كيف تصبح الثروة التعدينية طوق النجاة لإنعاش الاقتصاد المصرى بعد أن تعرض لعدة ضربات أصابته بالشلل من خسائر السياحة والبورصة وقطاع البترول وارتفاع معدل التضخم والبطالة وخسائر التوقف عن الإنتاج وانخفاض قيمة الجنيه؟ خبراء أكدوا أن مصر واعدة فى مجال الثروة التعدينية هذا ما أشار إليه د.محمد رجائى الطحلاوى رئيس الجمعية العربية للبترول والتعدين الذى أوضح أن خاماتنا التعدينية فى صحراء مصر الشرقية والغربية وسيناء وإذا ما تمت الاستفادة من ذلك فسيكون له الأثر الإيجابى على تنمية هذه المناطق وعلى الاقتصاد الوطنى. يقول الطحلاوى: من المفترض لتلك الثروات التعدينية أن تدر دخلاً للدولة إذا ما أحسن استثمارها ولكن قطاع التعدين فى مصر بحاجة لإعادة هيكلة ففى عام 1961 تقرر نزع المناجم من هيئة المساحة الجيولوجية التى عرفت بعد ذلك بهيئة الثروة المعدنية ونقلت تبعيتها للمحافظات الموجودة بها المحاجر وذلك يعتبر تدميراً لثروة هائلة من الأحجار الجيرية والرمل والزلط ويجب أن تعود هذه الثروات لبيتها الذى تنتمى إليه مرة أخرى إذ يعد تفويض المحافظات فى أمر كهذا جريمة فمن يقوم باستخراج تلك الخيرات مقاولون لا يهمهم مستقبل المحجر قدر ما يعنيهم المكاسب المادية وقد خرب ذلك المحاجر الموجودة فى وادى النيل حيث دمرت لأن من يعمل بها غير جيولوجيين متخصصين وتعمل بطريقة غير علمية ولولا أن المناجم فى مناطق نائية كمنجم السكرى لاستخراج الذهب لاستولت عليها المحافظات وتلقى مصير المحاجر وكبداية للإصلاح يجب أن تعود لهيئة الاختصاص. الطحلاوى يؤكد وجوب السيطرة على كم الخسائر الهائل الناجم عن بيع المواد المستخرجة خاماً على حالتها التى وجدت بها كالحجر الجيرى والذى يستخرج بأحجام ضخمة ويستخدم فى صناعة الحديد والصلب كما أنه من المفترض استخدامه فى الصناعات الكيماوية ولكن ما يحدث أنه يتم بيعه كما هو، ثم استيراده مرة أخرى فى شكل ألواح بأضعاف ثمنة الذى بيع به وهذا ما يسمى بالقيمة المضافة وتعتبر حلقة تصنيع المنتجات التعدينية فى مصر مفقودة وبالتالى لا يتم الاستفادة الكاملة من جميع منتجات المواد الخام ولندور فى دائرة مفرغة بعد أن نعود لاستيراد الخام الذى استخرجناه فى شكل مصنع «ألواح زجاج، رمل» مما يكبدنا خسائر فادحة لذلك يجب تصنيع الخام مما سيحقق أرباحاً طائلة لخزينة الدولة فى ذلك الوقت الحرج. ويقول الجيولوجى سامى الراجحى صاحب امتياز التنقيب عن الذهب بمنطقة جبل السكرى بالصحراء الشرقية: إن الثروة التعدينية فى مصر يمكنها تزويد الخزينة العامة بإيرادات تعادل دخل السياحة وقناة السويس والبترول فى وقت واحد بشرط تعديل قانون المناجم والمحاجر الحالى ليكون أكثر جاذبية للشركات العالمية ومن ناحية أخرى، من الممكن أن نوفر على الدولة تكاليف البحث والاستكشاف عن المعادن وهى مصاريف تحتمل المجازفة العالية حيث نجعل المستثمر يتحمل هذه المجازفة فإذا فشل المشروع تحمل هو جميع المخاطر أما إذا نجح فيدمج مجهوده بشراكة مع الدولة.. وقد أجمع خبراء التعدين فى مصر على أنه لكى تنهض مصر تعدينياً فيجب أن تكون هناك صناعة تعدين حقيقية ولكى يتحقق ذلك يجب مراعاة بعض الأبعاد الرئيسية والتى تبدأ بضرورة إصدار قانون جديد للثروة المعدنية إذا إن القانون الحالى به مساوئ عدة فمن الناحية المادية تشترط مصر على المستثمر أن تحصل على إتاوة تتراوح من 3:6% على أن تشارك فى الأرباح أو الإنتاج بنسبة تتعدى ال50% وبهذين الشرطين تحتل مصر ذيل قائمة الدول الجاذبة للاستثمار التعدينى فى العالم ومن الناحية الفنية