عندما سألناه عن رأيه في حادث كنيسة الإسكندرية الأليم أجاب في تحد صريح قائلا: «ياما دقت علي الراس طبول» مستطردا: أنا علي يقين أن مصر ستتجاوز هذه الأزمة مقدما حلولاً عملية تتلخص في أهمية العمل المشترك الذي يجمع بين أبناء الوطن. هو المفكر سمير مرقس من الرواد المدافعين عن مفهوم المواطنة بمعناها الواسع بعد وليم قلادة وطارق البشري حيث قال في حوار شامل ل«روزاليوسف» علي الرغم من أن توقيت الحادث مؤلم إلا أنه أعاد إحياء مشاعر الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط مستطردًا لا شك أن مصر الآن تعيش مرحلة انفراجة مدنية وحرية رأي بالمقارنة مع العصور السابقة قد انعكست آثارها علي الأجيال الجديدة محذرا من خطورة دخول عناصر خارجية في العلاقات الإسلامية المسيحية في إشارة واضحة لتهديدات القاعدة في العراق. ما توصيفك لحادث كنيسة القديسين ودلالته من وجهة نظرك؟ الحادث مركب في نوعيته لأنه ليس مجرد هجوم علي كنيسة بالطريقة الكلاسيكية التي رأيناها في الموجة الأولي للإرهاب في مصر وهي قيام أحد عناصر الجهاد الإسلامي المسلح بالهجوم علي كنيسة ولكنه نوع جديد من الهجمات الإرهابية سواء كان بواسطة شاب انتحاري أو سيارة مفخخة. وما دلالة توقيته وملابساته؟ هناك أمران في غاية الأهمية أن الأقباط علي الفور استدعوا حادث نجع حمادي الأخير مع ملاحظة اختيار توقيت مؤلم وهو بداية السنة الميلادية الجديدة وقرب عيد الميلاد المجيد وكأنه استهداف لهم بشكل مباشر ثم إن الحادث جاء بعد تهديدات القاعدة في العراق سواء كانت وراءها أم لا. إذن هل تري أن الحادث له بعد خارجي يجب أن يؤخذ في الاعتبار عند تفسيره؟ بالفعل لأن هذه التهديدات سواء كانت جادة أم لا ساعدت لأول مرة علي دخول عناصر جديدة في ملف العلاقات الإسلامية والمسيحية في مصر في حين إن هناك اجماعًا وطنيا أن هذا الملف أمن قومي وخط أحمر ينبغي مناقشته علي المائدة الوطنية، وهذا من الممكن أن يترتب عليه فتح المجال لدخول عناصر أخري غير القاعدة بداية من «س» إلي «ص» لغاية إسرائيل. وبماذا يعني هذا من وجهة نظرك؟ أنا ضد نظرية المؤامرة ولكن رئيس المخابرات الإسرائيلي السابق قدم تقريرا قبل خروجه من الخدمة للكنيست أهم ما جاء فيه أن العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر واحدة من أهم أهدافهم، غير أن المشهد المصري ليس بعيدا عن سياق المشهد العربي الحالي سواء في السودان، اليمن، لبنان، والعراق ويجب أن نعي جيدًا أن استهداف الأقباط مرحلة ولكن ليس نهاية المطاف. إذا كان هناك اجماع علي أن الحادث إرهابي، فلماذا هذا الغضب القبطي؟ - هذا يدخل في السياق التراكمي للشأن القبطي حيث جاء عام 2010 حاملاً معه تحولات نوعية وما سميته مبكرا بالسجال الديني في الفضائيات وهو أن كل فضائية دينية تدخل في مبارزة للتشكيك في الدين الآخر والنتيجة الحتمية لذلك هي نفي هذا الآخر ومقاطعته وإهدار دمه وأنا أتحدث هنا علي الجانبين الإسلامي والقبطي، أيضا السجال بين بعض الرموز الدينية بشكل واضح مع خطورة تأثيره علي المواطن العادي الذي يتبع هذه الرموز، وأنا ارتابني حالة من الحزن والخوف عندما تصفحت المجال الإنترنتي ورأيت ما كتبت عنه تحت عنوان «العلاقات الإسلامية المسيحية في مصر بين المقاطعة والاستغناء» بمعني أن هناك طرفًا إسلاميا أصبح يدعو لمقاطعة الأقباط في حين أن بعض الأقباط المشتددين يطالبون بالاستغناء عن المسلمين والعيش بعيدا عنهم. ولكن هل هذا التوتر تشعر به الأجيال الجديدة؟ - لا شك أن هناك انفراجة مدنية وحرية رأي في مصر وأنا من جيل قديم أستطيع أن أشعر جيدا بهذا ففي العصور السابقة كان من المستحيل أن يتم طرح بعض الأمور حتي خلف الأبواب المغلقة ولكن هذه الانفراجة لم تكتمل صورتها لتصل إلي الحياة الحزبية وبالتالي تركت آثارها علي الأجيال الجديدة التي أصبحت تضم كل ألوان الطيف الاجتماعي باعتدالها وتشددها. إذا ما تفسيرك لمظاهرات الشباب القبطي الغاضب؟ - نلاحظ أن هذه المظاهرات تخص شرائح اجتماعية وسطي دنيا حيث تشتمل علي عناصر لديها مشاكل اجتماعية ما من بطالة وفقر مما يعكس تداخل الجانب الاجتماعي مع المشاعر القبطية في التعبير عن الغضب فمن الممكن أن يكون لدي الشاب شعور بتمييز اجتماعي ويفسره علي أنه ديني، ولكن هناك حراكًا مدنيا لم يترجم إلي طوابير الهجرة مثلما حدث في العراق وهذا يؤكد فكرة الانتماء للوطن. قلت مؤخرًا في بعض البرامج التليفزيونية، إن الأزمة أعادت إحياء مشاعر الوحدة من جديد، فكيف هذا؟ - بالفعل الحدث وحد مشاعر الأقباط والمسلمين حيث وجدنا علي الجانب الإسلامي ردود فعل إيجابية لا يمكن تجاهلها فأنا تلقيت تعازي الأسر المسلمة علي أرواح شهداء كنيسة القديسين بالإضافة إلي ظهور الأفكار النبيلة مثل الدروع البشرية. وما أسباب التشدد الديني الذي اكتسبناه في السنوات الأخيرة الماضية؟ - هذا يعود للثقافة المحافظة التي لم تستطع مواكبة التطور الخارجي المعرفي واقتصاد السوق مما انعكس علي التربية الأسرية التي تخشي روح المغامرة والإبداع وكذلك الخطاب الديني المتحفظ مع الاهتمام الزائد في الإعلام بفكرة الأخلاق وعدم طرح أفكار جديدة مثل الحد من الظلم الاجتماعي. وما مفهومك عن المواطنة بمعناها الشامل؟ - المواطنة أكثر تعقيدا من مجرد حصرها في الهوية أو الدين فهي تشمل كل المختلفين في الجنس والدين والمذهب والعرق والثروة والمكانة الاجتماعية والجيل والتوزيع الجغرافي وهي تكتسب ولا تورث، ومن الجميل أن نجد الخطاب الرسمي والنصوص الدستورية يكرس هذا المبدأ حتي تكون هناك مظلة نعمل من خلالها. ألم يأت الوقت لكي نشعر بثمار مجهودات الرواد في هذا المجال؟ - أري أن المصطلح أصبح شائعا بين المواطنين وهذا شيء إيجابي رغم أننا بحاجة إلي نقلة نوعية لإعداد استراتيجية شاملة في هذا الشأن ومناهج تربوية تواكب العصر. وماذا عن لجان الوحدة الوطنية وهل هي لجان آنية؟ - نحتاج إلي عملية أفكار لتفعيل دور هذه اللجان علي أرض الواقع وأنا اقترحت مؤخرًا ضرورة عمل وقفية مدنية من المصريين لرصد مبلغ من المال لدعم جميع مشروعات التنمية سواء في مجالات الصحة والبعثات العلمية للنابغين وتشغيل الشباب والنهوض بالقري الفقيرة وهذا يعود بنا إلي ثقافة السد العالي وحلم المصريين من أقباط ومسلمين في الاشتراك في البناء الوطني في ذلك الوقت، بمعني أننا بحاجة لمشروع مشترك يجمعنا لننسي خلافاتنا. ولكن لماذا تنتهي الدعوة لمثل هذه الأفكار بمجرد تجاوز الأزمة؟ - ولذلك قلت أننا بحاجة لشيء عملي وهنا يأتي دور المجتمع المدني والذي لابد أن يبدأ في إضافة مكون المواطنة علي أجندة مشروعاته بقدر اهتمامه بمكون الجندر حيث نلاحظ أن أي مشروع تنموي يراعي فيه ضرورة تمكين المرأة والمساواة بينها وبين الرجل في حين إنه يتم اغفال جانب المواطنة. وما تعليقك علي ردود أفعال المنظمات تجاه حادث الإسكندرية؟ - يجب أن تتجاوز مرحلة اصدار بيانات الإدانة وتنتقل إلي مرحلة دعم العمل المشترك حيث هناك الكثير من المجموعات الشبابية التي تحتاج للدعم والمساندة مثل جروب «عيش وملح» والذي يدعو فيه الشباب للمحبة والإخاء فالمنظمات لابد أن تحتضن مثل هذه الأفكار حتي تتحول هذه المجموعات إلي منظمات. عند كل أزمة مثل حادث القديسين نجد فئة مندسة تحاول إثارة الفتن، بماذا تسميها وكيف تصفها؟ - ممكن نطلق عليها فئة «كرسي في الكلوب» وهي تتماشي مع لغة العصر ولكن أنا أراهن أن الكتلة الرئيسية في مصر تميل إلي الاعتدال وكما قالوا في الأمثال الشعبية «ياما دقت علي الراس طبول» ولكن لابد من تكريس المبادئ الواردة في بعض الكتب المستنيرة مثل «تكوين مصر» لمحمد شفيق غبريال والذي يصلح مشروعا للعمل المشترك. وما دور رجال الدين للتصدي لمثل هذه الفئات المحرضة؟ - عليهم دور كبير في إعادة تأهيل المواطن من الجانب الديني وتنمية وعيه ليكون فاعلا علي الصعيد المدني وأن يشارك في المجال العام بصفته مواطنًا وليس بصفته الدينية. وما تعليقك علي تناول الإعلام لحادث القديسين؟ - أظن أنه تناول عقلاني ومتوازن إلي حد كبير فهناك نوع من مراقبة الأداء الإعلامي علي الخطاب المستخدم بحيث لا يحمل فكرة التصنيف الديني مع أهمية اتباع فكرة التوصيف الدقيق للأمور فليس كل واقعة شجار أو عراك بين مسلم وقبطي تصبح حدثا طائفيا، مع الأخذ في الاعتبار أن الإعلام عليه دور كبير في إحياء سيرة الرموز الإسلامية والمسيحية صاحبة الإنجازات التاريخية. وما توصيفك لسيناريو المستقبل؟ - أنا مطمئن أن مصر ستتجاوز هذه المحنة وتاريخنا خير دليل علي ذلك بل يجب خلال الفترة المقبلة أن نرفع شعار «الدفاع عن الحياة المشتركة» وهذا يحتاج لممارسة المواطنة وتغذيتها.