نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    أخبار 24 ساعة.. إتاحة رابط لتظلمات الدفعة الثانية بمسابقة 30 ألف معلم    بني سويف تدشن اليوم فعاليات المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"    عضو اتحاد غرف السياحية يوضح أرخص رحلة عمرة لهذا العام    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    رسميًا.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري قبل ساعات من اجتماع الفيدرالي الأمريكي    سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    استشهاد 3 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال منزلًا في مدينة غزة    حملة تضليل روسية لصالح اليمين المتطرف الألماني    محمد صلاح يتصدر التشكيل المتوقع لمباراة ميلان ضد ليفربول فى أبطال أوروبا    شاهد.. اختبارات "كابيتانو مصر" بمحافظة قنا استعدادا لانطلاق الموسم الثالث    محسن صالح: تاو أفضل بديل لوسام.. وعبد الله السعيد انطفأ بعد الأهلى    وزير الرياضة يتفقد مركز شباب الإمامين والتونسي ويشهد احتفالية المولد النبوي    «عقد تاريخي».. تفاصيل اتفاق الأهلي مع الشناوي للتجديد    حسام حسن يحدد 4 مطالب بشأن نظام الدوري الجديد    «توت بيقول للحر موت» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    الإعدام غيابيا لمتهم تعدى على طفلة بكفر الشيخ    ضبط المتهمين بسرقة مبلغ مالى من تاجر في الهرم    مصرع طالب سقط من قطار في منطقة العجوزة    ننشر صور ضحايا خزان الصرف الصحي بإحدى قرى المنيا    تشييع جنازة شاب قتل على يد اصدقائه بقرية جردو بالفيوم    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    شيرى عادل عن الانفصال: أهم شىء أن يتم باحترام متبادل بين الطرفين.. فيديو    قرار من نقابة المهن التمثيلية بعدم التعامل مع شركة عمرو ماندو للإنتاج الفني    أحمد موسى: إحنا بلد ما عندناش دخل مليار كل يوم.. عندنا ستر ربنا    3 علامات تدل على أن الرجل يحبك أكثر مما تتوقعين    المخرجة شيرين عادل تطرح البرومو الدعائي لمسلسل «تيتا زوزو»    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    وكيل صحة الإسماعيلية تبحث استعدادات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    بعد أنباء عن إصابات بالتسمم.. صحة أسوان تنفي شائعة تلوث مياه الشرب    المصري مهدد بإيقاف القيد، رد ناري من التوأم على هجوم المصري والتهديد بالشكوى في المحكمة الدولية    بالصور.. ثلاثي ريال مدريد يتسبم جوائز دوري أبطال أوروبا    مادلين طبر تعزي الكاتب الصحفي عبدالرحيم علي في وفاة والدته    أسعار سيارات جاك بعد الزيادة الجديدة    هل يؤثر توقف التوربينات العلوية لسد النهضة على كمية المياه القادمة لمصر؟.. خبير يوضح    اختيار نادر الداجن أمينًا لريادة الأعمال المركزي بحزب مستقبل وطن    حدث بالفن| خطوبة منة عدلي القيعي ومصطفى كامل يحذر مطربي المهرجانات وعزاء ناهد رشدي    السيرة النبوية في عيون السينما.. الأفلام الدينية ترصد رحلة النبي محمد    نقيب الفلاحين: أرباح زراعة فدان الطماطم تصل إلى نصف مليون جنيه    نتنياهو: إسرائيل قد تتحرك عسكريا ضد حزب الله حال فشل الدبلوماسية    "الأهلي أعلن ضمها منذ 9 أيام".. سالي منصور تفاجئ النادي بالاحتراف في الدوري السعودي    «أمرها متروك لله».. شيخ الأزهر: لا يجوز المفاضلة بين الأنبياء أو الرسالات الإلهية (فيديو)    حصر نواقص الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفى أبوتشت المركزي بقنا لتوفيرها    هيئة الدواء: ضخ 133 مليون عبوة دواء في الصيدليات    المشاط: الشراكات متعددة الأطراف عنصر أساسي للتغلب على كورونا وإعادة بناء الاستقرار الاقتصادي    استمرار عمليات الإجلاء في وسط أوروبا بسبب العاصفة "بوريس"    وزير الري: ما حدث بمدينة درنة الليبية درسًا قاسيًا لتأثير التغيرات المناخية    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    محافظ الدقهلية يفتتح تجديدات مدرسة عمر بن عبدالعزيز بالمنصورة بتكلفة 2.5 مليون جنيه    تقي من السكري- 7 فواكه تناولها يوميًا    أبرز مجازر الاحتلال في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر    أحد الحضور يقاطع كلمة السيسي خلال احتفالية المولد النبوى (فيديو)    كيف يغير بيان مدريد موازين القوى.. جهود الحكومة المصرية في حشد الدعم الدولي لحل النزاع الفلسطيني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحائط الأخير

تبدأ أشرس الحروب بطلقة وأعنف الأشواق بنظرة وأطول الأحزان بغصة وأول الوجود بصرخة وحكمة الحياة بكذبة وكل نهاية بداية والبداية كان يمكن أن تتحول إلي نهاية‏,‏ لو أنني طويت صفحة الألبوم كعادتي‏.
