أعلن د. أحمد الطيب شيخ الأزهر فى مؤتمر صحفى أمس عن وثيقة أزهرية ثقافية عن الحريات وحقوق الإنسان وتعد الوثيقة الثالثة التى صدرت من الأزهر عقب ثورة 25 يناير بعد جلسات ومناقشات استمرت مع المثقفين أكثر من شهرين.. للخروج بتلك الوثيقة كى تكون مبادئ عامة استرشادية للمجتمع المصرى والمجتمعات العربية فى قضية الحريات وعلى رأسها حرية العقيدة والتعبير عن الرأى. وأكد شيخ الأزهر أن الوثيقة تمنع انتشار بعض الدعوات المغرضة، التى تتذرع بحجة الدعوة إلى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر للتدخل فى الحريات العامة والخاصة.. الأمر الذى لا يتناسب مع التطور الحضارى والاجتماعى لمصر الحديثة، فى الوقت الذى تحتاج فيه البلاد إلى وحدة الكلمة والفهم الوسطى الصحيح للدين الذى هو رسالة الأزهر الدينية ومسئوليته نحو المجتمع والوطن. وقال د. الطيب أن الوثيقة تناولت أربع مجالات للحرية وهى حرية العقيدة وحرية الرأى وحرية البحث العلمى وحرية الإبداع الأدبى والفنى، حيث اعتبرت وثيقة حريّةُ العقيدة، وما يرتبط بها من حقِّ المواطنة الكاملة للجميع، وهى مكفولةٌ بثوابت النصوص الدِّينية القطعيّة وصريح الأصول الدستورية والقانونية، ويترتّب على ذلك تجريم أى مظهر للإكراه فى الدين، أو الاضطهاد أو التمييز بسَبَبِه، فلكلِّ فردٍ فى المجتمع أن يعتنق من الأفكار ما يشاء، دون أن يمس حقّ المجتمع فى الحفاظ على العقائد السماوية، فللأديان الإلهية الثلاثة قداستها، وللأفراد حريّة إقامة شعائرها دون عدوان على مشاعر بعضهم أو مساس بحرمتها قولا أو فعلاً ودون إخلال بالنظام العام. أضاف أنه يترتب على احترام حرية الاعتقاد رفض نزعات الإقصاء والتكفير، ورفض التوجهات التى تدين عقائد الآخرين ومحاولات التفتيش فى ضمائر المؤمنين بهذه العقائد. وأوضحت الوثيقة أن حرية الرأى هى أم الحريات كلها، وتتجلى فى التعبير عن الرأى تعبيرًا حرًا، وهى مظهر الحريات الاجتماعية التى تتجاوز الأفراد لتشمل غيرهم مثل تكوين الأحزاب ومنظمات المجتمع المدنى، كما تشمل حرية الصحافة والإعلام المسموع والمرئى والرقمي، وحرية الحصول على المعلومات اللازمة لإبداء الرأى. وشددت الوثيقة على وجوب احترام عقائد الأديان الإلهية الثلاثة وشعائرها عند التعبير عن الرأى لما فى ذلك من خطورة على النسيج الوطنى والأمن القومى، فليس من حق أحد أن يثير الفتن الطائفية أو النعرات المذهبية باسم حرية التعبير. كما تناولت الوثيقة حرية البحث العلمى وأكدت أن البحث العلميّ الجادّ فى العلوم الإنسانية والطبيعية والرياضية وغيرها يعد قاطرة التقدم البشري، ولا يمكن لهذا البحث أن يتم ويؤتى ثماره النظرية والتطبيقية دون تكريس طاقة الأمّة له وحشد إمكاناتها من أجله، مشيرة إلى أنه إذا كان التفكير فى عمومه فريضة إسلامية فى مختلف المعارف والفنون كما يقول المجتهدون.. فإن البحث العلمى النظرى والتجريبى هو أداة هذا الفكر.. وأهم شروطه أن تمتلك المؤسسات البحثية والعلماء المتخصصون حرية أكاديمية تامة فى إجراء التجارب وفرض الفروض والاحتمالات، ولا يوجههم فى ذلك إلا أخلاقيات العلم ومناهجه وثوابته. وعن حرية الإبداع الأدبى والفنى.. أوضحت وثيقة الأزهر أن الآداب والفنون فى جملتها تستهدف تنمية الوعى بالواقع، وتنشيط الخيال، وترقية الإحساس الجمالى وتثقيف الحواس الإنسانية وتوسيع مداركها وتعميق خبرة الإنسان بالحياة والمجتمع، كما تقوم بنقد المجتمع أحيانًا والاستشراف لما هو أرقى وأفضل منه، وكلها وظائف سامية تؤدى فى حقيقة الأمر إلى إثراء اللغة والثقافة وتنشيط الخيال وتنمية الفكر، مع مراعاة القيم الدينية العليا والفضائل والأخلاق.