علي الرغم من الأجواء المتشائمة التي أحاطت بانطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، علي الأقل لأن هناك سوابق كثيرة، لم تحقق ما كانت تأمله الشعوب العربية من مفاوضات السلام المتكررة، إلا أن لمحات من الأمل وأماني متفائلة اندفعت بحذر في واشنطن أمس واليوم معلنة عن أنه يمكن جداً أن تسفر المفاوضات عن حل.. حتي لو كانت عشرات من المسائل معلقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. حدث تاريخي جديد، في مسار الصراع العربي -الإسرائيلي، ولكن من باب السلام، تم تدشينه بالأمس، في حفل (إفطار عشاء) دعا إليه الرئيس الأمريكي أوباما، وانطلق صباح اليوم بتوقيت واشنطن.. بلقاء بين نتانياهو وأبومازن وهيلاري كلينتون.. فيما كان الزعماء وفي صدارتهم الرئيس مبارك يبنون خلال لقاءاتهم يوم الأربعاء تحصينات لمنع المفاوضات من أن تلقي نفس مصير مثيلاتها في السنوات الماضية. الرئيس مبارك في كلمته التي استغرقت نحو عشر دقائق في إطار البيت الأبيض تطلع إلي أن تكون المفاوضات (نهائية وحاسمة) وأن تقود إلي (اتفاق خلال عام).. مؤكدا أن الوضع الحالي يسبب لشعوبنا (قدرا هائلا من الغضب والإحباط).. وأضاف: عملية السلام منذ مؤتمر مدريد تعاني من التراجع والانحسار.. ولم تزل الدولة الفلسطينية حلما. (الدولة) باعتبارها هدفاً أساسياً للمفاوضات، علي الاقل من الجانبين الأمريكي والعربي، كانت محور المساعي التي نشطت في واشنطن منذ وصول الزعماء العرب ملبين الدعوة الأمريكية، وبالأمس كان أن عقد الرئيس مبارك مجموعة من اللقاءات المتوالية قبل أن يذهب إلي حفل الإفطار مساءً.. فالتقي الرئيس أبومازن والملك عبدالله عاهل الأردن الذي أقام في ذات الفندق الذي يقيم فيه الرئيس مبارك ورئيس وزراء إسرائيل.. ثم ذهب مبارك إلي لقاء مع أوباما في البيت الأبيض.. وعاد مجدداً للبيت الأبيض حين حل موعد الافطار في السابعة و45 دقيقة بتوقيت واشنطن. مبارك كال المديح بالأمس مرات مختلفة للرئيس أوباما، في إطار تحفيزه وشكره علي الجهد المبذول من أجل إطلاق المفاوضات هذا ما حدث في اللقاء المنفرد عصر يوم أمس، وفي مقال نشره الرئيس في جريدة النيويورك تايمز بعنوان (خطة سلام في متناول يدنا).. وفي الكلمة التي ألقاها الرئيس في البيت الأبيض.. حيث قال مبارك إن هذا الاجتماع رسالة بالغة الدلالة علي أن الولاياتالمتحدة ترعي بقوة وعلي أعلي مستوي المفاوضات المقبلة.. وأضاف الرئيس في المقال: إن تدخل الرئيس أوباما جدد أملنا في السلام وينبغي علينا اغتنام الفرصة. وباعتباره رجلاً تعرض لويلات الحرب، ورجلاً اعترك جهودا مختلفة للسلام، أفضي مسار فيها إلي تحقيق الاتفاق السلمي بين مصر وإسرائيل، فإن الرئيس مبارك قال بالأمس لمن قابلهم: (لايدرك قيمة السلام إلا من عرف الحروب وويلاتها.. وقد قضت لي الأقدار بأن أكون شاهد عيان علي سنوات الحرب والسلام). انطلاقًا من هذا فإن الرئيس مبارك الذي حيا أوباما علي مثابرته لتذليل الصعاب من أمام الاجتماع، حدد مجموعة من المواقف الواضحة التي انبني عليها موقف مصر من هذه المفاوضات، ومنها كما ورد بالأساس في كلمته في البيت الأبيض.. وبعضها من مقال النيويورك تايمز ما يلي: • لم يعد من المقبول أو المعقول أن تفشل جهود إقامة سلام عادل شامل ينهي قرنًا كاملاً من النزاع وينهي الاحتلال ويقر الأمن للجميع ويؤدي إلي علاقات تقوم علي الندية والاحترام. ويلحظ المحلل في هذا المعني أن مصر كررت بالأمس علي لسان رئيسها في أوقات مختلفة ومناسبات عديدة مبدأ (الأمن للجميع) وأنه ليس حقاً للإسرائيليين فقط.. وفي هذا السياق فإن مصر تكلمت عن وجود قوات دولية تضمن استقرار الأمن بين دولة إسرائيل ودولة فلسطين. • بنت مصر الإطار القانوني لمرجعيات المفاوضات علي أكثر من أمر، وقد جاء في خطاب الرئيس مبارك الحديث عن معايير كلينتون في عام 2000، وعن تفاهمات طابا، وعن بيانات الرباعية الدولية وعلي رأسها بيان 20 أغسطس، وقد وصفه الرئيس