اهتمت الإدارة الأمريكية بالإعلان عن دورها في حل مشكلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة وتوزيع المناصب الرئاسية علي الكتل التي فازت في الانتخابات.. وجاء هذا الاهتمام ردا علي من انتقدوا الإدارة الأمريكية بأنها وقفت متفرجة علي أزمة عراقية استمرت ثمانية أشهر، وأنها تركت الساحة العراقية خالية أمام اللاعب الإيراني كي يصول ويجول فيها كما يشاء وعلي هواه وطبقا لمصالحه الخاصة. ولا أحد بالطبع يمكنه أن ينكر وجود نفوذ للولايات المتحدة في العراق بحكم قواتها التي تجثم علي أرضه، وحتي بعد سحب معظم هذه القوات لن ينتهي هذا النفوذ الأمريكي في العراق بحكم الاتفاقات الأمنية التي سوف يكبل بها الأمريكان العراق، وأيضا لوجود أعداد من القوات الأمريكية سوف تبقي موجودة في الأراضي العراقية. ولكن الملاحظ بشكل لافت أن الإدارة الأمريكية لم تشأ أن تدخل في صدام مباشر وصريح وعلني مع الإيرانيين علي الأراضي العراقية، فهي تدرك أن لإيران نفوذها هي الأخري في العراق من خلال الروابط التي تربطها بالكتل الشيعية المختلفة، وهو النفوذ الذي فرض علي مقتدي الصدر أن يتخلي عن معارضته لحكومة المالكي ويوافق مضطرا تحت الضغوط الإيرانية علي تأييد توليه رئاسة الحكومة، وهو الذي كان يعتبر ذلك الأمر نوعا أقرب إلي المحرمات الدينية وسبق أن رشح غيره لهذا المنصب. وقد ظهر ذلك في عدم إقدام واشنطن علي منح علاوي مساندتها لتولي منصب رئاسة الحكومة، وهو المنصب الذي يري عراقيون أنه كان من حقه باعتباره رئيس الكتلة الفائزة بأكبر عدد من المقاعد البرلمانية.. فهي تعرف أن ثمة فيتو إيرانا علي علاوي رغم أنه شيعي نظرا لتوجهاته القومية، ورغبته في انتهاج العراق سياسة تنفتح علي العرب ولا تساير السياسة الإيرانية أو تكون ذيلا لها. لكن واشنطن في ذات الوقت سعت إلي يكون توافقها الاضطراري مع إيران في العراق مؤديا إلي مكاسب كبيرة للإيرانيين. ومن هنا جاء الإصرار الأمريكي علي ان تشارك كتلة العراقية في تشكيلة الحكم العراقي وأن يكون لها نصيب في عملية تقاسم الحكم.. أي أنها منحت تأييدا مشروطا للمالكي لتولي رئاسة الحكومة، ولم تمنحه تأييدا علي بياض.. بل إن واشنطن كانت حريصة أيضا علي أن يكون لرئيس كتلة العراقية دوره أيضا ونصيبه في هذا التقاسم.. في البداية كانت واشنطن ترغب في توليه رئاسة الجمهورية لكنها اصطدمت برغبة الأكراد في الاحتفاظ بهذا المنصب وإصرارهم عليهم لأنهم مقتنعون بأنهم يمثلون الطائفة الثانية في العراق بعد الشيعة.. ثم اخترعت واشنطن لعلاوي مجلسا للسياسة الاستراتيجية يتولي رئاسته وتكون له صلاحيات واضحة محددة تنفيذية. وهكذا أبعدت واشنطن صدامها مع الإيرانيين حول ملعبهم النووي عما يحدث في العراق.. وهي ذات السياسة التي سبق أن انتهجتها في أفغانستان.. فهذا الصدام لا يمنعها من البحث عن توافق مع إيران في كلا البلدين.