الآن.. الاستعلام عن مسابقة معلم مساعد 2024 (التفاصيل)    تعليم الإسكندرية تنهي استعدادها للعام الدراسي الجديد في 21 سبتمبر الجاري    1342 مدرسة تستعد لاستقبال 825 ألفا و700 طالب في بني سويف    قرار مهم من الحكومة بشأن مشروع الربط الكهربائي بين مصر والسعودية    «عبداللطيف» يبحث مع أمين «تطوير التعليم» سبل التعاون لتطوير المنظومة    قرار مهم من الحكومة لضبط حركة الأسواق وأسعار السلع    انقطاع المياه عن القناطر الخيرية 6 ساعات غدا.. تعرف على السبب    البيئة :خطوة تفعيل رسوم المخلفات الصلبة البلدية دفعة قوية تضمن استدامة تشغيل المنظومة مالياً    حقيقة ظهور جهاز البيجر بجوار الرئيس الإيراني السابق قبل مصرعه    بنك إنجلترا يثبت معدل الفائدة عند مستويات 5%    حماس: العدوان لن يجلب للاحتلال ومستوطنيه إلا مزيدا من الخوف والدماء    11لاعبا| الأهلي يفتح ملف تجديد عقود لاعبيه    رسالة مؤثرة من حسين الشحات للجماهير بشأن أزمة أحمد فتوح    متحصلة من تجارة المخدرات.. ضبط 3 أشخاص قاموا بغسل 60 مليون جنيه بالقليوبية    شراكة بين الحكومتين المصرية والأمريكية لحماية وحفظ التراث الثقافي المصري    توقعات برج الحمل غدًا الجمعة 20 سبتمبر 2024.. نصيحة لتجنب المشكلات العاطفية    السبت.. مهرجان سماع للإنشاد والموسيقى الروحية في بيت السناري    حزب الله: هاجمنا بسرب من المسيرات المقر المستحدث لقيادة اللواء الغربي في يعرا    مكتبة مصر العامة تختتم فعالياتها الصيفية بمعرض الأنشطة الفنية    أول ظهور لشيرين عبدالوهاب بعد أنباء عن خضوعها للجراحة    من هن مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم وإِخوته في الرَّضاع وحواضنه؟ الأزهر للفتوى يجيب    مساعد وزير الصحة: ملتزمون بتطوير المنظومة وإدخال التقنيات التشخيصية للمستشفيات    "بداية جديدة".. تعاون بين 3 وزارات لتوفير حضانات بقرى «حياة كريمة»    "ناجحة على النت وراسبة في ملفات المدرسة".. مأساة "سندس" مع نتيجة الثانوية العامة بسوهاج- فيديو وصور    "خناقة ملعب" وصلت القسم.. بلاغ يتهم ابن محمد رمضان بضرب طفل في النادي    حادث درنة الليبية.. تفاصيل فاجعة وفاة 11 عاملًا مصريًا في طريقهم للهجرة    بقيت ترند وبحب الحاجات دي.. أبرز تصريحات صلاح التيجاني بعد أزمته الأخيرة    جامعة العريش تُطلق أول مسابقة للقيادات الإدارية منذ إنشائها.. اعرف التفاصيل    عاجل| حزب الله يعلن ارتفاع عدد قتلى عناصره من تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية ل 25    مسؤول أمني: الفيتو الأمريكي يكون العقبة دائما أمام أي قرار لصالح فلسطين    خبير سياسي: إسرائيل تريد مد خط غاز طبيعي قبالة شواطئ غزة    بالمزمار والطبل البلدي.. محافظ المنوفية يضع حجر أساس مدرستين بالبتانون (صور)    بعد 14 أسبوعا.. فيلم ولاد رزق 3 يتصدر قائمة الإيرادات وأهل الكهف يتذيل    أبرز تصريحات الشاب خالد ف«بيت السعد»    إزالة تعديات على مساحة 14 فدان أراضي زراعية ضمن حملات الموجة ال23 في الشرقية    مركز الأزهر: اجتزاء الكلمات من سياقها لتحويل معناها افتراء وتدليس    عاجل.. كولر يرفض رحيل ثنائي الأهلي ويفتح الباب أمام رحيل "النجم الصاعد"    انتشار متحور كورونا الجديد "إكس إي سي" يثير قلقًا عالميًا    أطعمة ومشروبات تحافظ على صحة القلب (فيديو)    محافظ الإسكندرية يتابع المخطط الاستراتيجي لشبكة الطرق    إخماد حريق نتيجة انفجار أسطوانة غاز داخل مصنع فى العياط    حزب الله يهاجم تمركزا لمدفعية