تعجبت من عدم متابعة وسائل الإعلام العربى لانتخابات الاتحاد الأوروبى الأخيرة والتى جرت فى الأسبوع الأول من شهر يونيو الماضى، وبعد أيام قليلة من زيارة الرئيس الأمريكى الجديد باراك أوباما لمصر، فبينما تم التركيز على الرسالة الأمريكية الحاملة للرغبة فى التغيير أُهملت الرسالة الثانية والحاملة لنفس الرغبة، ولكن على الطرف النقيض للرسالة الأمريكية. فبينما صرح أوباما فى القاهرة عن رغبة الولاياتالمتحدةالأمريكية فى فتح صفحة جديدة مع العالم العربى والإسلامى ونسيان الماضى البغيض بعدما ارتكب فى حقهما، وعلى خلفية أحداث 11 سبتمبر ما يكفى من المهازل، نرى عناصر أوروبية اختارت لنفسها طريق بوش الابن الشعبوى الرخيص لتعيد ترتيب صفوفها، ولتزداد ثقلاً يومًا بعد يوم فى جدلية سياسية تنبئ بخطر داهم على العلاقات بين أوروبا والعالم المحيط بها – عالمنا –، ولذا فهى تستحق منا وقفة للاطلاع عليها واتخاذ موقف حيالها. فمع أحداث 11 سبتمبر كانت هناك رغبة فى الثأر من المتسببين فى مقتل الآلاف من الأمريكيين وصفت بالشعبية، كان قتيلها الأولى قبطى مصرى وقتيلها الثانى مهاجر هندى يرتدى العمامة التقليدية للسيخ ليبدو كم هائل من الجهل الحضارى المرتبط بظاهرة الثأر والعنف السياسى والتى غذاها الإعلام الرخيص، بأن كل ما هو شرقى هو مسلم وكل ما هو مسلم فهو عدو إما كامن ينتظر الفرصة لينقض على قيم الغرب المسيحى والحرية وحقوق الإنسان، أو صريح يعلن عن عداوته ولا سبيل لإصلاحه، إلا بالتخلص منه كما فى حالة القاعدة أو "نظام صدام" وما شابه -، وهذا خطأ لا حاجة بنا لدحضه فهذه مهمة الرئيس الجديد. أما عن أوروبا فقضية اليمين السياسى تتلخص فى رفضه لأن تكون القارة الأوروبية "قارة هجرة" ويصمم على أن تكون أوروبا "قارة وطنيات مقفلة على شعوبها"، وهذا ما تحاول أحزابه الصغيرة أن تستثمره فى الوصول إلى صوت المواطن القابل للتحيز إلى مستقبله فى أى انتخابات، وذلك بتأصيلها "الخوف من الأجنبى الغريب" خاصة المسلم، وتأجيج هذا الخوف بالدعاية الإعلامية غير الإنسانية والتى تظهر المهاجرين كالقراصنة النهازين لكل فرصة، ليستولوا ليس فقط على فرص العمل المتاحة والمسكن الرخيص بدلاً عن ابن البلد، ولكنهم يتسببون أيضًا فى غلاء الأسعار وجلب عادات وتقاليد غير ديمقراطية إلى القارة الديمقراطية، وتقاليد دينية إلى القارة العلمانية رغم التشبث بمقولة "أوربا المسيحية" والغرب المسيحى. وعلاوة على ذلك تلعب أحزاب اليمين فى أوروبا على العامل السكانى الديموجرافى الأجنبى، لتساهم أكثر فى تخويف الناخبين أصحاب الأصوات لتُظهر الأوروبى الفرد فى صراع غير متكافئ أمام الديكتاتور المهاجر من الشرق سواء غربيًا كان أو هنديًا، والذى يرتبط بأسرة متماسكة كبيرة العدد لتكون الدعاية حول نسائه أو حريمه بالمعنى الشرقى. من هنا كانت خسارة الأحزاب الأوروبية الكبيرة فى انتخابات الاتحاد الأوروبى على خلفية التهمة الموجهه إليها من أحزاب اليمين بالتسبب فى الأزمة المجتمعية بفتح الباب أمام المهاجرين بدلاً من تقييد الهجرة، ولم يعد لتلك الأحزاب الكبيرة فى أوربا صوتًا مسموعًا نتيجة لتركيزها الدائم على خضوع الجميع من مواطنيين أصليين ومهاجرين لمبدأ "سيادة القانون" كدعامة أساسية للديمقراطية، وحق كل من كفل له القانون بالإقامة فى الحصول على نفس الامتيازات التى للمواطن – كل مواطن– من عمل ومسكن ورعاية طبية واجتماعية إلخ، دون التمييز بين دين ودين ولون ولون، مما لا يدع مجالاً للنعرات العنصرية والدينية فى عالم ديمقراطى مفتوح ومتمدن. من هنا أجد طريقى لتحليل اغتيال مروة الشربينى بنت الإسكندرية ضحية العنصرية اليمينية ممثلة فى شاب ألمانى من أصل روسى أضحى هو أيضًا فريسة لفكر عنصرى غير إنسانى قاده فى النهاية إلى القتل، فقتله لها ليس فقط رفضًا لحجابها، ولكنه وفى الأساس رفضًا قاطعًا لمبدأ سيادة القانون الذى يعيش فى ظله، والذى نصرها عليه وحكم لها فى قضية أن تكون مختلفة عن الآخرين بعقيدتها التى تتمسك بها، وهذا حقها القانونى والمجتمعى فى أن يقبلها كل من يعيش فى ظل هذا القانون، وحقها فى الحماية، والمفترض بأنها لابد وأن تكون متوفرة من منفذى القانون، وهنا تكمن أحد عيوب الديمقراطيات الأوروبية بأنها لا تتنبه للخطر إلا بعد وقوعه.