وترددت بين الباب والنافذة‏..‏ أو أمعنت النظر في أي صورة أخري غير تلك الصورة‏!‏ صورتي مثلا وأنا تلميذ يحبو في سرواله‏,‏ أو صورة أبي وهو يضع يده علي كتف أمي في ليلة عرسه‏,‏ أو صورة أختي سعاد بلباس البحر قبل أن تتزوج‏,‏ وتهاجر إلي كندا‏,‏ صورتنا جميعا‏,‏ ومعنا أخي نبيل قبل أن يهاجر إلي استراليا في الوقت الذي كنت أدرب فيه جنودي علي القفز بالمظلات‏,‏ وأسأل نفسي متي ينتهي هذا العبث‏,‏ ويوظف هذا الجهد الجهيد؟‏!‏
وأخيرا‏:‏ صورتي مع بعض زملاء الجيش‏,‏ ونحن جلوس علي تبة رملية‏.‏ وخلفنا سماء مليئة بالغيوم والرماد‏.‏ وأرض مازالت تنفث الدخان والتراب‏,‏ وتستنزف الروح والبدن‏!!‏
تري من التقط هذه الصورة الرمادية المهزوزة‏..‏ وكيف جاء بالكاميرا وخرج بها؟‏!‏
والأكثر أهمية‏:‏ كيف آلت إلي وحدي؟‏...‏ وأنا واحد من ستة أو سبعة؟‏!‏
أتيت بالعدسة المكبرة‏,‏ وأمعنت النظر‏,‏ فعرفت كل شيء‏,‏ ثم أدرت طواحين الذاكرة‏,‏ فرأيت النقيب سعيد البطران وهو يسقط إثر طلقة طائشة‏,‏ ورأيت دبابة تدوس علي رأس الملازم أيمن البحراوي وعرفت كيف أسر الرقيب فتحي وهدان‏,‏ وكيف انفجر لغم في جسد محمود الفيومي وحوله لشظايا‏..‏ وكيف بترت ساق العقيد جابر السماحي حينما أراد أن يعبر حقل ألغام‏,‏ وفقد المساعد سميح البلتاجي في الصحراء ولم يعثر له علي أثر‏,‏ فمن يكون ذلك الذي يسند ظهره إلي ظهري‏...‏
ويديم النظر في السماء الرمادية؟ من ذا الذي يلهو ويبتسم في ظرف عزت فيه البسمات؟‏!‏
سحبت الصورة من ألبومها القديم‏,‏ فكادت تتفتت في يدي‏,‏ وحين قلبتها وجدت اسمه كاملا علي ظهرها‏:‏
نقيب شكري السباعي عزبة السباعية شرقية في‏19‏ مايو‏1973‏ ب ح‏.‏
ثم رقم التليفون وتوقيع غامض‏!‏
تركتها علي المكتب‏,‏ وعدت بالشاي والبسكويت‏..‏ ومن خلف الستائر المسدلة‏,‏ رأيت المدينة تموج بالناس والسيارات‏,‏ والسماء تنذر بالرعود والمطر‏.‏
شكري السباعي‏..‏ شكري السباعي‏..‏ ب ح‏..‏ ماذا تعني هذه العبارة وهذا التاريخ؟‏!‏
رفعت الصورة وتأملتها‏:‏ كل شيء فيها رمادي وكالح‏..‏ لكنه مضمخ بعطر باذخ وسحر غريب‏.‏
لم تكن الإجابة صعبة بأي حال‏..‏ إذا بات علي منا يحيا في هذا الجحيم المتقد‏,‏ أن يتجاوز الألغام والطلقات الطائشة‏,‏ ويتجنب الطائرات والبوارج‏,‏ وما تقذفه الدبابات والمدافع‏.‏ فماذا عمن سقط بمظلته خلف الخطوط؟‏!‏ أنا نفسي لا أعرف بعد كل هذه السنوات التي أثقلت الروح‏,‏ وغيرت خرائط الجسد لا أعرف كيف خرجت من هذا الجحيم حيا‏..‏ فلم أفقد سوي نصف ذراعي اليسري‏,‏ وجزء بسيط من قدمي اليمني‏!!‏
نعم‏..‏ لم يبق في كواليس الذاكرة سوي بعض الدموع وبعض الأشواق والأسي‏!!‏
سحبت التليفون وطلبت الرقم‏,‏ فسمعت من تخطرني بأن الرقم غير موجود بالخدمة‏.‏
قمت إلي النافذة فرأيت المطر يغسل الطريق‏,‏ والناس تفر إلي بيوتها قبل أن يحل الظلام‏,‏ وتتوحل الطرقات‏.‏