إسرائيلية في بيت هيلل ويحقق إصابات مباشرة    وزير الإسكان يوجه بتكثيف خطة طرح الفرص الاستثمارية بالمدن الجديدة    محافظ القليوبية يقيل مدير مدرسة الشهيد أحمد سمير ببنها    وزير الصحة: صناعة الدواء المصرية حققت نجاحات في أوقات شهد فيها العالم أزمات كبيرة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره الطريق فى الهرم    دوري أبطال أوروبا.. برشلونة ضيفا على موناكو وآرسنال يواجه أتالانتا    «لو مش هتلعبهم خرجهم إعارة».. رسالة خاصة من شوبير ل كولر بسبب ثنائي الأهلي    «الرقابة الصحية»: نجاح 11 منشأة طبية جديدة في الحصول على اعتماد «GAHAR»    ضبط عنصر إجرامى بحوزته أسلحة نارية فى البحيرة    إسرائيل تقدم مقترحا جديدا لوقف إطلاق النار بغزة يشمل بندا خاصا بالسنوار    دياز: لقاء إنتر ميلان كان اختبارا رائعا    مأساة عروس بحر البقر.. "نورهان" "لبست الكفن ليلة الحنة"    كيفية الوضوء لمبتورى القدمين واليدين؟ أمين الفتوى يوضح    حامد عزالدين يكتب: فمبلغ العلم فيه أنه بشر وأنه خير خلق الله كلهم    دورتموند يكتسح كلوب بروج بثلاثية في دوري الأبطال    لو عاوز تمشيني أنا موافق.. جلسة حاسمة بين جوميز وصفقة الزمالك الجديدة    هل موت الفجأة من علامات الساعة؟ خالد الجندى يجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كنوز| جندى فى جيش عرابى يروى قصة الخيانة فى التل الكبير
نشر في بوابة أخبار اليوم يوم 18 - 09 - 2024

142 عاماً مضت على أكبر جريمة خيانة تعرض لها الزعيم أحمد عرابى فى 13 سبتمبرمن عام 1882، وتسببت الخيانة فى الهزيمة أمام القوات البريطانية فى معركة التل الكبير بالإسماعيلية، ووصول الإنجليز للقاهرة بعد وقوع عرابى فى الأسر، وعقد الخديوى محاكمة لعرابى فى 25 سبتمبرمع بعض قادة الجيش، وحُكم على عرابى بالإعدام وتم تخفيف الحكم فى 3 ديسمبر 1882 بالنفى إلى جزيرة «سيلان»، وكشفت كتب التاريخ عن الخونة الأربعة الذين خانوا أحمد عرابى وتسببوا فى الهزيمة، أولهم محمد باشا سلطان رئيس الحزب الوطنى الذى وزع الذهب على بدو الصحراء الشرقية، والثانى خنفس باشا، والثالث سعيد الطحاوى الذى كان مرشداً لعرابى وجاسوساً عليه فى نفس الوقت، أقسم له أن الإنجليز لن يهجموا قبل أسبوع ثم ذهب للقائد الإنجليزى «ولسى» وطمأنه بأن المصريين سينامون ليلتهم نوم الأبرار، فزحف الإنجليز فى الظلام، بعد أن فتح أمامهم الطريق الخائن الرابع ذد قائد فرقة السوارى عندما انسحب بفرقته من أرض المعركة!
مجلة «كل شيء والدنيا» التقت فى مقهى بسيط بحى الجمالية بالشيخ حسن أحد جنود جيش عرابى الذى حضر الهزيمة فى معركة التل الكبير، الرجل يتسم بقامة مديدة وأعصابه قوية وصوته رنان وعينين براقتين ويحتفظ بصحة جيدة برغم كبر سنه، وقال فى بداية حواره إن عمره 105 سنوات، وحضر زمن إسماعيل باشا وتوفيق وعرابى وعباس والسلطان حسين، وأمام نظرات الدهشة من محرر المجلة قال الشيخ حسن: «ما يغركشى شكلى اللى أنا فيه دلوقت، زمان مكنش لا دقن ولا شنب أبيض، وكان عندى قوة تلاطم الزلط وكان الناس بتحكى عن شقاوتى، والحكومة بتأجرنى عشان امسكلها الأشقية وقطاع الطرق قبل ما الدنيا تعمر والبوليس يكتر، وقت ما كان اللى يمشى فى حتة خلاء ميسلمشى من قطاع الطرق، وأنا كنت واحداً من الأشقية دول، بس مكنتش بسرق، كنت بتخانق بس، أكيد سمعت وقرأت عن شقاوة وفروسية محمد سلطان فتوة بولاق، أنا اتنفيت معاه فى «سواكن»، وعملت كل حيلة لحد ما هربت من المنفى وجيت مصر ماشى على رجلى لمدة شهر!».
