الأمن القومى فوق كل شىء تعود حوادث الحدود مجددا بطريقة مؤلمة.. قاسية علي القلب.. تدفع المرء إلي أن يمعن النظر مرة تلو مرة في مشاعره العربية.. أتحدث عن المشاعر.. ولا أتحدث عن الإيمان بمبادئ وأسس وضرورة القومية العربية.. فقد قتل جندي مصري مساء يوم الخميس برصاص غادر أطلقته مجموعة من المهربين الذين ينتمون للأسف إلي بني جلدتنا العرب في غزة. فأي جريمة تلك التي تتكرر من حين لآخر.. تجاه جنود مصريين أعلم علم اليقين أنهم يفكرون ألف مرة قبل أن يطلقوا النار في اتجاه أي صدر عربي. وقد صمت الجميع في مصر.. لا حزب أصدر بيانا.. ولا جماعة أدانت الفعل البشع.. ولا كاتب استنكر الواقعة.. ولا أصوات دعت لجمع التبرعات من أجل أسرة الجندي الشهيد.. وهذا النائب الإخواني الذي تمطأ وذهب إلي البرلمان بسؤال حول ما يتردد بشأن إجراءات إنشائية تقوم بها مصر لحماية حدودها.. ضاربًا عرض الحائط بكل أسس الأمن القومي.. تجاهل في سؤاله أي حديث عن الجندي الذي قتله فلسطينيون.. مع مزيد من الأسف المضاعف.. أسف علي توجهات النائب.. وأسف علي فعل القتلة. كما لو أنه صار علينا أن نمرر مثل تلك الوقائع.. كما لو أنه علينا أن نقبل بها ونعتبرها ضريبة واجبة الدفع.. كما لو أنه لابد أن نرتضي هذا التطاول الإجرامي صاغرين ليس علينا حتي أن نتبرم منه. لا - عفوًا - نحن لا نقبل هذا.. وندينه.. ونرفضه.. ونشجبه.. ونقف ضد كل من يسانده.. بالفعل الإيجابي.. أو بالصمت السلبي.. دماؤنا لها ثمن.. وهي لا يجب أن تُهدر بهذه الطريقة ولا يجب أن نمرر ذلك الفعل.. كما أننا لا نقبل أي حديث عن أنه ليس من حقنا أن نتخذ ما ينبغي من الإجراءات الواجبة لحماية حدودنا من كل أنواع التعدي.. سواء كان تعديا بالقتل المتعمد لجنودنا أو بالتهريب المتعمد من تحت الأرض أو فوقها. حدودنا مقدسة.. وأرضنا لا يجب أن تكون عنصرًا في أي مشروع توسعي- سواء كان الراغب في التوسع عربياً أو إسرائيليا - الإسرائيليون يريدون إلقاء مشكلة غزة في فناء سيناء.. والفلسطينيون من حماس يريدون أن تكون أرضنا ظهيراً خلفيًا لهم.. يتوسعون فيه بلا مانع.. يدخلون بلا رقيب.. يهربون بلا حسيب.. وعلينا أن نصمت وأن نتستر وأن نقبل الحجج الفارغة بخصوص الحصار.. كما لو أن إهانة سيادتنا وانتهاكها أمر عادي يمكن التجاوز عنه. لم أسمع أحدًا يتحدث رفضًا ضد الاجراءات التي تتخذها السعودية تجاه التعديات الحوثية.. باستثناء الأصوات المؤيدة لإيران. وهي للأسف نفس الأصوات التي تعترض علي قيام مصر بأي مهمة أو عمل أو إجراء من شأنه أن يحافظ علي ثوابت الأمن القومي.. السعودية تواجه التعدي بالقوة العسكرية الشرسة.. ومعها حق.. كما أن معنا حقاً.. ولنا كل الحق في أن نحفظ سيادتنا من أي انتهاك.. ولم تلجأ مصر أبداً إلي الإجراءات العسكرية. هؤلاء الذين يدافعون عن التهريب بحجة أنه يمكن أن يخفف متاعب الحصار عن إخوتنا في غزة.. يتجاهلون مجموعة من الحقائق: 1- شبكات الأنفاق تحت الأرض بين جانبي رفح- المصري والفلسطيني- تتبع مجموعة من العصابات والتنظيمات.. وهي تخضع لأعمال فساد منظمة.. تستغل الفلسطيني في أن تبيع له السلع بأسعار باهظة.. وتستغل المصري في أن تقتطع من الدعم الذي تقدمه حكومته لمواطنيها.. كما لو أن دعم رغيف الخبز وأسطوانة البوتاجاز ولتر البنزين يوجه إلي أهل غزة.. الذين رغم كل معاناتهم يرتفع مستوي دخلهم مقارنة بدخل المواطن المصري.. وليت لتر البنزين يباع في غزة بسعره في مصر.. وليت دقيقنا يباع بنفس سعره.. بل بأضعاف مضاعفة.. ومن ثم فإن الدفاع عن هذه التجارة السوداء هو دفاع عن العصابات وتجار السوق السوداء. لقد تطورت هذه التجارة الفاسدة إلي درجة أنه لم يعد هؤلاء يهربون البنزين في "جراكن" كما كان يجري من قبل.. بل اصبحوا يمدون الأنابيب عبر الأنفاق لتنقل نهباً من البنزين المصري.. وقس علي هذا في وقائع وسلع كثيرة. 2- لم تنقذ الأنفاق إخوتنا في فلسطين من متاعب الحصار.. بل إن المناضلين من أجل رفع الحصار يتراجعون أمام تربح أصحاب الأنفاق.. التي يبذلون فيها جهدا أكبر من سعيهم إلي فض المشكلات مع إخوتهم في فتح.. ويسعون إلي استمرار شبكة الأنفاق بدلا من اتمام المصالحة التي تؤدي إلي إتاحة الفرصة أمام فتح قانوني دائم ومستمر لكل المعابر مع كل جيران الأراضي الفلسطينية. 3- المشكلة في الأنفاق لا تقتصر علي السلع.. كما أنها لا تقتصر علي الأمور التي تتجه من مصر إلي غزة.. وإنما المشكلة - وهذا هو الأخطر - تمتد إلي السلاح.. وإلي ما هو آتٍ من غزة إلي مصر.. المشكلة في تهريب ما يمكن أن يدعم الإرهاب.. ويسلحه.. والمشكلة في خطورة هروب عناصر من مصر عبر تلك الأنفاق إلي حيث من يؤويهم في غزة.. وهنا لابد أن تقف جهات الأمن المصرية بكل حسم أمام تحول تلك الانفاق إلي ثقب في جدران الأمن القومي المصري وبما يهدد مصالح مصر. إن الذين يهاجمون الاجراءات الإنشائية أو الأمنية التي تقوم بها مصر.. بغض النظر عن نوعها غير الواضح حتي الآن.. هم اعداء للأمن القومي المصري.. ويعملون من أجل مصالح غير مصرية.. ويتسترون - إن لم يكونوا مشاركين - علي الارهابيين والفاسدين والمهربين.. ولابد أن يكون هذا واضحاً.. وأن نطالب مصر بمزيد من التدقيق والضبط والربط علي الحدود. [email protected] www.abkamal.net