هل تتلاعب العاصمة السورية دمشق بتركيا ؟ وهل يعتقد الساسة السوريون أن نظائرهم الأتراك في أنقرة سيكفيهم قول الاسد إن بلاده لن ترضي وسيطا بديلا لبلادهم؟ سؤالان طرحا ومازالا في الميديا مرئية ومقروءة, وكان هذا بدوره صدي لأحاديث وعلامات استفهام دارت في أروقة أهل الحكم سواء في الباشباكللنك( مقر رئاسة الحكومة) أو الكشك( حيث القصر الرئاسي) وكلها عكست شعورا ما بعدم الارتياح, والذي لم يكن مرده فقط الأنباء التي تواترت بشأن عزم سوريا البحث عن وسيط آخر فحسب, وإنما للتصريحات التي نسبت إلي رئيسها وانطلقت في البداية من إسبانيا حيث حل عليها ضيفا في الاسبوع الأخير من شهر يونيو الماضي, وفيها ربط بين تدهور علاقات جارته الاناضولية بالدولة العبرية ووقف المفاوضات غير المباشرة بين بلاده وتل أبيب والتي راعتها أنقرة, ومضي الاسد قائلا للإعلام الاسباني' إنه نصح أنقرة بتخفيف لهجتها تجاه إسرائيل' حتي يمكن العودة إلي دور الوسيط مجددا. زاد علي ذلك أنه في يوم الحادي عشر من الشهر الحالي نقلت صحيفة حريت عن نظيرتها الامريكية' نيويورك تايمز' أن السيناتور الأمريكي اليهودي عن ولاية بنسلفانيا' أرلان سبيتكر' البالغ من العمر80 عاما ويرتبط بعلاقات صداقة حميمة مع الرئيس السوري بشار الاسد, قام بدور الوساطة بين العاصمتين السورية والاسرائيلية, ومضت الصحيفة الأمريكية قائلة إن تصريحات الاسد في مدريد بدت إشارة علي حد قول يديعوت احرونوت الاسرائيلية لبدء المفاوضات غير المباشرة من جديد والتي كلف بها السيناتور سيبتكر والذي سبق وزار سوريا18 مرة كان آخرها قبل عامين. من جانب آخر قالت حريت نقلا عن الصحيفة ذاتها إن تل أبيب طلبت من سوريا التدخل للمساعدة في الافراج عن الاسير الاسرائيلي لدي حماس جلعاد شاليط وذلك كبادرة لعودة المفاوضات غير المباشرة بين البلدين وحتي يكتمل مشهد إثارة حفيظة الساسة الاتراك ولمزيد من نكأ الجراح حدث أمران في غاية الدلالة: الأول هو أن المسئول الاسرائيلي الذي تلقي رسالة دمشق عبر سبيتكر كان' داني ايالونDannyAyalon وكيل الخارجية الاسرائيلية صاحب المقعد المنخفض والذي قصد به إهانة السفير التركي في تل أبيب اوغوز شليككول قبل أربعة أشهر. أما الأمر الثاني فقد تمثل في دعوة رئيس بلدية حيفا' يوناه ياهافYonahYahav بتحويل سفينة مرمرة الزرقاء التركية التي كانت تحمل مساعدات إنسانية إلي غزة والمحتجزة حاليا في اسرائيل إلي فندق عائم, وقال في رسالة بعث بها إلي وزير الدفاع الاسرائيلي أيهود باراك إن هذا من شأنه أن يجذب السياح من جميع أنحاء العالم للمدينة المعروفة عنها أنها نموذج لتعايش الاديان علي حد قوله, مؤكدا أن تحويل السفينة, التي قتل فيها تسعة أتراك برصاص البحرية الاسرائيلية, يبعث علي السرور لدي سكان حيفا!! أي أنه ودون اتفاق بين البلدين اتحدت دمشق وتل بيب في مواجهة تركيا وهنا التقط' سميح إديز' وهو واحد من الكتاب الكبار طرف الخيط وراح ينسج له سيناريو شديد القتامة والتعميم في ذات الوقت بيد أن غيظه من الموقف السوري جعله يعمم السلوك' الحلبي' المراوغ علي العرب ككل, وفي مقالته المطولة بصحيفة ميلليت راح ينهل من الماضي القديم والوسيط بعض مواقف الناطقين بلغة الضاد ليخلص في النهاية إلي أن ماحدث خيانة وطعنة غادرة في الخلف! غير أن الرئيس السوري سرعان ما عاد كي يؤكد أنه لا يوجد وسيط بديل لتركيا في المفاوضات مع إسرائيل, وقال في حديثه لمجموعة من الصحفيين الاتراك, خلال لقاء معهم في دمشق تم الترتيب له بعناية, إنه في حال عودة المفاوضات بين الطرفين, ستكون تركيا الوسيط والعنوان الاخير والوحيد لسوريا, وأضاف الاسد أن اسرائيل هي التي وجهت ضربة للعلاقات التركية الاسرائيلية وليست تركيا, ولا يمكن للأخيرة التنازل عن دماء مواطنيها الذين فقدوا حياتهم إثر العدوان الاسرائيلي علي سفينة مرمرة للمساعدات الانسانية, واضاف الاسد أنه من الممكن لأنقرة ان تعود لتولي دورها ولكن من بعد تلبية اسرائيل للمطالب والشروط التركية, مؤكدا تمسك بلاده بتولي تركيا دور الوساطة الناجح, وأشار الاسد إلي أن سوريا لو كانت وجدت وسيطا ناجحا اكثر من تركيا لأجرت اتصالات معه بدون اي تردد, وتلك حقيقة يعرفها رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان! هنا انتهي كلام الاسد وكان يفترض أن يكون قد نزل بردا وسلاما علي أنقرة ولكن هيهات فهواجس الأخيرة لم تبرح مكانها بعد وها هي الكاتبة' فارئي كينتش' في عمودها بصحيفة' حريت' تعود لتشكك في نوايا الإخوة السوريين, صحيح أنها لم تستخدم نفس تعبيرات زميلها إيديز إلا أنها خلصت للنتيجة ذاتها وهي لا أمان يرجي من أهل الجوار!