وقال الشيخ حسن: «أنا كنت جندياً من جنود أحمد عرابى.. انتوا طبعاً ما تعرفوش إن الإنجليز عملوا العشرين خردة عشان يغلبونا بيها، كانوا بيملوا الزلع عشرينات خردة جديدة من لحد ثلاثة أرباعها ويغطوها براق ولا راقين من الجنيهات الدهب ويوزعوا الزلع على الظباط الشراكسة والأعيان بتوع البلد عشان يخونوا الجيش وهما فاكرين إن الزلع كلها مليانة دهب، وده كان سبباً من أسباب الخيانة اللى خلت الإنجليز غلبونا فى التل الكبير».
واستطرد الشيخ حسن قائلاً: «كنا بقالنا ثلاثة أيام بلياليهم منمناش فيها الجيش ولا ساعة وقعدنا ننقل فى المدافع ونوضب نفسنا فى الطوابى من غير راحة واللى خلانا نقعد فى التل الكبير إن الجواسيس بتوعنا قالوا لنا إن الجيش الانجليزى لسه بعيد خالص وأنه ميمكنشى ييجى لغاية عندنا إلا بعد ما نكون جبنا الذخيرة وضبناها فى مخزن كبير بعيد عن الجيش والطوابى شوية وكان من الطبيعى بعد كل المجهود اللى بذلناه ده إننا نرتاح شوية وننام».
فسأله محرر المجلة: هل كانت هناك فرق حراسة ومراقبة.
فأجاب على الفور: أهو دا بقى الخازوق وكان السر فى الزلع المليانة عشرينات خردة لأن عرابى باشا خد خبر إن عشرة آلاف خيال جم من الصعيد عشان يحاربوا ويا الجيش ففرح عرابى بالخيالة وأمر الجيش بأن ينام والخيالة يحرسونه طول الليل، وأتارى الباشا اللى بعتلنا الخيالة كان واخدله سبع زلع من اللى حكيت لك عنهم واحنا معندناش خبر، وفعلاً راح الجيش كله ينام وكنت نايم فى طابية، صحيت على صوت أقدام وقلت مين ؟! فرد عليا واحد وقال : «أنا اخوك عسكرى متخافش»، مكناش نعرف إن كل واحد من الخيالة الحراس بيدخل ومعاه واحد من العدو والدنيا ضلمة والواحد ميقدرش يعرف سترته من سترة العدو، ومن الوقت دا لحد الفجر كانوا قد احتلوا مخزن الذخيرة وعزلوه عن موقع الجيش والطوابى..
ولما صحينا عرفنا إن الذخيرة استولى عليها العدو، ومفيش دقايق ولقينا النذير جايلنا بأن الجيش الإنجليزى جايلنا فى السكة فاستعدينا للدفاع عن أنفسنا واحنا بين نارين، نار الإنجليز ونار اللى خانونا واستولوا على الذخيرة، فلما نشبت المعركة وحمى الوطيس أظهرنا الشجاعة والاستماتة فى الدفاع عن وجودنا مما ألقى الرعب فى صفوف الإنجليز، وكان المدفع الوحيد المنطلق من الطابية بتاعتنا بيشق شوارع فى صفوف الإنجليز، لكن ايه تفيد الشجاعة من غير سلاح، كنا زى الوحوش عايزين ندك الأرض، لكن السلاح ف ايد العدو واللى ويانا كله راح، فخرجنا بالسيوف وكنا حمقانين على بلدنا وفضلنا نطير الرءوس ونقطع الرقاب، ولقينا الجنود اللى كانوا فى سرية المواجهة بيفتحوا الطريق لجنود الإنجليز، جريت على حصان ركبته ونجوت من بنادق ومدافع الإنجليز وأنا أعزل، واستبدلت بدلتى العسكرية والسيف والطربوش والحصان فى قرية للفلاحين مقابل جلابية وطاقية اتخفى فيها خوفاً من الوقوع فى الأسر».
