المهمة الكبري للغرب اليوم تتلخص حسب الفيلسوف الكندي تشارلز تيلور - في: تهدئة المخاوف من احتمالات تقويض التقاليد الغربية؛ والوصول إلي المهاجرين إلي الغرب من دول أخري؛ وإيجاد الطريقة اللازمة لإعادة صياغة أخلاقياتنا السياسية حول نواة حقوق الإنسان، والمساواة، وعدم التمييز، والديمقراطية. وإذا نجحنا في هذه المهام فسوف يكون بوسعنا أن نخلق الشعور بالانتماء المشترك، حتي علي الرغم من أن الأسباب التي تدفعنا إلي الاعتقاد بذلك قد تكون مختلفة». والواقع أن الغياب الكامل لحس التضامن بين العديد من الناس وهو ما يتجلي علي نحو مروع في النقاش الدائر في الولاياتالمتحدة حول مسألة الرعاية الصحية حسب تيلور - يعمل الآن علي تقويض الأساس الذي يقوم عليه المجتمع الديمقراطي الحديث. «إن شعور أي مجتمع بالتضامن لا يمكن أن يدوم إلا إذا عملت كل قواه الروحية علي إعادة صياغة شعورها بالإخلاص لقضية التضامن: أي إذا نظر إليه المسيحيون باعتباره مركزاً لمسيحيتهم، وإذا نظر إليه المسلمون بوصفه محوراً لإسلامهم، وإذا نظرت إليه مختلف الفلسفات العلمانية باعتباره مركزاً لها». الفيلسوف الكندي «تشارلز تيلور» يؤكد هنا ما سبق وقاله الفيلسوف الألماني «يورجن هابرماس» عن (التسامح في عصر العولمة)، وهو ما يتعارض تماما مع تصريحات (بلدياته) السيّدة «أنجيلا ميركل» الأخيرة: حول فشل منهج التعدّدية الثقافيّة. ميركل أعادت إحياء الجدل الدائر في البلدان الأوروبيّة حول إدارة الهجرة الوافدة. رغم أن الجدل، في الواقع، لم يهدأ يوماً، لكنّه لم يخرج أبداً عن الدائرة الضيقة للمتخصصين والخاصة، وهنا بالتحديد تكمن خطورة تصريحاتها لوسائل الإعلام. فماذا قال هابرماس؟ «لا ينبغي فقط أن يتسامح المؤمنون إزاء اعتقادات الآخرين، بما فيها عقائد غير المؤمنين وقناعاتهم، فحسب، بل إن من واجب «العلمانيين» وغير المتدينين، أن يثمنوا قناعات مواطنيهم الذين يحركهم دافع ديني». ويؤكد في بحثه المعنون «الدين في النطاق العام»: «انه مهما كانت مفاهيمنا الفلسفية العلمانية قوية ومقنعة كفكرة حقوق الإنسان علي سبيل المثال فإنها تستفيد، من حين لآخر، من اتصالها المتجدد بأصولها المقدسة». مما يؤكد، وعلي لسان شيخ الفلاسفة في العالم اليوم، أن العلمانية ليست ضد الدين، كما يروج البعض، ولا تستطيع أن تلغي الدين، لكنها تستطيع أن تنظم العلاقة بين الأديان والمعتقدات المختلفة في مجتمع تعددي يتعولم بإطراد. الشئ نفسه جاء علي لسان «تيلور» في كتابه الأخير (نحو عصر علماني)، يقول: «إن الأديان توفر قاعدة قوية وعميقة للتضامن، وتهميش الأديان خطأ فادح، تماماً كما قد يشكل تهميش الفلسفات غير الدينية خطأً كبيرا. إن المجتمعات الديمقراطية، في تنوعها الهائل، تستمد القوة من محركات عديدة مختلفة تشترك جميعها في الالتزام بأخلاقيات مشتركة. ولا تملك هذه المجتمعات إيقاف أي من هذه المحركات ثم تأمل في الحفاظ علي المجتمع السياسي». إننا نعيش اليوم في منطقة مجهولة لم تستكشف بعد. ونحن نواجه تحدياً لم يسبق له مثيل في تاريخ البشرية: والذي يتمثل في تكوين أخلاقيات سياسية قوية تستند إلي التضامن الواعي القائم علي وجود وتقبل وجهات نظر مختلفة تماماً عن وجهات نظرنا.