الفيلسوف الكندي "تشارلز تيلور" الذي عرضنا لبعض أفكاره عن "الهوية" و"الأصالة" و"الاعتراف المتبادل"، كما طرحها في كتابه (سياسات الاعتراف)، وذلك في اطار تناولنا لأبرز التحولات الفكرية التي يشهدها العالم اليوم، يعمل أستاذا فخريا في جامعة ماكجيل في مونتريال، وهو زميل دائم في معهد العلوم الإنسانية في فيينا، وقد أثار كتابه الأخير وعنوانه "نحو عصر علماني" جدلا واسعا في أوروبا والولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية واليابان، لأنه أجاب (بشجاعة) علي السؤالين الكبيرين: "من نحن" ؟ و"من أنت"؟. الأهم من ذلك أنه سلط الضوء بقوة علي "التعددية المهددة في الغرب" وأعاد الجدل الصاخب حول دمج الأقليات المسلمة في الغرب إلي مساره الطبيعي، بعد أن تفرع إلي مسارات خطرة تؤجج الكراهية والعنف، فضلا عن تدمير فكرة الديمقراطية نفسها. في إعادة المسألة إلي حيث يجب أن تكون، وحسب "أنجيلو بانيبيانكو" في مقالة نشرتها صحيفة "كورييري ديللا سيرا" الإيطالية، فإن: "مسألة المهاجرين (المسلمين والعرب) باتت الآن مسألة سياسية من الحجم الكبير.. إنها المسألة الكبيرة الجديدة التي سوف تنقسم حولها لأجل طويل الديمقراطيات الأوروبية والتي ستضاف إلي الخلافات المألوفة حول المواضيع الاقتصادية". ويبدو أيضا أن فكرة تيلور عن (الاعتراف المتبادل) أصبحت "تيمة أساسية" في كل نقاش علمي جاد حول التعددية الثقافية، فقد طرح الباحث الإيطالي. "باولو غوماراسكا" هذا السؤال: لماذا فشلت التعدّدية الثقافية، بصرف النظر عن خصوصية البلدان التي شاءت تطبيقها وعدم فعّالية السياسات الخاصّة التي جري تنفيذها؟ وذلك من خلال بحث أجراه قبل سنتين بتشجيع من مؤسّسة "الواحة الدولية"، وتوّج هذا البحث في كتاب نشر في البندقية عام2009، ويخلص غوماراسكا إلي أن: "المشكلة تكمن في كون "التعدّدية الثقافية تعِد، اعترافا متبادلا" لكنها في الوقت نفسه ترفض «فهماً اجتماعياً متقاسَماً». حدّها الباطني، هو "غياب التواصل بين الحضارات التي تُمَأسِسها". ومن أجل تجاوز هذا الإحراج يتساءل الكتاب حول "مشروع سياسي مختلف، أقلّه بقدر ما هو مهيأ فعلاً لتوليد تضامن بين غرباء" ممتحناً القول الوصفي وليس المفروض، للتهجين، علي أساس أنه سياق حقيقي من المزج بين الأشخاص والثقافات". ليس المقصود هو أن نمنع الشعوب والثقافات من التلاقي والاختلاط، بل أن نفهم كيف نوجّه لقاءهما هذا نحو الحياة الصالحة ، وهذا هو لب كتاب الفيلسوف الكندي "تشارلز تيلور" الأخير. يقول: " إن التضامن شرط أساسي لابد من توفره في المجتمعات الديمقراطية، وإلا فإنها تنهار لا محالة. فهي تعجز عن العمل في غياب مستوي معين من الثقة المتبادلة أو في ظل شعور بعض أعضاء المجتمع بأن أعضاءه الآخرون قد تخلوا عنهم". "إن كل المجتمعات الديمقراطية اليوم تواجه تحدياً متمثلاً في إعادة تعريف هوياتها في الحوار مع بعض العناصر الخارجية، وبعض العناصر الداخلية. ولنتأمل هنا التأثير الذي خلفته الحركات النسائية علي الغرب بمختلف أنحائه. فهؤلاء ليسوا أناساً قادمين من خارج بلدانهم، بل إنهم أناس كانوا يفتقرون علي نحو ما إلي حق المواطنة الكاملة، ولكنهم طالبوا بها، ونجحوا في إعادة تعريف النظام السياسي بالحصول علي ذلك الحق". وللحديث بقية