«كل شىء والدنيا» - 2 أكتوبر 1935
عندليب الصحافة.. وبليغ الأنغام المظلوم حيًا وراحلًا !
مرت علينا فى الثانى عشر من سبتمبر الجارى الذكرى 31 لغياب الموسيقار بليغ حمدى الموصوف بعندليب الموسيقى وعبقرى الألحان، وكتب عنه صديق عمره عندليب الصحافة محمود عوض مقالاً رائعاً فى كتابه «من وجع القلب» ملىء بالشجن والحزن والألم للظلم الذى تعرض له بليغ الذى أحب مصر بجنون.. ولم تكرمه مصر الرسمية فى احتفالية واحدة من احتفاليات ذكرى حرب أكتوبر المجيدة التى غنى لها وتغنى بها، ونعيد نشر مقتطفاتٍ من المقال المطول بما تسمح به المساحة، ويقول فى بداية المقال:
«ماذا أكتب، ومن أين أبدأ، هل من اللحظة التى سقطت فيها الصحيفة من يدى لحظة قراءة خبر وفاة بليغ فى باريس؟ وأتذكر أنه اتصل بى قبل سفره ليسألنى إذا كنت أريد شيئًا من باريس، لأنه مسافر ليراجع حالته الصحية، اتفق معه على أن يمر عليّ فى منزلى وبرفقته ملفه الطبى، كان فى انتظاره د.علاء الزيات أحد أكبر أساتذة الأمراض الباطنية والقلب فى مصر، كنت أريد أن يطمئننى على حالة بليغ، وبعد أن اطلع على ملفه طلب من بليغ أن يستلقى ليفحصه، وأكد أن مشكلة كبد بليغ يمكن السيطرة عليها بشرط تجاوبه مع النصائح والعلاج، فقال بليغ: إنه سيسافر لباريس ليكتب توكيلًا ببيع شقته هناك، ويحضر الأدوية ويعود فوراً !
ويقول عندليب الصحافة: إن بليغ كان ليلتها يجتر الذكريات والوقائع والأحداث والأسماء بذهنٍ متوقد، ولم يكن محمود عوض يريد أن تفضح وجهه انفعالاته الداخلية، لم يكن قادرًا على مسايرة بليغ فى شريط ذكرياته المتدفقة وتساؤلاته التى تلاحقه عندما قال له «هل قرأت ما كتبه فلان ؟ هل شاهدت ما رواه علان ؟ إنهم يسرقوننا ونحن أحياء، إنهم يلفقون لأنفسهم ما لم يكن لهم، حتى ذكرياتنا يسرقونها منا، أين كان هذا.. وهذا.. وهذا؟»، وبين الحكاية والحكاية كان بليغ يسأل محمود عوض «لماذا لا تكتب عن كل شىء، لقد كانت أسرارنا جميعًا عندك، كنت قريبًا منها وشريكًا فيها ودائمًا نُفضى بها إليك»، كانت المرة الأولى التى يرجو فيها بليغ من محمود عوض أن يكتب، رجاء فيه القليل من الطلب وشىء من التألم والكثير من الاستغاثة وفائض من المرارة من هذا القدر الشائع من التبجح على الحقيقة، بليغ لم يكن يشكو ففى الشكوى انحناء، وهو من أعطى موسيقاه وألحانه لكثيرين، كان يبحث دائمًا عن الأصوات الموهوبة، كان يفرح كطفلٍ كلما وضع يده على صوت جديد، فجعل عفاف راضى على لسان مصر من أول أغنية، بليغ لم يكن شيئًا إلا إذا تحمس لصوتٍ، لفكرة، لنغمة، لجملة موسيقية، وحياته ذاتها مجموعة من الجمل الموسيقية، فيها المتعة أحيانًا، والشوق أحيانًا، والألم أحيانًا، وحبه لمصر دائمًا».. هكذا يقول محمود عوض الذى تعود به الذاكرة لكارثة يونيو 1967 التى كانت زلزالًا نفسيًا مدمراً على الجميع، لكن بليغ الوحيد الذى خرج فجأة بموسيقاه عبر صوت شادية بأغنية تشحذ الهمم فأصبحت أغنية «يا حبيبتى يا مصر» على لسان الملايين فى لمح البصر، لدرجة أن الكاتب الكبير فكرى أباظة قال فى حديث إذاعى إنه أصبح يسمع تلك الأغنية ألف مرة فى اليوم، فى الشارع والنادى والمقهى والتاكسى، فى الصباح والمساء ومنتصف الليل.
