تشهد الساحة اللبنانية اليوم حالة من عدم الاستقرار بعد فشل سعد الحريري في تولي تشكيل الحكومة اللبنانية ونجاح نجيب ميقاتي بدعم من حزب الله، وفيما اعرب علماء السنة عن رفضهم للوضع الحالي ومحاولة تهميش أهل السنة في لبنان، حذر مفتي جبل لبنان الشيخ محمد علي الجوزو، الذي يزور القاهرة حاليا، من خطورة الموقف الحالي مبينا عددا من السيناريوهات المتوقعة بعد نجاح حزب الله في إيجاد حكومة تمثله، وذلك من خلال الحوار التالي: كيف تري تعامل تيار المستقبل مع الموقف الحالي في لبنان؟ المشهد الحالي هو ردة فعل من الناس انفسهم حيث لم تستطع الصبر علي محاولة تحدي المسلمين السنة بشكل وقح لأن الأساس أن الحريري لديه الأكثرية وجاءت المؤشرات النهائية مؤيدة لتولي سعد الحريري تشكيل الحكومة وكان من المفترض أن يقف جنبلاط إلي جوار الحريري، فلما تم التأجيل مارس الحزب اللعب مع جنبلاط وبدأت عملية الإغراءات والضغوط، فتحول جنبلاط إلي الجانب الآخر، رغم انه كان حليف تيار المستقبل وهو ما جعله يحصل علي أصوات عالية، ولم يكن من حقه التنكر لهذا الحلف الذي بينه وبين الحريري، وهذا ماكان تؤكده جماعة جنبلاط بانه لايمكن لبيتي الحريري وجنبلاط ان يفترقا، فإذا به تركه، وجنبلاط يدعي انه قام بذلك ليبتعد عن الفتنة، والعكس أننا بذلك دخلنا في الفتنة، وأصبحنا في اعماقها، حيث وجهت ضربة قاسمة للزعيم السني الذي عليه إجماع في لبنان. أمر ثان كان سببا وراء ما حدث لإسقاط الحريري وهو عملية اختراق الموقف السني بلبنان، حيث ترشيح نجيب ميقاتي كان محسوبا علي الحريري، وكان المفترض ألا يرشح نفسه، فكان ذلك خرقا للصف السني. هل معني ذلك أنكم تعترضون علي تولي ميقاتي الحكومة الحالية؟ - الاعتراض ليس علي ميقاتي ولكن الاعتراض علي اختراق الصف السني، كما ان ذلك نجاح لما يريده حزب الله من استبعاد سعد الحريري احتجاجا علي القرار الاتهامي الذي صدر من المحكمة الدولية والذي يدين قيادات من حزب الله وبعض الأشخاص من سوريا في قتل الحريري. ولذلك ما حدث في انتخابات اختيار رئيس الحكومة الجديد تحد لكرامة المسلمين السنة، فكون ان حزب الله هو الذي يسمي من يتولي رئاسة الوزارة وينجح فذلك تحد واقتلاع واضح لسعد الحريري، وكان من المفروض أن يكون هناك تعاون أكبر من الميقاتي والحريري، فما حدث هو لعبة من جنبلاط وحزب الله لسعد الحريري، وكان من الخطأ قبول الميقاتي ترشيح حزب الله له لمنصب رئيس الحكومة.
