منذ أكثر من ست سنوات عدت إلي كليتي بعد إعارة استمرت حوالي عامين ونصف العام كعميدة لكلية الإعلام بجامعة 6 أكتوبر تابعت خلالهما بحماس شديد ما كان مطروحا من حديث حول مشروعات تطوير التعليم الجامعي والعالي بعد ذلك المؤتمر الناجح لتطوير التعليم الجامعي الذي عقد عام 2000، وانتهي بمجموعة من المشروعات المحددة التي مولها البنك الدولي، من بينها مشروع جودة التعليم الجامعي.. في ذلك الحين كانت الدكتورة ماجي الحلواني عميدة للكلية.. ونقلت إليها حماسي بضرورة أن تبدأ الكلية رحلتها في هذا المجال وضرورة أن نتقدم بمشروع لإنشاء نظام داخلي للجودة، وللحق فقد كانت متحمسة هي الأخري.. وشجعتني علي تكوين فريق عمل، وإعداد هذا المشروع.. وقدمت لي التسهيلات اللازمة. وبالفعل استطعنا عام 2006 أن نحصل علي هذا المشروع وبدأنا رحلتنا مع الجودة.. وكانت الخطوة الأولي تكوين وحدة لضمان الجودة بالكلية، حرصنا علي أن يكون أعضاؤها من المؤهلين لذلك، وليسوا مجرد موظفين عاديين، لذا تم اختيار مدير إداري للوحدة حاصلة علي درجة الدكتوراة في الاجتماع واخترنا عددا من خريجي كلية الإعلام من الشباب ليكونوا نواة لهذه الوحدة المهمة يتقنون التعامل مع الحاسبات الإليكترونية ويملكون مهارات البحث العلمي والتواصل مع جميع الأطراف في الكلية من أساتذة وطلاب وإداريين، إذ كانت من أصعب المهام التي كان علينا كفريق عمل »من الباحثين والعاملين بهذه الوحدة الوليدة« أن ننجح فيها هي نشر ثقافة التغيير والجودة، وهي نقطة البداية الحقيقية لاجتيازنا جميعا هذا التحدي المصيري. والآن بعد أربع سنوات من العمل عدت إلي الدراسة الذاتية التي قمنا بإعدادها في بداية عملنا، لأقارن وضعنا في ذلك الحين وما أصبحنا عليه الآن بعد هذه السنوات.. وانتابني إحساس بالسعادة والرضا.. فرغم كل شيء ورغم الصعوبات والتحديات فقد اختلفت الصورة تماما في كليتي.. وأعتقد أن كل زملائي وأبنائي من الطلاب والإداريين بالكلية قد شعروا بل ولمسوا مدي التطوير الذي تشهده الكلية، وما زالت عملية التطوير مستمرة. وأعتقد أن عددا من كليات الجامعة، والجامعات الأخري قد قطعت شوطا واسعا في إطار الجودة.. فالمسألة فعلا جادة وحقيقية، وليس كما يردد البعض أنها مجرد عمليات شكلية. فهذا المشروع يمثل بالفعل نقلة نوعية نحو تطوير منظومة التعليم الجامعي في مصر، حيث أصبح لدينا معايير أكاديمية مرجعية ووسائل للقياس لكل قطاع من القطاعات الجامعية، ومنها قطاع الإعلام تتوافق علي المعايير العالمية، وغدت كل كلية لديها نظام للجودة الداخلية، وتصدر تقارير لأدائها السنوي من واقع تقارير كل برنامج دراسي بها ومن خلال تقارير المراجعين الداخليين والخارجيين لكل برنامج، فهناك عملية تقييم مستمرة وتحديد لنقاط القوة والضعف، ورصد لما تحقق من خطط العمل التنفيذية بكل كلية وما لم يتحقق والأسباب التي أدت إلي ذلك. ومشروعات التطوير في مرحلتها الثانية والتي بدأت في العام 2008 وتستمر حتي 2012 وتتضمن: 1 - متابعة استمرارية مشروع ضمان الجودة والاعتماد 2 - مشروع ضمان الجودة والاعتماد 2 3 - مشروع التطوير المستمر والتأهيل للاعتماد 4 - مشروع اعتماد المعامل بمؤسسات التعليم العالي 5 - مشروع تطوير البرامج الأكاديمية وتأهيلها للاعتماد 6 - مشروع تطوير نظم تقويم الطلاب والامتحانات 7 - مشروع تطوير كليات العلوم الأساسية 8 - مشروع متابعة وتقييم البرامج الأكاديمية الجديدة هي مشروعات جادة يتم العمل فيها بشكل مستمر وتتم متابعتها سواء من خلال الجامعات (رئيس الجامعة، نائب رئيس الجامعة للدراسات العليا والبحوث، مركز ضمان الجودة بالجامعة) باستمرار وبدقة. والهدف أن تصل كل جامعة وكل كلية إلي قدرة مؤسسية ذاتية الحركة لتطوير مستمر، يحقق جودة أكاديمية ومؤسسية مقننة تضمن قدرة تنافسية وتؤهل للاعتماد. وذلك من خلال: - نشر ثقافة الجودة والاعتماد وتبني مفاهيم الجودة الشاملة في مؤسسات التعليم العالي (جامعات، كليات). - دعم التحسين المستمر لضمان التطوير. - رفع كفاءة القدرات المؤسسية والأكاديمية للارتقاء بمستوي الجودة طبقا لمعايير