ويقول محمود عوض: «بليغ كان كل هذا وأكثر من هذا إذا تعلق الأمر بمصر، ومع شهر أكتوبر 1973 تعمقت المنافسة فى شهر رمضان بين محطات الإذاعة، وأصبحت إذاعة الشرق الأوسط فى المقدمة بمجرد تعاقدها مع عبد الحليم على بطولة مسلسل «أرجوك.. لا تفهمنى بسرعة»، أصبحنا مشدودين، عبد الحليم حافظ مع شركائه فى البطولة، وأغانى المسلسل يلحنها الموجى وبليغ ومنير مراد، وكل محطات الإذاعة فى العالم العربى تعاقدت على إذاعة الحلقات مع القاهرة فى نفس الوقت، ثم جاءت القنبلة فى العاشر من رمضان - السادس من أكتوبر، انطلقت الحرب التى تأخرت وطال انتظارها، وأوقفت إذاعة القاهرة كل برامجها لمتابعتها، وكنا مضطرين للاستمرار فى تسجيل الحلقات لتذاع فى المحطات المُتعاقد معها، واختفى من بيننا بليغ حمدى ليسجل أغنية «بسم الله»، يختفى ثم يجىء لنسمع أغنية «على الربابة» بصوت وردة، وتكررت ألحانه التى كانت تخرج من قلبه، ويكفيه أن محبوبته مصر سمعته يشدو لها فى لحظة انتكاسها، ويغنى لها وقت الحرب كما تمنى لها، وأرادها قوية وعصرية وشامخة ومتوحدة مع كل أبنائها الذين جعلوا الرمال جزءًا من طعامهم اليومى لست سنوات من أجل هذه اللحظة».
ويستطرد قائلاً: «كان بليغ ينفعل، يفكر، يكتب، يجرى بسيارته للإذاعة، لا ينتظر المصعد، يأخذ السلالم قفزًا إلى استديو 46 ليجد الفرقة الموسيقية جاهزة، ونحن فى الاستديو المجاور نسجل الحلقات، ومع انصرافنا يلاحقنا موظف العقود «لحظة يا أستاذ بليغ.. أرجوك توقع هنا لنصرف لك الأجر المُستحق»، فيرد بليغ بخجل: «هذه الألحان بلا أجر.. سجل فى أوراقك أنها هدية منى، وسأقدم المزيد وأنا اللى متشكر للإذاعة».
اقرأ أيضًا| كنوز| «الأخبار» تحيى الذكرى العاشرة لغياب ناظر مدرسة البهجة
ويتذكر عندليب الصحافة: «ما زلنا فى الحرب ومتبقى ساعتان على السحور، اتصل عبد الحليم لعلمه بأن بليغ عندى وقال إنه فى الطريق، علمت أنه طلب من بليغ أن يلحن له أغنية باسم بطل الحرب أنور السادات، فرد بليغ: «يا حليم.. قل لى ها نغنى لمصر، للجيش، للناس، لكن نغنى لحاكم مهما علا شأنه.. أبدًا»، كان بليغ شديد الصدق فى مشاعره، ونكسة يونيو علمتنا أن الهزيمة اسمها مصر، والنصر اسمه مصر، وحرب أكتوبر، حربنا جميعًا، يواصل بليغ كلماته المتدفقة بحماس قائلاً: «يا حليم هذه حرب مؤجلة منذ ثلاث سنوات، حرب خاضها نفس الجيش الذى قام بحرب الاستنزاف وبحماية نفس الحائط الصاروخى الذى كان جاهزًا منذ ثلاث سنوات، هل نسميها إذن حرب جمال عبد الناصر؟ إننى أرفض ذلك، فنحن جميعًا تحملنا التضحيات من أجل هذه الحرب، وشهداؤها خيط واحد متصل منذ معركة رأس العش وإغراق المدمرة إيلات.. يا حليم افهمنى».
