محافظ كفرالشيخ يتفقد قوافل المبادرة الرئاسية "بداية جديدة"    النفط يهبط لأول مرة في 3 أيام قبيل قرار الفائدة الأمريكية    رئيس مدينة مطاي يتابع أعمال النظافة اليومية    أبو الغيط: السلوك الإسرائيلي العدواني يمكن أن يدفع المنطقة لصدام عسكري موسع    فيتينيا وإيمري يقودان قائمة باريس سان جيرمان أمام جيرونا    آرسنال أمام مواجهتين من العيار الثقيل    التحقيق في واقعة التحرش بأجنبية بالمعادي    ضبط كيان تعليمى غير مرخص يمنح الطلاب شهادات وهمية    ظاهرة شهدتها مصر اليوم.. ماذا نعرف عن خسوف القمر؟    أدعية خسوف القمر: فرصة للتقرب إلى الله والتفكر في عظمته    عشان من حقه يلعب ويتعلم.. إزاى الأسرة والمدرسة تدعم الطفل مريض السكر نفسيا    الأمين يدعم منتخب الكراسي بعد الخسارة من بطل العالم ويطالبهم بالتعويض في مواجهة الهند    كنبة ودولاب آخر ما تبقى من الضحايا.. حكاية الموت نومًا في المنزل رقم 6 بالإسكندرية- فيديو وصور    انطلاق فعاليات مبادرة «بداية» بثقافة البحيرة    كنوز| جندى فى جيش عرابى يروى قصة الخيانة فى التل الكبير    وكيل تعليم دمياط يؤكد على تفعيل القيم الوطنية والأخلاقية بالمدارس    بلاغ للنائب العام ضد صلاح الدين التيجاني بتهمة نشر أفكار مغلوطة    صلاح التيجاني: سأتقدم ببلاغ ضد الفتاة التي اتهمتني بالتحرش    مهرجان الغردقة لسينما الشباب يكرم المنتج هشام عبدالخالق    قبل ساعات من طرحه بالسينمات.. التفاصيل الكاملة لفيلم «عنب»    نجل ترامب وروبرت كينيدي يحذران من دخول أمريكا حرب مع روسيا بسبب بايدن وهاريس    منحة 750 جنيها للعاملين بالسكة الحديد والمترو بمناسبة العام الدراسي الجديد    "الأعلى للآثار": اتفاقية التعاون مع السفارة الأمريكية تشمل توثيق القطع الأثرية في المتاحف    8 عمليات تجميلية نادرة لأطفال سوهاج بالتعاون مع جامعة مانشستر البريطانية    «بلاش عياط وذاكر تنجح».. شوبير ينتقد المعترضين على حكم مباراة الأهلي والزمالك    جامعة النيل تكشف عن أسباب اختيار الطلاب كلية «التكنولوجيا الحيوية»    محافظ البحيرة تشهد انطلاق برنامج «ستارز» بمجمع دمنهور الثقافي لتعزيز مهارات الشباب    بلينكن: ندعم جهود مصر لإصلاح اقتصادها ليكون أكثر تنافسية وديناميكية    جامعة المنصورة تعلن انضمام 60 عالمًا لقائمة «ستانفورد» للأكثر تأثيرًا بالعالم    شقق سكن لكل المصريين.. طرح جديد خلال أيام في 6 أكتوبر- صور    مستخدمو آيفون ينتقدون تحديث iOS 18: تصميم جديد يُثير الاستياء| فيديو    محافظ أسيوط يقرر إغلاق «دار للمسنين» لتردي الأوضاع الصحية والنفسية للنزلاء    البحوث الإسلامية: ندعم مبادرة "بداية" ونشارك فيها ب 7 محاور رئيسية    «العمل» تُعلن عن 950 وظيفة للشباب بالقاهرة    مفاجأة سارة في قائمة باريس لمواجهة جيرونا    "طلب زيارة أسرة المتوفي ولم يتعمد الإيذاء بالتواجد في التدريبات".. الرسالة الأولى لفتوح بعد أزمته    فان دايك يكشف سر فوز ليفربول على ميلان    الجدي حكيم بطبعه والدلو عبقري.. تعرف على الأبراج الأكثر ذكاءً    ماسك يتوقع مستقبلا قاتما للولايات المتحدة إن خسر ترامب الانتخابات    استشهاد 10 فلسطينيين بينهم أطفال ونساء فى قصف إسرائيلى على مدينتى غزة ورفح    ما حكم بيع المشغولات الذهبية والفضية بالتقسيط بزيادة على السعر الأصلى؟    سلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا.. موضوع خطبة الجمعة القادمة    العاهل الأردني يوافق على تشكيلة الحكومة الجديدة برئاسة جعفر حسان    محافظ القليوبية ورئيس جامعة بنها يطلقان المرحلة الرابعة من مبادرة "صنايعية مصر"    قوافل طبية وبيطرية لجامعة الوادي الجديد ضمن المبادرة الرئاسية «بداية جديدة لبناء الإنسان»    ينتشر بسرعة.. هل تتشابه أعراض متحور كورونا XEC مع السلالات القديمة؟    أطعمة ومشروبات تعزز حرق الدهون وتسرع من إنقاص الوزن    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في هذا الموعد    إطلاق مبادرة لتخفيض أسعار البيض وطرحه ب150 جنيهًا في منافذ التموين والزراعة    هل يجوز إخراج زكاة المال للأهل؟.. أيمن الفتوى يجيب    سول: سنردع استفزازات كوريا الشمالية بناء على قدراتنا والتحالف مع الولايات المتحدة    جهز حاسبك.. أنت مدعو إلى جولة افتراضية في متاحف مكتبة الإسكندرية    «النقل»: توريد 977 عربة سكة حديد مكيفة وتهوية ديناميكية من المجر    تفاصيل مقتل وإصابة 9 جنود إسرائيليين فى انفجار ضخم جنوبى قطاع غزة    العظمى 35 درجة.. أجواء معتدلة ونشاط للرياح فى بنى سويف    نادي الأسير الفلسطيني: حملة اعتقالات وعمليات تحقيق ميداني واسعة تطال 40 مواطنا من الضفة    خبير: الدولة تستهدف الوصول إلى 65% من الطاقة المتجددة بحلول 2040    انتظار باقي الغرامة.. محامي عبدالله السعيد يكشف آخر المستجدات في قضية الأهلي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كل هذه الكلاب خلفك || بقلم إبراهيم عيسى

لمدينتى الصغيرة فى أيام المطر رائحة الصمت، عم الانكماش، حين تغفو الأبنية والبشر وتتقلص الحيوات كلها إلى حركة مكتومة خلف باب وشروع مبكر للنوم تحت غطاء سرير وكمون مطلق للموجودات جميعًا.
أختصر طرقًا نحو شارعنا فتخذلنى الحنكة، فالطريق مصيدة للتزحلق والطين فى طزاجة الهطول الأول للمطر ينتظر الأقدام المتعبة وجبن مشروع -وسط المطر والظلام والصمت- أن يكون هذا الخط الطويل الملتوى من الطين ثعبانًا أسود فى الظلام ينهب قدمى ويجرنى إلى الموت فى وحل الليالى، أو ربما تتفكك بحيرات الماء عن أيادٍ غليظة مكسوة بالطمى والماء المتصبب وعروق نافرة فتشدنى إلى حفر عميق وضحك ملجوم وأصوات مدفونة ونباح كلاب يعزز الخوف بالارتباك.
فجأة يخرج الرعب المنتظر من ناصية ما.. كلب شريد يهتز بطنه المكسو بطين، نام فوقه وأرجله مفروسة فى وحل ينتقل به فى ماء وبرك، والمطر يقطر فوق جسده ووجهه غير مكتمل الملامح فى ارتعاش النظارة على الأنف كأن المثلث لا بد له أن يكتمل، المطر والظلام والكلاب. حين جريت إلى أُمِّى كان كل شىء قد استقر فى التاريخ، مررت من الفرن إلى بيتنا أحمل حقيبة بلاستيكية محملة بدورها بالخبز، وحين لامست قدمى شيئًا طريًّا لينًا عرفت أنها المأساة، كلب ضخم نائم عكرت نومته فنهض مفزوعًا ينبح فى قسوة، وعدوت بكل ما فى جسدى من خوف لكنه لحق بى، أمسكت حوافره أخيرًا ببنطالى، وحين أدرك أنه ينتقم منى كنت قد عبرت أمتارًا فى قفزة، وكان قد تمكن من البنطال فمزقه وأنا أبكى وجيران من الأبواب والنوافذ
صرخوا عليه وجروا نحوه، لكنى صرت الآن وحيدًا أمامه، فى المطر والليل، وكانت عيناه مثبتتين -هكذا شعرت- عند حقيبتى وكفّى.
