لعل كاتب هذه السطور هو أكثر الكتاب في مصر كتابة عن العفاريت، ولذلك سعدت جداً بوجود مسلسل في رمضان قدم علاقة بين جنية جميلة وشاب، ولكن المشكلة كانت في أن نفس الجنية ظهرت في نفس الحلقات كزوجة تعاني من علاقة سيئة مع زوجها، كانت ليلي علوي، ولكن ما صلة ليلي الإنسانة بليلي الجنية، أم هو تشابه في الأجسام والملامح، هكذا مضت الحلقات في طريقها مقسومة نصفين، نصف منفصل بطلته جنية والنصف الآخر بطلته إنسية، ولو أنك حذفت أحداث أي نصف منهما لما حدث للنصف الثاني أي شيء. في حكاية الشاب مع الجنية حرص السيناريست بالصورة والحوار علي تأكيد أن البطلة جنية بالفعل، ثم وفي آخر حلقة شرح المؤلف الصلة بين الحدثين والفعلين، ما أكده لك من قبل بكل الطرق الدرامية عن حكاية الجنية العاشقة، قام بنفيه علي طريقة (هيه.. وضحكت عليك) ثم بدأ يشرح لك بسرعة أن هذه الجنية ليست إلا الزوجة، ذات يوم عادت الزوجة إلي بيتها فوجدت سيارة إسعاف تحمل سيدة أشعلت النار في نفسها وماتت، الحديث كان يدور عن البطلة، الواقع أن الذي مات هو خادمتها وما أكد ذلك وجود بعض المصوغات الخاصة بالزوجة معها، أنت لم تشاهد ذلك، الزوجة هي التي حكته في نهاية الحلقات، ماذا تفعل هذه الزوجة، وجدت بابا مفتوحا وهو باب شقة الشاب الذي تعرف أنه يخشي العفاريت فقررت أن تنام عنده بعد أن تمثل عليه (وعلينا) أيضا دور العفريتة، وبمناسبة نهاية الحلقات قررت أن تعترف له بأنها ليست عفريتة ولا حاجة، كما ألقت علي المشاهدين درسا أنقذهم من هذا الحلم الجميل، أن يلتقوا يوما ما بجنية ويتزوجوا منها. حكاية الجنية التي تتزوج من شاب مصري منتشرة جدا في الفكر الشعبي في مصر، بل إن مطربا مثقفا مهما، حكي لي ولعدد كبير من الأصدقاء حكاية عن زواجه بجنية ووصف لنا بالتفاصيل طبيعة علاقته بها.. تري ماذا كان خطأ السيناريست وهو يحكي حكايته؟ الواقع أنه خلط بين الإثارة (suspense) وبين الرزالة، لقد قرر أن يعلم المتفرج الأدب.. لا تسأل ماهي الحكاية.. أو اسأل واشعر بالضيق من عدم الفهم ، أنا سأختار الوقت المناسب في نهاية الحلقات لأقول لك إن الحكاية كذا وكذا.. تتحقق الإثارة عندما يعرف المتفرج عن الأحداث أكثر مما تعرفه شخصيات العمل، هكذا يتابع العمل بقدر كبير من التوتر الحميد وليس الضيق، رحم الله الأستاذ حسن الإمام المخرج الشهير، في مواجهة موجة العبث في الدراما المصرية، كان يقول لي: اسمع.. إحكي لي بالطريقة التي أفهمها.. كان فيه مرة واحدة ست.. أو كان فيه مرة شاب.. لم يحدد السيناريست هدفه منذ البداية، هل الحكاية هي: كان فيه شاب يخشي العفاريت وحدث ذات ليلة أن انطفأت الأنوار في شقته وفوجئ بسماع أنثي تكلمه ثم حدث كذا وكذا.. أم إن الحكاية هي: كان فيه مرة واحدة ست تحيا حياة تعسة مع زوجها، وكانت تعرف أن جارها الشاب يخشي العفاريت، وذات يوم حدث كذا وكذا.. كنت أتناقش يوما ما مع سيناريست، وسألته ماذا يعني بمشهد بعيد تماما عن الحدوتة فقال لي: ولا حاجة.. أنا باعلّق المتفرج.. كلمة التعليق هذه رسمت في ذهني علي الفور صورة لشخص في السجن تم تعليقه، لا يجب تعذيب المتفرج إلي الدرجة التي يفقد فيها حماسه واهتمامه.. الدراما تتطلب الكرم.. كن كريماً عندما تحكي.