وأخيرًا نجحت الكاتبة والصحفية الأمريكية «جريس هوستون» في إجراء أول وآخر حديث صحفي مع الملكة نازلي، وكان ذلك في فبراير 1922، ولم تكن المهمة سهلة علي الإطلاق، فقد توسطت لها «ليدي كونجريف» زوجة القائد العام البريطاني. إن أهمية وخطورة هذا الحديث الصحفي مع الملكة نازلي الذي كان أول وآخر حديث لها في حياة زوجها الملك «فؤاد» أنه يرسم صورة دقيقة لحياة «نازلي» داخل جدران القصر، وكواليس ما يحدث وقتها. وتكمل الصحفية الأمريكية «جريس هوستون» قصة حوارها مع الملكة نازلي فتقول: ذهبت مع «ليدي كونجريف» في سيارة يقودها سائق إنجليزي يجلس بجانبه خادم أسود في ثياب ذهبية مزركشة، وحين وصلنا قصر عابدين اجتزنا عددًا من البوابات الضخمة حتي وصلنا جناح الملكة، ووجدنا علي الباب عشرة حراس عمالقة في ثياب أنيقة ومدججين بالسلاح لحراسة المدخل، ثم فتح لنا الباب «أغا» طويل وأغلقه علي الفور ووجدنا أنفسنا في ردهة فاخرة إلي حد البذخ، وتوسطت الردهة ثلاث سيدات جميلات وتقدمت أولاهن بابتسامة رقيقة خلابة وقادتنا إلي منضدة من الرخام الفاخر وقدمت لنا قلمًا من الفضة لنكتب اسمينا في الكتاب، وكتبت اسمي واسم «ليدي كونجريف» اسمها وقالت لي إن هذا هو كل ما علينا أن نفعله. ولم يتحدد الميعاد إلا بعد شهر من كتابة اسمي وبعد سعي متواصل من الدكتور «هاويل» الوزير الأمريكي المفوض في القاهرة، وفي اليوم المحدد توجهت إلي القصر أنا ومسز «هاويل» وبعد أن مررنا بكل البوابات والطقوس السابقة صعدنا إلي غرفة استقبال الملكة وقد اجتزنا في طريقنا بوابة أنيقة محلاة بنقوش الذهب والفضة ووقف عليها اثنان من الأغوات في ثياب مزركشة تبعث علي الهيبة والإعجاب ثم وجدنا أنفسنا في غرفة واسعة بها ما يقرب من عشر وصيفات بدين في جمالهن وأناقتهن وسحرهن كالحوريات ومن هذه الغرفة دخلنا غرفة أخري كان بها سيدة واحدة مهيبة الطلعة، تبدو بشعرها البلاتيني وثوبها الباريسي الأنيق مثالاً للجاذبية والأناقة والسحر الفرنسي، وكانت هذه هي مدام جوزيف «أصلان قطاوي» باشا كبيرة الوصيفات التي أخذت في رقة ولباقة تفهمنا طقوس ومراسيم مقابلة ملكة الشرق. وبينما كانت تتحدث كنت أجول ببصري في الروعة والفخامة والجو الخيالي المحيط بننا وأتصور كيف يغرق ملوك الشرق وملكاته أنفسهم في الترف والنعيم ناسين حياة شعوبهم. وسارت مدام قطاوي وسرنا وراءها إلي الملكة وكانت «جلالتها» واقفة في غرفة واسعة تحت صورة ضخمة لحميها «الخديو إسماعيل» وقد ارتدت ثوبًا من القطيفة الخضراء الغامقة من صنع باريس وغطت أصابعها بمجموعة من الخواتم الماسية البراقة وتدلي من أذنيها قرط تعلق به ماسة في حجم البندقة، وكان شعرها مقصوصًا وفق «الموضة» الباريسية ولكنها وضعت في مؤخرته مشطًا كبيرًا علي الطريقةالإسبانية وكان لون بشرتها أبيض ناعمًا وشفتاها رقيقتين وعيناها مكحلتين علي الطريقة الشرقية التي تضفي علي عيون المصريات سحرًا، وبدت جلالتها بسيطة جذابة كماسة نادرة من التي كانت تتحلي بها.. ولم تكد عيناي تقع علي هذا الجمال الساحر الخلاب حتي أُخذت ولم أملك إلا أن أقول: إنني أدرك الآن يا صاحبة الجلالة.. لماذا يصر الملك علي أن يحجبك عن لقاء الناس والصحفيين؟! وضحكت جلالتها ضحكة عالية مرحة ورفعت علي الفور الكلفة بيننا وقالت في أسلوب طبيعي رقيق: آه يا سيدتي ولكن يجب ألا تقولي هذا للملك بل يجب أن تؤكدي له أنني أستطيع الخروج ومقابلة الناس في أمان فهو غيور.. وغيور جدًا جدًا. وضحكت وقلت لها: له حق وعلي كل حال فإن الرجال جميعًا في هذا سواء! واستطردت جلالتها تقول وعلي شفتيها ابتسامتها المرحة: لا.. ليس إلي هذا الحد، وبهذه المناسبة أجبيني هل اخترعوا حقًا في أمريكا تليفونًا يري فيه المتكلمون بعضهم؟! وقلت لها: لا أدري ولكن لماذا؟! وكانت إجابة نازلي عن السؤال مدهشة وعجيبة أيضًا وهي تستحق الانتظار حتي المقال القادم!!