غاصت أقدامى فى برك المياه ووحل الطين وتخبط الحجارة وغموض الأمكنة وعتمة مسيطرة على مسافات متباينة، رأسى يأخذ زاوية حادة نحو الكلب، ولهثى يزداد والمطر يسكن لثوانٍ والبلل يغرقنى ويثقل حركتى، وخطوات الكلب منتظمة دقيقة تئن فوق الطين وتثير ماء فى اصطدامها بالبرك وتخط آثارها على الشارع الموحل. على يمينى سور لبيت كبير ومدق ضيق ناحل خالٍ من الماء، أسير عليه فتنهرنى انحاءاته، ولكن الكلب يسير جانبى موازيًا لى فوق الماء المفروش على الأرض.
هل اقترب بيتنا؟
لا أحد فى الشوارع؟
(كأن كل شىء انسحب للمواجهة الوحيدة بينكما).
على غفلة من إدراكى، هلعت، كانت حلقة من كلاب على ذات الوحل والطمى والماء والتشرد قد تجمعت مع الكلب الأول وساروا جميعًا جوارى، خلفى، موازاتى وأنا مرعوب حتى توقف الرئة، مدفوع بعار الهزيمة، مجلل بمرارة شرسة تعطل تفكيرى عن أية محاولة للفكاك.. الأقدام ثقلت بالطين على الطين، ترنمت خطواتها بالمطر على الماء، وتكاثرت وتكتلت والتصقت أجسادها واختلطت سيقانها واهتزت ذيولها فى وعيد رعديد، وفكرت لوهلة أن أقف لكننى لم أجرؤ، ظننت أن الموت جوار بيتنا أكثر رحمة من الموت بعيدًا عنه، وأن ملائكة مرسلين من لله سوف يأتون عند بدنى، فيتدافعون، ملائكة الفرح مع ملائكة الحزن أيهم يحملنى إلى نهايتى، حتى يفصل بينهم حل وسط فيعدون المسافة بينى وبين بيتى، فإن كانت أقرب من مسافتى إلى ناحية الشارع أذهب إلى موت فرح وهدأة جراح.
عبرت الناحية والتفت ثانية فلم يظهر كلب خلفى، فاشتعل فى صدرى الهدوء ثم جريت بأقصى ما فى قدمى من سرعة، يلوثنى الطين والماء وأكاد أتعثر وأسقط وأستند إلى جدران بيوت متشققة بالمطر، مبلولة مغسولة يهترئ طلاؤها وتتهاوى قشرته على الأرض مدغدغة تمامًا، مسحوقة فى الماء والطين الذى يكسو أسفلت الشارع وحفره التى صنعتها التطورات الطبيعية لكل ما هو مرصوف فى الوطن.
أحس فى انفراد مدهش عرقًا يمتزج مع مطر على جبهتى ووجهى حين ضغطت على جرس البوابة فدق صوته، أعرفه رنينًا نبيلاً فى الصالة، وحين تحركت أقدام خلف الباب تسأل مَن؟ أجبت فى زهو، خرجت أُمّى ملفوفة فى دثارات شتوية ثقيلة وأصابعها تمسك بالمفاتيح، تتجاوز الأحذية الملوثة بالطين الموضوعة أمام باب الشقة، تعبر السلالم الصغيرة المؤدية إلى البوابة الخضراء، تدوس على آثار المطر على مدخل بيتنا.
- حمدًا لله على السلامة.. وحين ظهر وجهها من خلف البوابة واضحًا نقياًّ محمر الخدود من دفء مصنوع فى الداخل، ظهرت عند الناصية قافلة الكلاب
تجرى فى سرعة سيارات لعبة الأتارى نحوى، ضغطت أُمّى على مقبض البوابة فأصدر صوته الأليف ودفعت البوابة وأنا ألتمس من عين أُمّى إنقاذى من سعى الكلاب النابحة خلفى، انزلقت فى حضنها وهى تعيد البوابة إلى الانغلاق وتسأل.. – يا ساتر، ما كل هذه الكلاب؟.. هل كانت خلفك؟
كل هذه الكلاب -وغيرها- كانت خلفى، لكننى أستبيح الصمت على الهزيمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.