مقننة. - تحسين جودة فرص التعليم متضمنة استراتيجيات التعليم والتعلم والتقويم والدعم الأكاديمي والإرشادي ومصادر التعليم. وللحق فإنه من خلال عملنا علي مدي السنوات الأربع الماضية في هذا المشروع تعلمنا الكثير واكتسبنا قدرات جديدة.. نظمنا كثيرا من أفكارنا.. راجعنا العديد من أساليبنا في العمل الأكاديمي.. اكتشفنا الثغرات وسعينا إلي معالجتها بالأساليب العلمية المدروسة. لأول مرة -علي سبيل المثال- نجتمع جميعا أسرة الكلية من أساتذة وطلاب وإداريين لنقوم من خلال جلسات عصف ذهني، ومن أجل ملء صحائف استقصاء بتحليل البيئة الداخلية والخارجية للكلية أو ما يعرف اختصارا بSWOT Analysis، ومن ذلك أمكننا أن نحدد نقاط القوة ونقاط الضعف في البيئة الداخلية للكلية وأن نرصد بدقة الفرص والتهديدات في البيئة الخارجية للكلية.. أعددنا دراسة علمية دقيقة عن وضعنا التنافسي علي المستويين القومي والإقليمي، ونطمح مستقبلا وفي ضوء رؤية الكلية أن تصبح لدينا قدرة تنافسية علي المستوي العالمي. أصبح كل أستاذ مطلوبًا منه في نهاية تدريسه لكل مقرر أن يعد تقريرا عن هذا المقرر متضمنا خطته المستقبلية للتطوير.. طبعا وحتي أكون صادقة ما زلنا نواجه بصعوبات ومقاومة من البعض وتقاعس -أو كسل أحيانا- في تنفيذ هذا الالتزام، لكن الأمور -بكل صدق- في تحسن مستمر، وكل يوم يزداد عدد المساندين لهذه الجهود التي تبذل من أجل الجودة. كما أصبح مقبولا أن يتلقي كل أستاذ تقريرا يتضمن آراء الطلاب في المقرر الذي قام بتدريسه مضمونا وأسلوبا، وملاحظاتهم الإيجابية والسلبية، الأمر الذي قوبل في بداية الأمر برفض شديد وعدم اقتناع أو تصور بأن الطالب يمكن أن يبدي رأيه في المقرر وطريقة تدريسه وأسلوب الامتحان.. وغير ذلك. لأول مرة أيضا أصبح لدينا خطة بحثية متكاملة للكلية مرتبطة بخطة الجامعة، خضعت للمناقشة من جميع الأطراف (أعضاء هيئة التدريس، الجهات المستفيدة من بحوث الكلية من مؤسسات إعلامية وغيره....). وأصبح لدينا أيضا خطة لخدمة المجتمع وتنمية البيئة محددة الأهداف والأنشطة والمشاركين فيها (من داخل الكلية وخارجها) والمستهدفين بها أو المستفيدين من جميع الأطراف وأصبح لها مخصصات مالية من المصادر الذاتية للتمويل بالكلية وهناك وسائل للتقييم والمتابعة. إن هذه التجربة الفريدة التي خضتها مع زملائي من أجل أن نصل بكليتنا العزيزة إلي هذه النقلة النوعية -بما في ذلك من استحداث برامج جديدة تعكس التطور العلمي والتكنولوجي في حقل الدراسات الإعلامية مثل شعبة الصحافة الإليكترونية، ماجستير الإعلام بأسلوب التعلم الإليكتروني، الدبلومات المهنية المتخصصة شعبة الإعلام باللغة الإنجليزية- انعكست إيجابا علي العملية التعليمية، علي الطلاب، واستقطبت دارسين من مختلف دول العالم -وليس الدول العربية فقط- للالتحاق بالكلية والدراسة بها. أيضا علمتنا هذه التجربة الفريدة الكثير منها: - العمل الجماعي وبروح الفريق - تبادل الخبرات وتقبل النقد والاعتراف بحق الاختلاف - أهمية، بل حتمية المتابعة والتقييم المستمر - التوثيق لكل الأنشطة والأعمال التي نقوم بها - أهمية، بل حتمية تنمية القدرات والمهارات الخاصة بأنشطة ضمان الجودة والاعتماد - الصبر والعمل بهدوء وبالتدريج من أجل تقليل حجم المقاومة للتغيير والتطوير.. هدفنا أن نكسب كل يوم مساندا ومناصرا جديدا، وفي الوقت نفسه لا نخسر أحدا، وإذا لم نستطع أن نجعل الجميع مساندا ومشاركا، فليصبح من يرفض أن يشارك محايدا علي الأقل - أن النجاح يقود إلي مزيد من النجاح - لا ينبغي أن نيأس أبدا أو نستسلم لأي محاولات تحاول أن تقف عائقا أمام مسيرة التطوير إن هذه التجربة التي عشناها وما زلنا نعيشها تؤكد أن الجهود نحو تحقيق جودة التعليم الجامعي هي جهود حقيقية وصادقة.. ينبغي أن نشارك فيها جميعا.. ولا ننكر أن هناك معوقات وصعوبات لكن هناك أيضا دعما ومساندة سواء من وزارة التعليم العالي أو المجلس الأعلي للجامعات أو جامعتنا نفسها بقياداتها، وكذلك من الهيئة القومية لضمان جودة التعليم والاعتماد.. هذه كلمة حق أردت أن أسجلها للتاريخ.