فإن جميع الشركات العالمية للتعدين تدرب فرقاً من الفنيين والجيولوجيين والمهندسين لتحديد الأماكن التى يمكن أن يكون فيها معدن معين وتجرى الفحوصات عليه أما فى مصر فالموظف العام بالهيئة هو من يقرر مصير الاستكشاف فى مصر. ومن المبادئ الأساسية الأخرى ضرورة إلغاء طريقة المزايدات التى أثبتت فشلها على أن يستبدل بها نظم أخرى بحيث يصرح للمستثمر العمل فى أى مكان شريطة دفع إيجار سنوى لمدة محددة بالقانون فإذا نجح فى تحقيق اكتشاف، فعليه تحويل المنطقة لمنطقة إنتاج بإيجار أعلى ويقوم بدفع إتاوة على الناتج وضرائب على الأرباح.. وللوقوف على الوضع الاقتصادى الحالى وأهمية الموارد الطبيعية الكامنة فى باطن الأرض لإنعاش موارد الدولة أوضح د.أسامة عبدالخالق الخبير الاقتصادى بجامعة الدول العربية أن الوضع الاقتصادى فى مصر قد تطور من سيىء إلى أسوأ نتيجة تجاوز السلبيات لجميع الخطوط الحمراء إذ تضخم الدين العام سواء المحلى أو الخارجى ليتجاوز الناتج المحلى المصرى الذى يصل إلى 1.3 تريليون جنيه مصرى إلى جانب أن جميع المؤشرات الاقتصادية تعبر عن اتجاه الاقتصاد المصرى إلى كارثة أدت إلى قيام الحكومة لأول مرة منذ سنوات كثيرة بطبع أوراق بنكنوت تصل لنحو 20 مليار جنيه مصرى دون الإعلان عن هذا وقبولها مبدأ الاقتراض الخارجى رغم مساوئه ورغم الرفض الأول له سابقاً وارتفاع معدل التضخم إلى 21.6 خاصة بعد رفع البنوك لمعدل العائد على أذون الخزانة إلى 14% وانخفاض الجدارة الائتمانية لمصر من 1+ إلى صفر الأمر الذى يجعل الاقتراض الخارجى مكلفاً للغاية كذلك ارتفاع معدل البطالة إلى 19% وانخفاض الانفاق العام لنحو 50% من المماثل له فى سنوات سابقة وارتفاع معدل الجريمة فى مصر ليصل إلى 500% وانخفاض تحويلات المصريين فى الخارج إلى 5% عن المعدل السابق وخسارة السياحة لنحو 28 مليار جنيه والبورصة نحو 15 جنيه حتى الآن والتصدير 17.6 مليار جنيه ووصلت خسائر البترول 9.6 مليار جنيه ويصل مجمل تكلفة الخسائر حتى الآن إلى نحو 250 مليار جنيه مصرى بخلاف نحو 9 مليارات جنيه خسائر الممتلكات العامة ونحو 22.6 مليار خسائر التوقف عن الإنتاج والأمور تزداد سوءاً يوماً بعد يوم.. أما عن خسائر الاستثمار الخارجى فى مصر فقد وصلت لنحو 23 مليار دولار وانخفضت قيمة الجنيه المصرى لنحو 15% مما يؤدى إلى ارتفاع تكلفة الاستيراد بنفس النسبة وبالتالى انخفاض الحصيلة الجمركية وانخفاض الحصيلة الضريبية نتيجة شلل النشاط الاقتصادى سواء فى ضريبة المبيعات أو ضريبة الدخل وكلها مؤشرات كانت كافية لتركيع الاقتصاد المصري. وفى سياق متصل يطرح د.أسامة عبدالخالق البدائل المتاحة للعلاج أهمها استحداث موارد سيادية للدولة من خلال تركيز البحث والاستكشاف على ثروات النفط والثروات المعدنية فى مصر والتى مازالت بكراً لم تنل حظها من الاستثمار حتى الآن إلى جانب سرعة إعادة تعديل أسعار تصدير الغاز المصرى إلى الأردن وإسرائيل وغيرهما وهو الأمر الذى يحقق لمصر من وراء تلك الثروات المدفونة عائداً لا يقل عن 9 مليارات دولار سنوياً كما أنه يجب استحداث عوامل جذب للاستثمار الأجنبى كتوجيه هذا الاستثمار لما يعرف بنظام الانتفاع وهو ما له صدى كبير فى مصر فى مجال إنشاء مرافق الخدمات العامة واستثمار الثروات المعدنية من خلال منح المستثمر حق الانتفاع لمدة من 20 إلى50 سنة يتولى فيها إنشاء وإدارة واستثمار المرفق أو أحد اكتشافات الثروات التعدينية ويتقاسم كل من المستثمر والدولة العوائد الخاصة بها طبقاً للاتفاق ثم تعود ملكيتها للدولة مرة أخرى.