عدوان متوقع
هل تري ان هذا الوضع قد يحول لبنان إلي حرب أهلية جديدة؟ - لا اعتقد أن الأمر سيؤول لحرب أهلية داخلية، ولكن نخشي امرا واحدا هو أن يدخل علي الخط احد من خارج لبنان، فالحكومة عندما تكون لصالح حزب الله من الممكن أن يعطي ذلك الفرصة لوجود تدخل سوري من جديد، بل أن الحكومة اللبنانية بهذا الشكل يمكن ان تعطي الفرصة لإسرائيل في الهجوم مرة أخري علي لبنان باعتبار أن الحكومة الحالية هي حكومة حزب الله، وكما قالت إسرائيل " لا يمكن السكوت علي وجود حكومة في شمال إسرائيل تكون بقيادة حزب الله"، وإسرائيل من غير شيء تتحرش بلبنان، والآن عندما يكون هناك هذا المبرر يمكن أن يدخلوا علي لبنان ويقوموا بحرب جديدة تدمر كل شيء، والذي سيدفع الثمن هو الشعب اللبناني. والغريب أن حزب الله قامت بكل ذلك لمواجهة اتهام المحكمة الدولية لأشخاص ينتمون إليه، يقال أن هناك أدلة ضدهم، وكان الأولي تكليف محامين كبار للدفاع عن هؤلاء في المحكمة الدولية بدلا من الدخول في معركة أهلية داخلية في تشكيل الحكومة. وحزب الله يعتقد الآن انه انتصر في هذه المعركة بالفوز في انتخابات تشكيل الحكومة، وهذا انتصار مؤقت وليس دائما، والشعب لن يسكت علي هذا. كما أنه عندما يصدر قرار المحكمة الدولية وتظهر الحقائق في 7 فبراير لن يفيد حزب الله تشكيل الحكومة اللبنانية، فقرار المحكمة لن يتأثر، وهي دولية وتابعة لمجلس الأمن فالأمر خرج من يد لبنان، والمشكلة أنه تم اسقاط الحكومة الشرعية بسبب حكم المحكمة لأن حزب الله لا يريد محكمة والقضاء لايتهم أحدا، فالمنطق الذي ظهر به حسن نصر الله ليس منطقا قانونيا ولا شرعي حيث قال: إنه لن يستطيع أحد أن يمد يده ويأخذ أحدا من المجاهدين والمقاومين بالحزب، فيغطي الأمر بصفة الجهاد والمقاومة، ومنطق غريب أن يسقط نصرالله الحساب عن بعض أتباعه في تهمة التورط في قتل الحريري لكونهم من المقاومين، ولابد من محاسبة قتلة الحريري سواء من حزب الله او من غير حزب الله الذي استبق قرار المحكمة الدولية وقال أن هناك إدانة لأربعة من قيادات حزب الله وكأنهم يعرفون بان هناك مجموعة من عندهم مشاركون في الجريمة، وبذلك أدانوا أنفسهم قبل ما تدينهم المحكمة الدولية. بل أن حزب الله يمارس نوعاً من الإرهاب المعنوي عندما يعلنون ان التعاون مع المحكمة الدولية في تحديد المتهمين في قتل الحريري مرفوض وأن من يتعاون مع حكم المحكمة سيعتبر إسرائيلياً لأن هذا هجوم من إسرائيل علي حزب الله، وهذا به نوع من التهديد الواضح لفريق الحريري. اجتمع علماء اهل السنة واصدروا بيان ادانة علي ما حدث في لبنان، فما الدور القادم لهم ؟ - علماء اهل السنة يقومون بمحاولات لإعلان أنهم رافضون لما يحدث لأهل السنة في لبنان، وليس لأنهم ضد نجيب ميقاتي، فليست لدينا خصومات معه، كما لا توجد لنا مصلحة سياسية، وكل ما نريده ألا يمس أحد كرامة طائفة اهل السنة. وعقب بيان علماء اهل السنة ظهر عدد ممن يحسبون علي اهل السنة لكنهم في ركاب حزب الله يهاجمون مجلس المفتين في لبنان، ووصفوهم بأنهم مرتزقة في حين أنهم مرتزقة من إيران، بينما نحن نسير مع مصلحة الطائفة الإسلامية. وهذه كلها أبواق لحزب الله الذي يقوم بشراء عدد من الأشخاص من داخل السنة ليظهروا في الإعلام ويسبونا ويتطاولوا علينا لتضعيف الموقف السني.
