بين كلمة الرئيس مبارك التي ألقاها في البيت الأبيض الأسبوع الماضي في بداية انطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وكلمته التي ألقاها في الاحتفال بليلة القدر هذا الأسبوع، أمور كثيرة متشابهة، علي الرغم من اختلاف طبيعة الحدثين، واختلاف الجمهور في كليهما.. وهذه الأمور المشتركة تشير إلي ثبات الرؤية الفكرية وتجذرها، كما تشير إلي "سمات أسلوبية" واضحة يتم تكرارها في كلماته المختلفة. أول هذه الأمور المشتركة هو أن الكلمات تتعدي وظيفتها البروتوكولية إلي أهداف أكثر عمقاً، وإلي وظائف أكثر أهمية.. ففي كلمته في واشنطن كان يكفي الرئيس، كما فعل بقية المشاركين، أن يشكر الرئيس أوباما، وأن يحث الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي علي مواصلة المفاوضات، ولكن الرئيس استغل هذه المناسبة ليضع الجميع أمام مسئولياته، وليضع أمامهم خارطة طريق لابد من اتباعها، وليحدد تحديداً واضحاً ما ينبغي علي كل طرف القيام به، في توزيع دقيق للأدوار والمسئوليات.. وفي كلمته في الاحتفال بليلة القدر، كان يكفي الرئيس أن يقول كل عام والأمة الإسلامية بخير، وأن يتمني الخير لها في الأعوام القادمة، غير أنه استغل هذه الفرصة ليوضح جذور المشاكل التي نعانيها، خارجياً من تشويه للصورة، وداخلياً من تزايد مضطرد في السكان، وأن يحاول أن يلفت الأنظار إلي النتائج المترتبة علي ذلك.. ثاني هذه الأمور المشتركة، أن الرئيس يميل، بلباقة وكياسة، إلي ما نسميه أحياناً "أسلوب التوريط"، وما يمكن أن نسميه بلغة علمية "أسلوب الالتزام".. بمعني أن يحدد الأدوار التي يجب علي الشخص أو المنظمة القيام بها اعتماداً علي دور سابق أو تعهد مسبق.. ففي كلمته في واشنطن أشار الرئيس إلي أنه قد اجتمع "برئيس الوزراء نتنياهو عدة مرات منذ توليه رئاسة الحكومة العام الماضي.. واستمعت منه في لقاءاتنا إلي تأكيدات لرغبته في تحقيق السلام مع الفلسطينيين.. وفي أن يسجل التاريخ هذا الإنجاز باسمه.. وأقول له اليوم إنني أتطلع إلي أن تأخذ تأكيداته طريقها إلي أرض الواقع.. وإلي نجاحه في تحقيق سلام طال انتظاره ،يتطلع إليه الشعب الإسرائيلي وسائر شعوب المنطقة. وفي كلمته في الاحتفال بليلة القدر أشار الرئيس إلي أنه " تمر بنا ليلة القدر.. فنتمعن في قضايا الوطن.. وقضايا منطقتنا وأمتنا، نتوقف أمام أحوال عالمنا الإسلامي.. فنواجه مقارنة لا مفر منها.. بين ماضي المسلمين وحاضرهم.. وما يطرحه المستقبل من آمال وتحديات" ثم يبدأ الرئيس في توزيع المهام علي أصحابها، والتكليفات علي أهلها.. ثالث هذه الأمور المشتركة هو عدم التنصل من الأخطاء التي نقع فيها، وعدم الاعتقاد في نظرية المؤامرة، ففي كلمته في واشنطن أشار إلي أننا "سنواصل السعي لرأب الصدع الفلسطيني" باعتبار أن ذلك من أكبر مشاكل الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل.. وفي كلمته في ليلة القدر أشار الرئيس إلي أنه "ومن المؤسف أن ينتقل هذا التطاول علي الإسلام من الغرب إلي بلداننا.. بإساءات يرتكبها بعض من أبنائنا.. ما بين طالب شهرة وطالب مال.. يؤذون مشاعرنا.. ويتطاولون علي الإسلام عن جهل أو افتراء". خلاصة القول: إن هناك اتساقاً في الرؤي الداخلية والخارجية، ووضوحاً في الأهداف السياسية والمجتمعية، وقدرة كبيرة علي تحديد المسئوليات وتوزيع الأدوار في كلمات الرئيس مبارك، وهي تعكس تجربة حياة زاخرة، وخبرة سنين عامرة.