كلما جاء أكتوبر نتذكر جميعا أن نصر أكتوبر كان بعد هزيمة ما كان لمصر أن تحدث لها ولكنها كانت بداية لمرحلة تجعلنا دائما نؤمن بأن الرؤية والتخطيط السليم الذي تتوفر له الآليات يأخذنا دائمًا إلي تحقيق ما نخطط له في الوقت المناسب والمكان المناسب. وكلما جاءت ذكري أكتوبر 73 أعود دائمًا إلي ورقة أكتوبر التي أعلنها قائد مصر في ذلك الوقت الرئيس أنور السادات في أبريل 4791 بعد أن استوعبنا أن النصر ليس وليد ليلة أو مغامرة ولكنه وليد تخطيط سليم، اسمحوا لي أن أقدم وأذكر القارئ ببعض ما جاء بهذه الورقة التي ينبغي أن نعيد قراءتها في كل أكتوبر ونراجع بعض ما جاء فيها من آمال ونتساءل بصدق؟ لماذا لم يتحقق بعض ما تمناه قائد مصر أكتوبر حتي الآن؟: تعالوا نقرأ ما ذكره أنور السادات في مقدمة ورقة أكتوبر: هناك أيام في حياة الأمم لا تقاس بوحدات الزمن وإنما تقدر بوزن ما تفتحه من آفاق وما تتبعه من آمال وما تلهمه من أفكار وما تلهبه من عزائم وهي بطبيعتها أيام نادرة لا تعرض للأمة الواحدة إلا مرة كل عشرات من السنين.. والأمم الجديرة بالتقدم والازدهار هي تلك التي تعرف كيف تمسك بالفرصة التي لا تتكرر لكي تشق ما انفتح أمامها من طريق وتحيل بعملها ما يلوح من أمل إلي واقع حي وتجعل من مجدها صفحات مشرقة من تاريخ البشرية ولا تتركه ومضة خاطفة ليس لها من غد. إن شعبنا العظيم قد خاض تجربة الهزيمة وعاش سنوات المرارة والتمزق وعاش أيضًا تجربة صنع النصر.. وما كان لهذا كله أن يحدث دون أن نستمد منه طاقات جبارة لبناء مستقبل سعيد لقد كانت سنوات الهزيمة فرصة لامتحان قاس للضمير ناقشنا فيها أنفسنا ووضعنا كل جوانب العمل الوطني تحت مجهر النقد واستبد بنا التمزق حتي ظهرت في الأفق بعض الاتجاهات الانهزامية تشكك في كل شيء وتهون من قدرات الشعب العظيم. ثم تعالوا نقرأ أو نتذكر معا بعض عناوين وردت في هذه الورقة في مهام المرحلة أو استراتيجية شاملة: ذكرت الورقة أن التنمية الاقتصادية هدف حياة أو موت وأن القطاع العام هو الضمان الرئيسي في ظل الإرادة السليمة والإرادة الوطنية وأن استعداد وتشجيع القطاع الخاص أساسي في مجال التنمية وأننا يجب أن نتخلص من عقدة الخوف من الاستثمار الأجنبي وأن المستقبل مرهون بتقدم الصناعة وفي مجال التنمية الاجتماعية ذكرت الورقة العناوين المهمة التالية: إن الإنسان المصري هو الرصيد الأساسي للتنمية وأن التعليم والتثقيف هدفان متلازمان وإن دور المرأة في المستقبل 4791 دور مهم في التنمية الاجتماعية. وفي الباب الخاص عن خريطة جديدة لمصر ذكرت الورقة عن بعض مشاكل القاهرة التي مازلنا نتحدث فيها هذه الأيام ما يلي: أننا ونحن بصدد تجديد العاصمة لكي تصبح مدينة جديرة بوضعها العالمي بتزويدها بالمرافق اللازمة ووسائل الاتصال الحديثة وتسهيلات العمل والحركة الاقتصادية والسياحية فضلا عن مكانتها التي تجعلها مقرا لنشاطات ومؤسسات دولية وإقليمية كثيرة، كل هذا سوف يضيف أعدادا كبيرة من سكان القاهرة والمترددين عليها والمستفيدين من مرافقها. وبالإضافة إلي ذلك فإن هذا التركيز الشديد في العاصمة جعل منها قوة جذب لا تقاوم تمتص من شتي أنحاء القطر الكثير من الإمكانيات ومن الاختصاصات ومن العناصر البشرية فتزداد بذلك الهوة اتساعا بينها وبين سائر أنحاء القطر وتعرقل ضرورة أن يكون النمو والرقي متكافئا في مختلف أنحاء البلاد. إن من حق الأقاليم علينا وهي التي ما زالت مصدر تراثنا القومي الرئيسي ومنبع ذخيرتنا البشرية ألا نتركها تقاسي من آثار ذلك الفاقد المستمر لحساب العاصمة لمجرد أن العواصم بطبيعتها أعلي صوتا وأقرب إلي عيون وآذان الحكام. وتحدثت الورقة في هذا الباب عن الحقوق الواجبة للقرية المصرية وعن ضرورة تواجد خريطة وثورة إدارية ثم أفردت الورقة بابا خاصا عن التخطيط حيث ذكرت أن حرب أكتوبر قد أثبتت أن التخطيط العلمي السليم هو أساس كل عمل ناجح ولا يمكن أن نعيش في هذا العالم ونحن نفكر من سنة إلي أخري بل لابد من تصور جريء لاستراتيجية حضارية شاملة ولابد لهذا كله من التخطيط العلمي السليم وذكرت الورقة في هذا الصدد هدفا لتخطيط شامل لمصر أرضا وسكانا لعام 0002. إن هذه الورقة بما تحويه تستلزم من وجهة نظري -كما ذكرت في مقال سابق- قراءة جديدة تدفعنا للتحليل والمراجعة والتخطيط الذي يأخذ بالمنهج العلمي لمستقبل أرض مصر وسكانها وهو شيء بدأنا فعلا والحمد لله، حيث نبحث عن رؤية فيه يتفق عليها الجميع نرجوها لمصر 0502 ويترتب علي هذا الاتفاق تخطيط للوصول إلي أهداف متتالية تتحقق في ضوئها هذه الرؤية عندما نوفر لها آلياتها البشرية والمادية لتتحقق بإذن الله.