمد جمال الدين رئيسا لمجلس الإدارة، وأسامة سلامة رئيسا لتحرير روز اليوسف، وإبراهيم خليل رئيسا لتحرير جريدة روز اليوسف، ومحمد هيبة رئيسا لتحرير مجلة صباح الخير. وتبقي التحية والتقدير لكل أسرة روز اليوسف عمالاً وإداريين وصحفيين عاشت بهم روز اليوسف وعاشوا بها ولها وعلي بركة الله وتوفيقه يبدأ الزملاء المهمة والمشوار.