وحين تأملت مسلكي تملكني العجب‏..‏ إذ ماذا يمكن أنت أقول لزميل مجرد زميل فات علي آخر لقاء لنا أكثر من ربع قرن؟‏!‏ وهل يحب‏,‏ كل الناس‏,‏ أن يتذكروا ماضيهم المؤلم‏,‏ وفواجعهم الرازحة؟
وماذا لو كان شكري السباعي هذا قد مات بعد التقاط هذه الصورة‏,‏ أوتاه في الصحراء‏,‏ ولم يرجع لأي سبب من الأسباب؟ ماذا يكون وقع اتصالي علي أهله؟‏!‏
من فضلك تأكد من الرقم الصحيح‏!‏
مازلت أذكر ما حدث لي في نادي الضباط‏,‏ حين أتاني البريد بدعوة لعقد قران ابن زميل قديم لا أذكره علي ابنة زميل حديث لا يذكرني وما كدت أصافحهما وأسالهما عن أحوال أبويهما حتي انخرطا في البكاء‏,‏ فتعكزت متسللا إلي الخارج‏,‏ وقررت ألا أورط نفسي في مثل هذه الأمور أبدا‏..‏
شكري السباعي‏..‏ شكري السباعي‏!..‏ هل هي توريطة جديدة؟‏!‏
حارة سد؟ إحياء لذكريات‏..‏ أم فخ للدموع والندم؟‏!‏
أستطيع الآن أن أتدبر أمري‏,‏ وأعرف الفارق بين النار والنور‏..‏ أستطيع أن أبتلع أحزاني الصغيرة‏,‏ وانتظر ما ستأتي به الأيام‏,‏ أو أحول كل شيء إلي عادة من العادات‏,‏ فأقرأ الصحف كل يوم دون أن أشغل نفسي بتحليلات أو استنتاجات‏,‏ أو خلافات توجع القلب‏!!‏
مسافة ما من الحياد والرمادية‏,‏ يجب أن تربطني بمن حولي‏,‏ مادام الوعي وايتاء الحكمة لا يأتيان إلا بالتعاسة‏,‏ وارتفاع الضغط‏,‏ ومادام هذا الوعي يثقل القلب ويضني البدن‏,‏ لذا توقفت عن المشاركة في أي مناسبة اجتماعية أو رسمية‏..‏ ولم يعد يهمني من هزم‏:‏ الأهلي أم الزمالك؟ ولا من سافر‏,‏ أو صل‏,‏ ومن تزوج أوطلق‏,‏ عاش أو مات‏!!‏ ومن ترفعي هذا أتتني الحكمة‏,‏ وطاوعتني الأماني‏.‏
وبالعادة‏,‏ أيضا بدأ أتقبل شروق الشمس وغروبها‏,‏ وأعرف كيف أحول يومي إلي حفلات ثلاث‏:‏ حفل الاستيقاظ المبكر وفك عضلات الوجه‏,‏ ثم الشاي بالحليب أو النعناع‏,‏ وينتهي الحفل بقراءة الجرائد الرسمية وبعض المجلات المصورة‏,‏ ثم يبدأ حفل بعد الظهيرة بإعداد الغداء‏,‏ وري النباتات‏,‏ وتنظيف أحواض السمك‏,‏ وأقفاص العصافير‏.‏
وهنالك يشغلني سؤال قديم‏:‏ متي نحتفظ بصداقة من نحب دون أن نحبسه في قفص أو نحصره في حوض؟ وبمرور الوقت تصبح عدم الإجابة جزءا من الإجابة‏!‏
من فضلك تأكد من الرقم الصحيح‏..‏ وأعد المحاولة‏!!‏
فتحت الراديو فتسلل صوت أم كلثوم‏:‏
وإيه يفيد الزمن من اللي عاش في الخيال؟‏!‏
كنت قد قررت أن أترك كل شيء‏,‏ وأهيم علي وجهي في المدينة‏,‏ أو ألقي بنفسي في نهر‏,‏ حين أتاني صوت شقيقتي التي تعيش في كندا‏:‏
آلو‏..‏ إزيك يا عبد الحميد؟
كويس‏!‏
إيه النظام؟
أي نظام؟‏!‏
نظام الدنيا‏..‏ عاملة إيه وياك؟
عايزه نظام‏!‏
مفيش جديد؟
ولاقديم‏.‏
وأخبار القلب؟
والنبي تنسيني يا سعاد‏..‏ طلعيني من مخك‏..‏ أرجوكي‏!!‏
ومثل كل مرة‏,‏ راحت تعدد فوائد الزواج‏..‏ وزحمة الأولاد‏..‏ وضرورة الانخراط والانبساط فتملكني الملل‏..‏ وهاجمتني الكآبة‏..‏
