ما أكثر الحكايات والأسرار والغرائب والعجائب وأيضا الكوارث السياسية والفضائح الغرامية في حياة الملكة «نازلي»! وفي منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي كادت روزاليوسف السيدة والمجلة تتوقف عن الصدور ويتم إغلاقها بسبب الملكة «نازلي» فقد حدث في تلك الأيام أن نشرت مجلة روزاليوسف صورة للملكة «نازلي» ووجهها مكشوف «!!». وقامت قيامة الملك «فؤاد» وطلب من توفيق نسيم باشا رئيس الديوان الملكي أن يطلب من عبدالخالق ثروت باشا رئيس الوزراء إغلاق مجلة روزاليوسف بتهمة العيب في الذات الملكية!! وحقق مدير المطبوعات مع السيدة روزاليوسف فقالت إن الصورة منقولة عن جريدة فرنسية وزعت في مصر! واكتفي مدير المطبوعات بتوجيه توبيخ شيديد اللهجة إلي السيدة «روزاليوسف»!! وقبل نحو عشر سنوات من هذه الواقعة جرت واقعة أكثر خطورة وأهمية في حياة الملكة نازلي عندما نجحت الصحفية الأمريكية الشهيرة «جريس هوستون» في أن تجري حواراً صحفياً إنسانياً نادراً مع الملكة نازلي وكان ذلك في فبراير سنة 1922 ويقول الكاتب الصحفي الكبير المرحوم «صبري أبوالمجد» الذي كان أول من أشار إلي هذا الحوار في كتابه الوثائقي المهم «سنوات ما قبل الثورة» «الجزء الثالث»: «ولما أحدثه هذا الحديث الخطير من آثار في داخل البلاد وخارجها أصدر الملك «أحمد فؤاد» تعليماته بألا تقابل الملكة أي صحفي أو أي صحفية علي الإطلاق» ثم يورد الأستاذ «صبري أبوالمجد» فقرات طويلة من هذا الحوار النادر. وتقول جريس هوستون وهي تقدم حديثها مع الملكة «نازلي»: قرأت في طفولتي قصة العصفور والقفص الذهبي ولكني لم أر عصفوراً حقا داخل قفص من ذهب إلا حينما قابلت الملكة نازلي ملكة مصر الجميلة والملكة نازلي نموذج حي لهذه الأسطورة بل هي مثل بارز لمأساة المرأة أو بالأحري الملكة الشرقية في مصر الحديثة ولقد آمنت بعدما عرفت قصتها بالمثل القائل: مصدوع الرأس الذي يحمل تاجاً!! وقد تفضلت جلالتها فأذنت لي بأن أختلس نظرة إلي السجن الفخم الذي تقبع فيه وإلي العزلة الوثيرة التي تحيا فيها في قصر عابدين أو علي الأصح مقاطعة عابدين فهو أفخم قصر رأيته في حياتي. ولقد خرجت من عند الملكة نازلي وأنا أؤمن بأن هذه الملكة الصريحة الطموح سيدة ذات روح متحررة وأنها ستنتهز أول فرصة سانحة لكي تحطم كل القيود التي تضعها التقاليد حول عنقها وتهرب من السجن الشامخ الذي تعيش فيه!! ولقد نشأت الملكة نازلي وعاشت حتي زواجها في بيئة مصرية متحررة وكانت أمها من صديقات صفية هانم زغلول الحميمات كما كانت من مؤيدات حركة المرأة الجديدة وزعيماتها ولكنها ككل الزعيمات الوطنيات في مصر نفضت يدها عن نازلي وأمها بعد زواج نازلي لأنها كانت تؤمن بأن الملك فؤاد صنيعة البريطانيين وأنه لا يحب المصريين! وتضيف الكاتبة الصحفية الأمريكية جريس هوستون قائلة: ولم تفقد الملكة نازلي أملها في أن تحصل علي حريتها وكما قالت لي: لا تريد أن تكون أقل استمتاعا بالحرية من ابنة زوجها الأميرة فوقية فهي في مثل سنها ولكنها تتمتع بحرية واسعة وتسافر إلي أوروبا كل عام وتحضر الحفلات سافرة الوجه وذلك في الوقت الذي لا تقابل فيه الملكة نازلي أحداً إلا أقاربها أو بعضا صديقاتها وأقصي رحلة يسمح لها بها هي رحلة إلي مدينة الإسكندرية وهي كما قالت جلالتها: مدينة رطبة جداً لا أحبها. ولقد قيل لي في السراي حينما طلبت المقابلة إن جلالتها تتمتع بحرية تامة وإنها تستقبل من تريد!! ولكن إحدي صديقاتها أكدت لي إنها لا تخرج من السراي مطلقاً وأنها أيضا لا تقابل إلا عدداً معيناً من السيدات، السيدات فقط لا الآنسات وأن هؤلاء يدرجن أسماءهن في كشف تعده كبيرة الوصيفات «مدام قطاوي» باشا وتعرضه علي الملك الذي يشطب منه كما يشاء ثم يعيده إليها!! ولقد تحققت بنفسي من هذا كله بل ووجدت أن مقابلة الملكة نازلي أصعب بكثير من مقابلة أي ملكة أخري ووجدت أيضا أنني لن أصل إليها إلا بالطريقة التي تصل بها إلي أي شيء آخر: الواسطة!! لقد توسطت لي الليدي كونجريف زوجة القائد العام البريطاني وأخبرتني أن علي أن اكتب اسمي أولا في الكتاب الملكي - سجل التشريفات - فيحدد لي موعد بعد ذلك! باقي تفاصيل ما جري تستحق الانتظار لمقال آخر!!