الشيخ محمد الخراشى هو الشيخ الإمام محمد بن عبدالله بن على الخراشي». وُلِد فى بلدة «أبو خراش» مركز شبراخيت، محافظة البحيرة فى عام 1010 هجرية «1601م»، كان شيخَ المالكية، ورعًا تقيًّا مُتقربًا إلى الله بالعلم وخدمة الدِّين. تلقَّى العلمَ على يد نُخبةٍ من العلماء والأعلام، منهم والدُه الشيخ «جمال الدين عبدالله بن على الخراشي، والشيخ اللقَّاني، والأجهوري، والشامي... وغيرهم». .درس العلوم المقرَّرة بالأزهر «العلوم الدينيَّة واللغويَّة والتاريخ، ودرس علوم السِّيرة والعلوم النقليَّة؛ كالمنطق وعلم الكلام».
مكَث عشرات السنين يتلقَّى العلمَ ويُلقِّنه، ومن تلاميذه بعضُ شيوخ الأزهر «الشيخ القليني، والشيخ الفيومي، وغيرهما»، وعُرِفَ الشيخ الخراشى بالتواضُع ودماثة الخلق وكرَم النفس، مع الزُّهد والتقشُّف.
نسبه وبيئته
قال صاحب «الخططالتوفيقية» عن بلدته التى نشَأ فيها وهو فى سن الطفولة، وهى قرية «أبو خراش»، وهى بلدة كلُّها خير وبركة؛ فأثَّرت على ساكنيها، بما فيها أولياء الله الصالحين، وجَهابِذة العلم الذين جمَعُوا بين علوم الدِّين والدُّنيا، ولا ننسى أنَّ والد الشيخ الخراشى من العلماء المشهورين؛ لذا نجدُ أنَّ بيئة الإمام التى نشَأ فيها كانت بيئةَ علمٍ وتقوى، دِين ودُنيا انعكست على سلوكيَّاته؛ فقد قِيل عنه: إنَّه رجل دِين ودنيا معًا، وإنَّه لم تمضِ ساعة من عمره الذى زاد على التسعين إلا وتجد له فيها عملاً من أعمال الدنيا والآخرة.
البيئة العلمية ومذهبه
رحل الصبيُّ صغيرًا من بلدته «أبو خراش» أو «أبو خرش» كما ذكَر بعض الكُتَّاب، ربما فى سن العاشرة تقريبًا بعد أنْ تعلَّم القراءة والكتابة وحفظ القُرآن كاملاً وقدرًا من العلوم التى تُؤهِّله للقبول بالأزهر؛ كالحساب والإملاء وغيرهما.
ودخَل الشيخالأزهرَ صغيرًا، وأقبلَ على العلوم المقرَّرة فيه، ودراستها بشغفٍ وحبٍّ كبير وتفرَّغ لها تمامًا حتى استوعبها كلَّها.
واختار المذهب المالكى حبًّا فى الإمام مالك فقيهِ المدينةالمنورة، ولكثرة مصنَّفاته، فركَّز عليها وقرأها قراءةً واعيةً مع إمعان الفقيه والتأنِّى البالغ، حتى بلغ غايتها، وفَهِمَ معانيها، ووصَل فيها إلى درجة التأليف والفتوى، وامتدَّ صِيتُه فى مشارق الأرض ومغاربها من دِيار الإسلام، وأصبح هو المرجع والفارس لهذا المذهب، ومن بعده تلاميذه ومُرِيديه الذين ساروا على دربه ومنهجه، ودرسوا هذا المذهب من بعدِه.
ومن الأمور التى ساعدت الشيخَ الإمام «الخراشي» وجعلَتْه يصلُ هذه المنزلة العلميَّة الكبيرة أمورٌ كثيرة؛ منها:
آثاره العلميَّة ومؤلَّفاته
1- رسالة فى البسملة، وهى مؤلَّفه من أربعين كراسة، فى شرح قوله سبحانه: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة: 1].
2- فتح الجليل... فى الفقه المالكي.
3- الشرح الكبير فى الفقه، وهو مختصر خليل فى ثمانية مجلدات.
4- الشرح الصغير للمختصر الكبير نفسه فى أربعة مجلدات.
5- حاشية على شرح الشيخ علي، للعالم إيساغوجى فى المنطق.
6- منتهى الرغبة فى حل ألفاظ النخبة.
7- الفرائد السنية فى حل ألفاظ السنوسية، فى التوحيد.
8- الأنوار القدسية فى الفرائد الخراشية فى التوحيد أيضًا.
والمتتبِّع لدراسة هذه الكتب يُدرك أنها ليست فى فرعٍ واحدٍ من العلوم، ولا فى تخصُّص مستقل، وإنما فى فُروع شتَّى وتخصُّصات مختلفة، وهى بلا شكٍّ تدلُّ على اتِّساع علم الرجل وكثرة مداركه، فى كلِّ ما كان يدرس فيه ويدرسه فى الأزهر وغيره فى ذلك من العلوم، سواء كانت علومًا دينيَّة أو لغويَّة أو دنيويَّة، على حدٍّ سواء.
أفضاله وآثاره
إنَّ للإمام الخراشى مزايَا ومناقب اشتَهَر بها، وكان يُردِّدها من بعده تلاميذه وعارفوه؛ منها:
1- حِرصُه الدائم على تأدية صلاة الفجر فى الأزهر من يوم أنِ التحَقَ به حتى مماته وهو فى التسعين من عمره، وفتح أبواب مكتبته لتلاميذه لصَقْلِ عقولهم وتنمية أفهامهم واتِّساع مَداركهم.
2- مع كثرة مَشاغله وتعدُّد مهامِّه فقد خلف من المصنَّفات الكبيرة والموسوعات الغزيرة، وأنَّ روايته للحديث كانت متَّصلة الإسناد إلى النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - من طريق الحافظ ابن حجر العسقلانى وغيره، وهذا دليلٌ على أنَّ العناية الإلهيَّة أتت ترعاه وتحفظه كما كانت تمدُّ الأولياء والصالحين والعلماء السالكين للطريق القويم.
3- جمع بين عُلوم الدِّين والدُّنيا وأصبح قدوةَ الأولياء وأسوةَ العلماء، مثالاً للبرِّ والتقوى، ذا فضلٍ كبير، وكفاحٍ طويل.
وفاته
واصَل الشيخ الخراش العمل لله وللدِّين على مدى تسعين عامًا أو يزيد، حتى آنَ أجَلَه وحانت منيَّته بعد هذا الجهاد المرير. فى صَبِيحة يوم الأحد السابع والعشرين من شهر ذى الحجة سنة إحدى ومائة وألف من الهجرة «1101 هجرية» الموافق «1690م». وخرج الناس لتشييعه إلى مَثواه الأخير فى جنازةٍ مَهِيبةٍ لم يُرَ لها مثيلٌ، ودُفِنَ مع والده وسط قرافة المجاورين قُرب مدفن الشيخ العارف بالله «محمد البنوفري».