وقبل أن أضع السماعة وأنهي المكالمة‏,‏ أفهمتها أن الأمور لا يجب أن تبسط بكل هذا الابتذال‏,‏ ثم سألتها أن تصارحني إن كانت سعيدة بزواجها فنفت ذلك‏,‏ لكنها أشارت إلي أنه حل من الحلول‏..‏ يكفي أن‏..‏ وأن‏...‏ و‏..‏
مع السلامة يا سعاد‏..‏ عايز أنام‏!‏
ودون إرادة مني‏,‏ جمعت ما تيسر من حاجات في حقيقة صغيرة‏,‏ وأخذت طريقي إلي عزبة السباعية‏,‏ وكأنني فراشة تسعي لضوء غامض‏,‏ تخلصا من ظلام مقيم‏..‏
‏*‏
كان المطر يصفع سيارة الأجرة‏,‏ وينسال علي زجاجها المضبب‏,‏ فيما حجبت السحب السوداء كل ضوء لشمس المغيب‏.‏
ألو‏..‏ عبد الحميد‏..‏ أنت نايم ولا إيه؟
نايم إزاي يا سعاد‏..‏ وأنا برد عليكي؟
تليفونك العادي ما بيردش؟‏..‏ قلت أكلمك علي الموبايل‏..‏ أنت فين دلوقت؟
أنا خارج البيت‏..‏ مسافر لواحد صاحبي‏!‏
صاحبك؟
زميل‏..‏ زميل‏.‏ ساكن في الشرقية‏!‏
دي بعيدة أوي يا عبد الحميد‏..‏ أنت زهقت من البيت ولا إيه؟
أيوه‏.‏ حاسس أنه بقي قبر‏!!‏
طب حاول تسلي نفسك بحاجة‏,‏ حاول تعمل حاجة جديدة‏..‏اسقي الزرع مثلا‏.‏
سقيته‏!‏
إقلعه وأزرع غيره‏!..‏أعمل حاجة تسعدك عاوز فلوس؟ أبعت لك هدوم؟ أجهزة؟‏!‏قول ماتتكسفش‏.‏
عندي كل حاجة ياسعاد‏..‏مشكلتي إني مش عارف أنا عايز إيه؟
وده يخليني أقلق عليك‏..‏طب بقولك إيه‏..‏تحب تغير موديل العربية؟
‏-‏ هو أنا بركبها علشان أغيرها‏..‏دانا مسافر في تاكسي وراكنها في الشارع‏.‏
أحسن برضه‏..‏أنا عرفاك عصبي وممكن تدوس حد‏..‏والمثل بيقول هين قرشك ولاتهين نفسك‏.‏
حنفضل نتكلم كتير ياسعاد؟‏!‏
أبدا‏..‏ أنا حبيت أسليك شوية قبل جوزي مايرجع من الشغل‏..‏ وأسألك‏:‏ نبيل اتصل بيك من استراليا ولا لأ؟
لا‏.‏
اخص عليه‏..‏شهرين ميتصلش‏..‏هو مستخسر تمن المكالمة ولا إيه؟‏!‏
كانت المزارع تمتد علي الجانبين‏,‏ حين فتحت زجاج السيارة‏,‏ وشعرت بالهواء المشبع بالمطر يصفع وجهي‏,‏ ويتخلل شعري‏,‏ فيما أسرع السائق وأغلق زجاجه القريب‏,‏ وهو بين الاعتذار والألم‏.‏
آلو‏..‏يا عبد الحميد‏..‏رد علي يا عبد الحميد‏..‏آلو‏..‏آلو‏..‏مقلتليش اتصل بيك إزاي؟‏..‏فين في الشرقية؟‏..‏عبد الحميد‏..‏عبد الحميد‏..‏آلو‏..‏الو‏.‏
ورمقني السائق من مرآته الصغيرة متعجبا‏,‏ حين رآني افتح الزجاج عن آخره‏,‏ وبكل ما أملك من قوة دفع‏,‏ أرمي ب الموبايل في ترعة جارية‏!‏
فيه حاجة ياسعادة البيه؟
وداس علي الفرامل فتوقفت السيارة‏.‏
لا‏..‏خد طريقك‏..‏مجرد خلاف عائلي‏!!‏
كنت مدفوعا بقوة اليأس‏,‏ وكأنني فراشة تسعي الي حتفها‏..‏لم يكن يعنيني كثيرا رؤية زميلي‏,‏ ولم يكن بمقدوري التعرف عليه لو رأيته وجها لوجه ليس لأنه لم يكن قريبا مني فحسب‏,‏ ولكنم لأن مرور أكثر من ربع قرن علي آخر لقاء بيننا‏,‏ يكفي لأن تتغير خرائط دول‏,‏ وذرا جبال‏,‏ فما بالك بملامح شخص؟‏!‏