مبارك بأنه يكرس الشرعية الدولية من أجل تسوية سلمية تنهي الاحتلال. • ركزت مصر علي أن الاستيطان يخالف القانون، وقال مبارك إن الاستيطان لن يحقق لإسرائيل سلامًا أو أمنًا.. وأنه لا بد من وقفه تمامًا لحين انتهاء المفاوضات.. والعملية برمتها. وكرر مبارك (إن السلام والاستيطان أمران متعارضان.. فالمستوطنات تعمق الاحتلال الذي يسعي الفلسطينيون لإنهائه.. ومن ثم فإن قيام إسرائيل بوقف الاستيطان بشكل كامل في الضفة الغربيةوالقدسالشرقية أمر حيوي لنجاح المفاوضات.. بدءًا بتجديد فترة تجميد بناء المستوطنات التي تنتهي هذا الشهر). تاريخ انتهاء موعد تجميد بناء المستوطنات، في غضون الشهر الحالي، مثل كابوسًا ضاغطًا علي المفاوضات التي بدأت اليوم، إذ إن المطلب العربي والفلسطيني الأساسي هو أنه لا تفاوض مع الاستيطان، وأن أي تحرك في هذا الاتجاه من جانب إسرائيل سوف يقضي علي أي أمل باستمرار التفاوض، وهي النقاط التي أثارها الرئيس مبارك بالاسم مع كل من نتانياهو وأوباما.. وقد اعتبر وزير الخارجية أحمد أبوالغيط والوزير عمر سليمان رئيس المخابرات في لقاءيهما مع وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ومستشار الأمن القومي الجنرال جونز أن وقف الاستيطان لا بد أن يأتي في إطار بناء الثقة بين الجانبين.. وأن المفاوضات تحتاج إلي هذه الثقة لكي تستمر. مبارك، باعتباره موجه السياسة الخارجية المصرية ومحدد خطوطها، كان أن ركز علي عملية بناء الثقة.. وبخلاف وقف الاستيطان فإنه تحدث عن «قاعدة متينة من الأمن».. وقال: دواعي الأمن لا يمكن أن تكون مبررا لاستمرار احتلال اسرائيل للأراضي الفلسطينية.. فهذا يقوض مبدأ الأرض مقابل السلام. مصر بالأمس وأول من أمس طرحت أفكارا مختلفة، وإن تحسبت في أن تخوض في التفاصيل التي لم يتفق عليها بعد، فقد تكلم الرئيس مبارك عن أنه لا ينبغي أبدا الاعتقاد بأننا نبدأ من نقطة الصفر.. أو من الفراغ.. وقالت مصر إن لدينا تراكماً سابقاً ولابد أن نبدأ من حيث انتهينا وليس أن نبدأ من جديد. ومصر أيضا هي التي دعت بالأمس الي تجاوز أي عقبات أو عثرات سوف تعرقل الأمر.. أو يريد لها الآخرون أن تعرقل التفاوض.. وأنه لا بد من تخطيها.. وأنه لا بد من إنقاذ المفاوضات من أي استفزاز من أي نوع.. وقد تكلمت مصر عن أنه لا بد للدولة الفلسطينية أن تكون ذات أراض متواصلة.. وأن تكون عاصمتها القدسالشرقية.. وأنه يمكن التفاوض علي تبادل محدود للأراضي وبما يؤدي إلي تذليل عقبات متوقعة.. وتوفير خط اتصال بين كل من الضفة وغزة.. وأشار وزير الخارجية إلي أن هناك أفكاراً متنوعة في هذا السياق. مصر أيضا وفي محادثات الرئيس مع مختلف الزعماء قالت بالأمس: • لا نقبل فكرة الدولة المؤقتة.. أو دولة الحدود المؤقتة.. فالدول لا تنتهي في لحظة من الزمن. • التفاوض علي أساس خطوط إطلاق النار في 1967 بحيث إنه يجب أن يعود للفلسطينيين نفس المساحة من الأرض. • كل القضايا مطروحة للتفاوض «من المتوقع أن تتشكل لجان نوعية مختلفة تتعلق بالقضايا المتنوعة يلتقي فيها الفلسطينيون والإسرائيليون لبحث الأمور.. وقد تعهدت هيلاري كلينتون بأن الولاياتالمتحدة ستكون ملاصقة للمفاوضات بحيث تتدخل كلما تعثرت أو تعرقلت». • مصر أكدت أنه لا يمكن القبول بأي مقترح سوف يفتح الباب للاستيطان. • طالبت مصر جميع الأطراف بالتحلي بالصبر.. لأن المفاوضات تقتضي مزيدًا من التريث والصبر. ومن المؤكد أن العملية التي ساهم الرئيس مبارك في إطلاقها بالأمس واليوم في واشنطن، والتي من المتوقع أن تساهم مصر فيها بكل الجهد اللازم لإنجاحها، تبدو صعبة، وتواجه عقبات كثيرة خاصة علي مستوي نوايا المفاوض الإسرائيلي، ولكن الولاياتالمتحدة تتجه إلي إصرار عكس ذلك، وتجد من مصر وتحديدًا من خلال الرئيس مبارك دعمًا كبيرًا للوصول بالمفاوضات إلي هدفها وهو إعلان الدولة الفلسطينية. نص كلمة الرئيس ص3 تفاصيل أخري ص 7 ومقالات الرأي في ص 8،9 والشئون العربية والخارجية في ص6