سيناريوهات متوقعة
وما السيناريوهات التي تتوقعها في الفترة القادمة ؟ - الذي سيحدد الموقف فعلا ظهور قرار المحكمة الدولية للعلن في 7 فبراير، وهذا ما سيوضح الصورة تماما، فالهروب لن يفيد المتهمين وستكون هناك ملاحقة لهم باستمرار، فالبشير بعدما صدر ضده حكم المحكمة ظلوا يضغطون عليه حتي وافق علي تقسيم السودان، الذي اعتبره تهديدا لمصر، فهناك محاولة لمحاصرة مصر نفسها، كما أن إسرائيل من ضمن مخططها تقسيم مصر والبوادر كان بضرب كنيسة القديسين وخروج بابا الفاتيكان يتحدث ويطالب بحماة المسيحيين، في الوقت الذي تعلو أصوات بعض اقباط المهجر ويهاجمون مصر، فإسرائيل تريد تقسيم الدول العربية جميعها فنجحت في العراق ثم السودان وتحاول الآن في لبنان وسوريا. إذا رجعنا إلي المشهد اللبناني والمد الشيعي فيه، فهل من الممكن محاصرة المد الإيراني في لبنان؟ - طبعا، فالمد الإيراني داخل لبنان جاء عن طريق سوريا بتعاونها مع إيران، وعلي العالم العربي ان يأخذ موقفا من سوريا وليس من حزب الله، ولا يمكن أن نسكت ان تكون سوريا وسيلة من وسائل تدمير لبنان وبالتالي تدمير سوريا نفسها بعد ذلك، فلبنان لن يحدث فيه وحده التقسيم .. بل ان سوريا موجه لها التقسيم أيضا، وهي تلعب بالنار وأصبحت هناك فئة وحيدة مصلحة وهي حزب الله، فالسنة منعوا من التسلح بينما اطلق يد الشيعة في التسلح. معني ذلك أن تري أن السلاح لابد ان يكون في يد السنة بلبنان كما هو في يد الشيعة؟ - هذا إن حدث سيؤدي إلي حرب اهلية فعلا، والحريري رفض من البداية عدم تسلح الطائفة السنية حتي لاتدخل لبنان في حرب أهلية مستمرة، ولكن ذلك جعل حزب الله يتمادي وللأسف الجيش اللبناني ليس قادرا علي حسم الموقف بحيث لا يكون هناك سلاح إلا في أيده، لكن كون أن تكون هناك قوة مسلحة أقوي من الجيش فذلك ليس به توازن. لكن هل من الممكن السيطرة علي سلاح حزب الله؟ - المفترض أن لبنان يسيطر علي هذا السلاح وذلك أفضل من أن تقوم إسرائيل بغزو لبنان بحجة سلاح حزب الله، بحيث يكون تحت سلطة الجيش لكن هناك تصميما من حزب الله علي التمسك بهذا السلاح، بل انهم انكشفوا اكثر بعدما اسقطوا سعد الحريري لأن وجوده كان سيعطي غطاء بأن لبنان ليس دولة حزب الله، لكن عندما سقط سعد الحريري، سيقال ان الحكومة اللبنانية هي حكومة حزب الله. والمفترض الا يعطي حزب الله الفرصة لإسرائيل بحيث يكون هذا السلاح مشروعاً في يد الجيش، وليس تحت سيطرة حزب محسوب علي إيران التي هي عدو لدود الآن لأمريكا وإسرائيل، وهو ما يعطي ألف مبرر للعدوان من جديد علي لبنان . فحزب الله يريد أن يبعد عن نفسه كأس المحكمة الدولية لكنه يوقعنا في شيء اكبر، حيث ان المحكمة من الممكن مواجهتها بالمحامين، بينما شر إسرائيل بسبب تولي حكومة حزب الله السيطرة في لبنان لا يمكن مواجهته. ما الدور المطلوب من الدول العربية اليوم تجاه لبنان؟ - إذا سكتت الدول العربية عما يحدث اليوم في لبنان تكون قد سكتت عن خطر داهم، فالعراق والسودان ولبنان أصبح بها ظواهر تتطلب سرعة التحرك فالعراق أصبح تحت السيطرة الإيرانية والأمريكية، والسودان ظهرت بها دولة جديدة في الجنوب، ولبنان يشهد تمزقا داخليا، فإذا تركنا كل هذه الأمور سيكون الخليج محاصراً، ومصر محاصرة، فلابد من وجود تحرك عربي حتي لا يتكرر سيناريو العراق. ونقطة الضعف في لبنان هي سوريا ودعمها لحزب الله، وهذا ما ينبغي أن يتحرك لإيقافه العالم العربي، وأريد أن أقول أنه عندما كانت مصر أيام عبد الناصر هي المسيطرة في لبنان لم تجرؤ سوريا علي فعل أي شيء فالشعب اللبناني كان يستند لقوة مصر، ولم يستطع السوريون فعل شيء وعندما حاول سوريون الانفصال في لبنان تم ضربهم، فلو حصل اهتمام كما كان في السابق من مصر لما وصل الحال في لبنان إلي مانراه اليوم، فمصر لابد وان يكون لها الدور الفاعل لأنها المقصودة بالإيذاء في الدرجة الأولي قبل كل الدول.