نعم‏..‏كنت مدفوعا بقوة مغناطيسية غامضة‏,‏ وكلما تقدمت للأمام شعرت بما يتهدم خلفي‏,‏ وينقضي أجله‏.‏
فرأيتني أخوض شوارع وأركب مركبات‏,‏ وأتجاوز قري ومراكز‏,‏ وحين أنزلني السائق علي أول الطريق وعاد مندهشا‏,‏ كان المطر مايزال ينهمر‏,‏ والظلام يرخي سدوله علي الروح فيظلمها‏,‏ فخضت مدقات موحلة‏,‏ وممرات بين المزارع‏,‏ وسمعت عواء ذئاب‏,‏ وخوار أبقار‏,‏ ونقيق ضفادع‏,‏ ومررت علي مقابر مظلمة‏,‏ وسوائم هائمة‏,‏ واحتميت بأشجار يتخللها المطر‏,‏ وتسفحها البروق والرعود‏.‏
ورأيتني أسأل واقترب‏,‏ فأسمع من يدعوني لأركب حمارته‏,‏ أو ناقته‏,‏ ومن يحذرني من الطرقات‏,‏ ويصف مدقات ومدارات‏,‏ ومن يستغرب سؤالي ويشك في مقصدي‏,‏ ومن يطلب أن أنحرف يمينا أو شمالا‏,‏ ومن يري عازي فيطلب أن أركب أي شيء‏!‏
فيما يتقدم الليل‏.‏ وتثقل قدمي الصناعية من وحل الطريق‏,‏ ومد الترع والمصارف‏.‏
وكل مايشغلني‏:‏ ماذا أقول لزميل لم أره منذ ربع قرن؟
كيف أبدؤه الحوار‏,‏ وماذا لو أنه فارق الحياة‏,‏ أو أنكر معرفتي؟‏!‏
أسئلة كثيرة كانت تطفو علي أحراش الذاكرة‏,‏ فيما كنت أدنو من عش الدبابير ذلك المشهوربالسباعية فيتناهي الي سمعي صهيل جياد وجلة‏,‏ وعواء كلاب رأت عزرائيل يتسكع في الطرقات‏..‏وبغال تحاول أن تختفي من زخات المطر وفداحة الظلام‏.‏
وإذاعات محلية تنهي بثها مبكرا وقطار بعيد يعبر مزلقان شبه مفتوح‏..‏ حين أتاني الصوت مرعبا‏,‏ ومفاجئا‏,‏ وبدائيا‏:‏
مين هنا‏...‏ا‏..‏ا‏..‏ك؟ أقف محلك‏!!‏
وشعرت به يختفي خلف شجرة بعيدة‏..‏
وينتظر أي حركة مني ليطلق الرصاص‏!!‏
كنت قد أعلنت عن شخصيتي‏,‏ ورفعت يدي مذعنا‏,‏وحينذاك رأيت كتلة من الظلام تقترب‏,‏ وتضعني في مرمي نيرانها وتسألني عن اسمي‏,‏ وسبب قدومي في هذا الظلام المطير فأجبت بالمطلوب‏,‏ وكأنني أتخلص من ثعبان التف حول عنقي‏!‏
فمازالت أذكر يوم أوقفني جندي من جنودي‏,‏ وكاد يقتلني في الظلام حين تأخرت في كلمة السر وأذكر كيف قتل الرقيب محمد الشيمي حين تصور أنه يكفي أن يقول درجته لإخافة الحارس‏.‏
ولما كان العدو قد تسلل ببعض الجنود‏,‏ فقد قضت الأوامر بإطلاق النار علي كل من لايعرف كلمة المرور‏,‏وحين تكبر الرقيب وتوعد‏,‏ لم يتردد الحارس لحظة‏,‏ وأطلق طلقة فتت كبد الرقيب وجعلته يعجن التراب بدمه‏!‏
مين هناك‏..‏؟ ارفع أيدك فوق‏!‏
لا أعرف لماذا طفت هذه الواقعة علي عقلي فرحت أردد فيما يشبه الصراخ‏:‏
أنا ياريس‏.‏
أنت مين؟
أما الرائد متقاعد عبدالحميد الدوماني‏..‏
رائد مين؟
رائد متقاعد‏..‏
وعايز إيه يا سي متقاعد؟
وأنزل البندقية‏,‏ وهو يقترب في ريبة بجسمه الضخم‏,‏ وشعره الأشعث‏,‏ فاقتربت محاذرا وصحت بدوري‏:‏
مش دي عزبة السباعية؟
هي‏!‏
