وأخيرًا تمكنت الكاتبة الصحفية الأمريكية «جريس هوستون» من مقابلة الملكة نازلي بعد انتظار طال نحو شهر! وأثار الحوار الذي جري في فبراير سنة 1922 ضجة كبري وزوبعة لا حدود لها، مما جعل الملك فؤاد «يصدر تعليماته بمنع «نازلي» زوجته من مقابلة أي صحفي أو صحفية علي الإطلاق». كان في حديث الملكة نازلي الكثير مما أغضب الملك فؤاد ومنه قولها إن زوجها غيور جدًا جدًا، وكذلك سؤال «نازلي» للصحفية الأمريكية: هل اخترعوا في أمريكا تليفونا يري فيه المتكلمون بعضهم؟! وردت الصحفية بقولها: لا أدري، لكن لماذا؟! وهنا جاءت الإجابة المثيرة لنازلي ونكمل مع الحديث، حيث كتبت الصحفية الأمريكية تقول: استغرقت جلالتها في الضحك ثم قالت: جاءني الملك منذ بضعة أيام قلقا مهموما وقال لي: لقد اخترعوا في أمريكا تليفونا يري فيه المتكلمون بعضهم، وإنه سيعمم في العالم قريبا، وهذه المسألة تشغله إذ لا يدري هل يسمح بإدخاله في القصر أم يرفع التليفونات كلها من هنا، تصوري إنه غيور غيور إلي درجة لا تطاق! ولم يكن في حديث الملكة أي مرارة أو ألم بل كانت في مرحها، حسناء في الثانية والعشرين من عمرها، قبلت مصيرها وأصبحت تجد متعة في وجودها وسط أولادها وجواهرها ولكن.. وقلت لها: كان يجب أن تتفقا قبل الزواج علي حدود الغيرة وقيودها كما نفعل عندنا في أمريكا! وضحكت جلالتها ضحكة مرحة صافية علي طريقتها وقالت: يبدو يا سيدتي أنك ما زلت تجهلين تقاليد الشرق مع ما قيل من إلمامك الشامل بأحواله، إن الفتاة عندنا تتحجب من سن الرابعة عشرة، وتخطر أول ما تخطر في الثامنة عشرة أو قبلها بأنها ستتزوج فلانا! وكل ما عليها هو أن تستعد، وقد قيل لي وأنا في الثامنة عشرة من عمري علي أن أستعد لأتزوج السلطان، ولما عارضت وكان العريس يكبرني بسنوات عديدة تعجبوا، وقيل لي كيف ترفض بنت الشعب يد السلطان؟! الصحفية الأمريكية في حوارها المثير الذي انفرد بنشره الكاتب الصحفي الكبير المرحوم «صبري أبوالمجد» في كتابه الوثائقي «سنوات ما قبل الثورة».. تضيف قائلة: وأخذت جلالتها تضحك في صفاء، بينما سبحت وأنا أفكر، فيما أعرفه من قصة هذا الزواج وكيف قضت ثلاثة أسابيع في البكاء والصراخ قائلة: إنها لا تريد أن تفني شبابها مع رجل في سن أبيها وإنها لا تريد أن تعيش إلي جوار رجل لا يعيش في قلب أحد من رعاياه، ثم كيف تغلب النظام التركي ووجدت هي أن زواجها أصبح أمرا لا مفر منه حتي لقد تم الزواج بلا احتفال ولا صخب ولم يشهده سوي أسرة العروسين من الرجال وسيدتين فقط إحداهما مدام قطاوي! وتسأل جريس الملكة نازلي: هل ترين الحرية قادمة إلي نساء مصر؟! وترد نازلي علي الفور: «إن الحرية قادمة لا شك في ذلك، لكنها قادمة ببطء وأنا فرحة بها وأدعو الله صباحا ومساء ألا تلقي فوزية -ابنتها- نفس مصير أمها وتستمتع بالحرية فتستطيع أن تتزوج ممن تريد وتسافر وتذهب وتجيء الأمر الذي لا أستطيعه أنا». وسرت غمامة حزن في وجه الملكة، لكنها ما لبثت أن استعادت مرحها بسرعة وقالت: إن فوزية ستأخذ بثأري لا مناص! وعن هوايتها المفضلة تقول نازلي: إنها تحب السفر، وقد طلبت من الملك مرارا أن يصحبها معه في أسفاره فلم يوافق لغيرته الشديدة عليها.. كما يقول: إنها لم تسافر إلي أوروبا إلا عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها.. وتقول نازلي: إنها تحلم بزيارة أمريكا وإنها لا تسافر إلا إلي الإسكندرية التي لا تحبها! وتفضل عليها زيارة أوروبا، لكن الملك غيور غيور جدًا! وتقول الملكة نازلي تعليقا علي غيرة الملك أحمد فؤاد: إن هذا حمق وغباء فظيع كما تقول أيضا إنه يصعب عليها أن تحصل علي كتاب إنجليزي واحد عن المرأة! وعندما تسألها «جريس هوستون» عن الطريقة التي عليها بها أن ترسل بكتاب أمريكي جديد عن المرأة قالت لها: «أرسليه إلي مدام قطاوي ليمر علي رقابة الملك قبل أن يصل إلي يدي». وتختتم الصحفية الأمريكية حوارها النادر مع الملكة نازلي بقولها: إن هذه الملكة الصريحة الطموح سيدة ذات روح متحررة وإنها ستنتهز أول فرصة سانحة لكي تحطم كل القيود التي تضعها التقاليد حول عنقها وتهرب من السجن الشامخ الذي تعيش فيه. وفي حياة نازلي مئات الأسرار التي لم يكشف عنها الستار بعد!