وحين سألت عن النقيب شكري السباعي تجمد في مكانه وكأنني سألته عن عفريت وحين طلب أن أكرر السؤال كررته في حرج بالغ‏,‏ وشعرت بالذنب يخنقني‏,‏ فليس من اللائق أن تسأل عن شخص ربما يكون قد مات منذ ربع قرن‏,‏ وتنفخ نار الفجيعة ثم تنتظر أن يعاملك الآخرون معاملة حسنة‏!!‏
لذا شعرت بأنني لم أعد بحاجة لإجابة جديدة‏,‏ وأن مايتعين عمله الآن‏,‏ هو أن أخط طريقي الي حيث أتيت‏,‏ في هذا الظلام الدامس‏,‏ بعد أن قطعت مسافات لم أقطعها في أشرس الحروب‏,‏ وأعنف المواقف‏!‏
وقبل أن ألوم نفسي‏,‏ وآخذ طريقي الي شقتي الدافئة‏,‏ وفراشي الوثير‏,‏ ناداني الخفير وطلب مني أن أستريح قليلا ريثما يهدأ المطر‏...‏ثم قادني الي خص بني بأعواد الحطب‏,‏ وغطي بمشمع مهتريء ظل المطر يتخلله‏,‏ ساكبا بعض النقاط في دلو قديم‏,‏ ثم سحب قصعة النار من تحت الفراش المبتل‏,‏ ووضع بعض الحطب الجاف فكانت النار‏,‏ وكان الدفء والنور‏.‏
أنت مش عايز تصارحتي ليه ياريس؟
أصارحك بإيه يافندي؟
مش دي عزبة السباعية؟
‏.....‏
اتكلم يابني آدم‏.‏
الله‏,‏ وماقلنا هي‏!‏
أمال فين النقيب شكري السباعي؟
معندناش حد بالاسم ده‏!‏
كان فيه ومات يعني؟‏...‏ ولا معلهش‏..‏خدني علي قد عقلي‏!‏
يا افندي ما أنا خدتك علي قد عقلك‏..‏عايز إيه تاني؟
طب ممكن تسأل لي حد في البيت ده؟
دا مش بيت‏..‏ده قصر الست أميرة هانم‏..‏وأنا الغفير بتاعها‏.‏
قدمت سيجارة فاخرة فأخذها بنصف استرابة ونصف ذهول‏,‏ وقدم لي عودا مشتعلا وكأنه يريد أن يتأكد أنها لن تتفجر في وجهه‏,‏أو تخدره‏,‏ وحين تأكد من سلامة الأمور سحب نفسا عميقا‏..‏وسأنلي فجأة‏:‏
وحضرتك كنت في الجيش ولا في الشرطة؟
في الجيش
وحينذاك سمعنا صرخة تتناهي في الظلام‏:‏
الحقو‏..‏ و‏..‏وني‏..‏
وقفت متسائلا فزعا فأجلسني الرجل‏,‏ وحين صرحت بما
سمعت‏,‏ أنكر ذلك‏,‏ وقال إنه لم يسمع أي شيء‏!!‏ وقدم سيجارة ملفوفة فكدت أقول‏:‏ إنني لا أغير سجائري‏,‏ ولكن بما أن حياتي كلها تغيرت‏,‏ فليتغير كل شيء ثم أشعلتها فوجدتها أقرب إلي السبارس منها إلي أي شيء آخر‏,‏ وحين تأملت ملامح الرجل قبل أن يخبو الضوء هالني الحول في عينيه‏,‏ والغلظة في ملامحه‏,‏ وفي برهة فارقة توقعت أن تكتمل الدائرة فتحول ساقاه إلي عنزة أو حصان‏,‏ لكنه خيب ظني‏,‏ وطلب أن أمهله لحظات‏,‏ حتي يري وبخطوات آلية متثاقلة‏,‏ ذهب إلي بوابة القصر الصدئة‏,‏ وما كاد يقترب حتي سمعت الصرخة‏,‏ تتكرر من جديد‏:‏
الحقو‏..‏و‏..‏و‏..‏ن‏..‏ني‏!!‏
وتوقعت أن يعود الرجل راكضا‏,‏ لكنه ظل جامدا في مكانه وكأنه لم يسمع شيئا‏,‏فتدبرت أمري‏,‏ وشككت في سمعي‏,‏ وأحلت الأمر برمته للإرهاق والقلق فلم يحدث أن مشيت في حياتي كل الأمر برمته للإرهاق والقلق فلم يحدث أن مشيت في حياتي كل هذه المسافات‏,‏ حتي وأنا بصحتي وكامل أعضائي كان القصر شاسعا يجلله الغموض والمطر‏,‏ وتحيطه أشجار عتيقة شاهقة‏,‏ وأسلاك شائكة‏,‏ وبوابة حديدية ضخمة لا يبدو أنها فتحت من قبل فيما تتأرجح بعض المصابيح الكهربائية الخافتة علي أعمدتها القصيرة الصدئة فترسم أشكالا مرعبة علي وحل الطريق‏..‏ وقف الخفير عند البوابة المغلقة يضغط علي ديكتافون حائطي قديم‏,‏ ويتكلم‏,‏ ثم يضغط ويصمت‏,‏ فيسمع إجابات أتنتي جارحة فظة‏..‏ يدعمها السباب والتهديد بالفصل لذا مر وقت طويل قبل أن يأتي الرجل مهزوما منكسرا‏..‏ فلم أشعر بحاجتي لأي إجابة منه‏,‏ نعم يكفي ما حدث له ولكن يبدو أنه لاحظ ذلك‏,‏ فاكتفي بإشارة إلي زيارتي هذه قد تقطع عيشه‏,‏ وتشرد أولاده‏,‏ وأنه من الأفضل أن أعود
من حيث أتيت‏..‏ و‏,‏كان علي حق‏.‏
كان المطر قد هدأ قليلا‏,‏ حين حضنت حقيبتي وعصاتي وأخذت طريقي في ذلك الظلام البهيم إلي أقرب طريق سريع وأنا ألوم نفسي‏,‏ وألعن سوء طالعي‏..‏ ثم توقفت عن جلد ذاتي حين وضعت الأمور في إطار لعبة‏..‏
طوقوه‏..‏ محدش يعوره محدش يعوره‏!!‏
كان الصوت يأتي من القصر البعيد‏,‏ فيما كنت أودع الخفير‏,‏ دون أن أري أي رد فعل علي وجهه‏,‏ وكأن هذا يحدث كل يوم وقبل أن يختل عقلي‏,‏ سألته عما يحدث هناك بالضبط‏,‏ فلم يزد عن إخطاري بأنه مسئول عن هذه البوابة فقط أما الداخل فلساكنيه‏!!‏
ولأن الأمر لم يعد يعنيني فقد أوليته ظهري‏,‏ ففعل مثلما فعلت‏,‏ وكأنه تخلص من مصيبة‏,‏ لم يكن ينتظرها وفي لمحة خمنت أن يكون الأمر يتعلق بذئب عاثر أو لص أحمق‏,‏ أو حصان هرب من المطر‏.‏
وبخوف قديم رحت أتحسس طريقي‏,‏ واستمع لصوت خطواتي الوجلة علي وحل الطريق‏,‏ وكل أملي ألا أخوض في مستنقع‏,‏ أو أسقط في ترعة‏,‏ أو أدوس علي ثعبان نائم أو جثة طافية‏,‏ بعد أن تداخلت الحدود‏,‏ وتضاربت الخطوط‏,‏ وظل البرد والظلام يمعنان في الولوج والكثافة وكلما أوغلت في المسير‏,‏ أمعنت السباعية في الابتعاد والأفول‏..‏ وظلت تتضاءل وتتضاءل حتي صارت نقطة خافتة في كون لا نهائي من الظلام‏,‏ وقبل أن يختقي ذلك الضوء من الوجود أتاني صوت الذئاب واضحا ونذيرا‏,‏ فتفجرت مخاوف الطفولة وغرائز البقاء والأمل‏,‏ وبات علي أن أختار بين التعامل مع الذئاب‏,‏ أو العودة لقصر دراكولا‏..‏ وحارسه الجهيم‏!‏
وعلي الرغم من أن حياتي لم تكمن رغيدة‏,‏ حتي أحرص عليها‏,‏ إلا أنني شعرت بخوف غريزي مفاجئ‏,‏ خوف لم أشعر به حتي وأنا أجمع أشلاء جنودي‏,‏ وأدفن أطراف زملائي‏,‏ والنيران من حولنا تحرق الأرض‏,‏ وتذيب الحديد والحجر‏.‏
لذا وجدتني اختار بين بديلين كلاهما مر‏.‏
لذلك وجدتني أستدير علي عقبي‏,‏ وأعود لتلك النقطة الخافتة‏,‏ قبل أن تختفي‏,‏ وتختفي السباعية‏.‏وفيما خفت عواء الذئاب‏,‏ كانت النقطة تكبر وتقترب‏,‏ حتي تناهي إلي سمعي أذان الفجر هادئا وشفيفا‏,‏ وحين اقتربت أكثر من البيوت الهاجعة كانت الديكة قد سكتت‏,‏ وبدأت العصافير تستعد لشقاء يوم جديد حين أتاني الصوت واضحا ونذيرا‏.‏
من هنا‏..‏ ا‏....‏ا‏...‏ك؟ ارفع ايدك فوق‏!!‏
وحين عرفني‏,‏ أنزل سلاحه القديم‏,‏ وكأنه يسألني بملل وفتور عما أرجعني‏!!‏
وبعد أن داهمه اليأس‏..‏ وشعر بأنها خربانة خربانة‏,‏ دعاني إلي عشته ومد يده بكوز شاي متسخ‏,‏ وكأنه يقول‏:‏
اشرب واتكل فأخذت الشاي متلهفا‏,‏ وسكبته في معدتي الخاوية‏,‏ وحينذاك شعرت بالدفء يسري في شراييني‏,‏ وعرفت متي يكون الخبز العفن شهدا مصفي‏,‏ وماء البول ترياقا وسلوي‏!‏
كان هناك من يقف خلف البوابة الموصدة‏,‏ وينادي علي الخفير لاعنا أجداده‏!‏
كانت المسافة بعيدة‏,‏ والضوء ابيا‏,‏ فرأيت الشبح يتشح بالسواد‏,‏ ويتحرك كأنه يعمل ببطارية أو زمبرك‏..‏ فيما سمعت الخفير يعتذر‏,‏ ويجيب في رجاء ثم يحاول أن يقلل الخسائر ما أمكنه ذلك‏,‏ بينما يلعنه بألفاظ جارحة‏,‏ ويلوح بهدم الخص وإراقة الدم‏..‏
حاولت أن أقترب موضحا ومبررا‏,‏ لكني لم أجد دافعا يرغمني علي ذلك‏!‏
كنت قد عزمت علي المغادرة‏,‏ حالما تشرق الشمس‏,‏ ورأيت انه من الأفضل أن أستبعد كل الأفكار التي تدعوني لمقابلة شكري السباعي‏,‏ وليذهب هو وأهله للجحيم‏!‏
وشيئا فشيئا شعرت بالحنين إلي قوقعتي‏,‏ وحاجتي إلي النظر إلي شقتي الدافئة‏,‏ وأدركت أن جو المقاهي والمنتديات لا يلائمني‏.‏
فلم أضف إلي أجندتي البيضاء صديقا جديدا‏,‏ ولم أشعر بقدرتي علي الاستمرار في خيانة وعيي‏,‏ وبات علي أن أتعامل مع هذا الواقع الجديد وأتكيف معه‏..‏ وحين ترددت علي نوادي الضباط ومصايفهم‏,‏ أدركت أنني ضللت الطريق‏..‏ وأنا ما أراه شيء وما أشعر به شيء آخر‏,‏ وأن إجباري علي التكيف محكوم عليه بالفشل بعد أن تداخلت هذه العائلات وكثرت‏,‏ ومات عائلها‏..‏ أو هاجر إلي بلاد النفظ‏,‏ وترك أولاده تكبر أجسامهم وتصغر عقولهم‏,‏ وتشغلهم تسريحات الشعر‏,,‏ والأغاني الراقصة عن أي شيء آخر‏!‏ وزوجات تمتلئ عيونهن بالحرمان‏,‏ وشفاههن بالرغبة‏,‏ يتفاخرن بما أكلنه‏,‏ أو شربنه‏,‏ ويحاصرن بعيونهن النهمة‏..‏ كل الذكور من حولهن‏!!‏
اتفضل يا سعادة البيه‏..‏ كلم بسطامي‏!‏
مين بسطامي؟‏!‏
السايس بتاع الهانم اتفضل سمحولك بالدخول‏!!‏
كان الخفير يتهلل فرحا وكأنه اكتشفت نظرية جديدة‏,‏ ولأني لم اكتشف شيئا فقد أصابه رد فعلي بإحباط‏,‏ وكأنه يقول‏:‏
أمال خاوتنا من الصبح ليه؟
كان الشبح قد فتح بابا جانبيا‏..‏ ووقف ينتظرني علي جانب‏!‏ ولثاني مرة في حياتي أشعر بخوف مفاجئ يبدو أن الخفير قد لاحظ ذلك لأنه حثني عدة مرات‏,‏ وكاد يدفعني بيده نحو البوابة البعيدة وكأنه يقول‏:‏ غور في داهية‏....‏
ثم رجاني أن أنكر استضافته لي‏,‏ ولطفه معي‏!‏ فوعدته بذلك‏..‏ وأخذت طريقي إلي عش الزنابير‏!!‏
من رواية الحائط الأخير قيد الطبع‏,‏ وكان سمير عبدالفتاح ممن واكبوا تجربة الصفحة الأدبية في الأهرام المسائي بكتابات نقدية أسبوعية عن إبداعات جيل الثمانينيات‏.‏


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.