استدار عبد الحليم نحوى فقلت: «سوف تجىء مناسبات تالية يتسع فيها الوقت للذى تريده، لكن فى هذه اللحظة المحددة بليغ معه الحق، أتركه على راحته»، وتمضى الأيام.. وتأتى احتفالات ذكرى حرب أكتوبر، وفى كل مرة يخفق قلب مصر الشعبية بالأغانى التى لحنها بليغ، ومصر الرسمية تقدم الجوائز والتكريمات تحت عباءة ذكرى حرب أكتوبر، فأين بليغ حمدى يا مصر من تلك التكريمات؟ هذا ما دفعنى لكتابة عمود فى «أخبار اليوم» بتاريخ 16 أكتوبر 1976 قلت فيه: «لقد وقع خطأ من مصر نحو واحدٍ من أبنائها فى الاحتفال الذى أصبح سنويًا بعيد الفن، كرمت عددًا من أبنائها الذين ترجموا حبهم لمصر، ولكن واحدًا سقط سهواً من القائمة، لم يشكُ إلى أحد، ولم ينتظر شيئًا من أحد، ولا توقع مكافأة، أحب مصر لأنها أمه، ونحن نشكو مصر لحسابه، لأننا أبناؤها.. إن بليغ حمدى - الذى سقط سهوًا من تكريم فنانى حرب أكتوبر، سوف يظل دائمًا ابنًا لمصر، فنانًا فى حبها وعاشقًا فى إخلاصه لها، ولم ينافسه فى حبها أحد».
ويقول محمود عوض بعد القضية التى شوهت سمعة بليغ: «دارت عجلة الإثارة الصحفية بكل قوتها لكى تدين بليغ من قبل أى محاكمة، وفى اللحظة التى تجرى فيها المحاكمة القضائية، يكون بليغ قد جرى اغتياله معنوياً بالكامل، بدأ ينكمش نفسياً يوماً بعد يوم داخل ذاته، مرتاعاً من حجم التشفى الغامض، وأصبح الجميع بعد القضية يستحلون لأنفسهم أن يصبحوا قضاة، الناس كانوا حلم بليغ والآن أصبحوا قضاته، تولدت المأساة التى دفعته للسفر لفرنسا وبقائه فيها 5 سنوات، وفى باريس أصبحت وطأة الغربة مرضه المُستجد بقسوة، ولما عاد بعد أن أنصفه القضاء بالبراءة، أصبح شبحاً أو ظلاً، أو خيالاً من ماضٍ متوهج وحاضر لم يكتمل!».
محمود عوض من كتاب «من وجع القلب»
أبو ضحكة جنان ينتقم من سخرية الجمهور !
مرت علينا الذكرى 44 لغياب الفنان القدير حسن فايق صاحب أميز ضحكة فى تاريخ السينما فى 14 سبتمبر الجارى، فقد فارقنا فى مثل هذا التاريخ من عام 1980 بعد رحلة مريرة وممتدة مع المرض، ونقدم لقراء « كنوز » فى ذكراه ال 44 أحد مقالاته الساخرة التى كتبها لمجلة « الكواكب » وروى فيه واقعة طريفة فى بدايات عمله كمنولوجست ويقول فيها :
« بدأت حياتى بإلقاء المنولوجات، ومعروف أننى أعتز جداً بكرامتى، وقد وقع حادث يجمع بين هذين الشيئين لا يغيب عن ذاكرتى مطلقاً، كنت عضواً بفريق الهواة الذى يضم : عبد اللطيف جمجوم وحسين رياض وعباس فارس وآخرين، ولم يكن قد اختير لى دور فى إحدى روايات الفرقة، فأسند لى إلقاء بعض منولوجاتى مع هذه الفرقة، وعندما ظهرت على المسرح أخذ الجمهور يهتف «مش عايزينه.. مش عايزينه» بتصفيق منتظم، وأصبح من المستحيل أن أقول شيئاً مع ذلك الهتاف وهذا التصفيق المزعج !
لم يكن الجمهور يعرفنى، كانت فرصتى الأولى وعز علىّ أن تضيع منى، لأننى أحب المسرح وضحيت فى سبيله بتجارة رابحة، أغضبنى تصرف الجمهور فى أول استقبال وجُرحت كرامتى، لكنى تماسكت وقررت أن أتغلب على هذه العقبة، لكى تستقيم الطرق أمامى بعدها. أخذت أحرك عضلات وجهى وكأنى ألقى شيئاً، وظل الجمهور «يشوش» وأنا لا أكترث، حتى بدأ الجمهور يهدأ، وكأنهم حدثوا أنفسهم قائلين «مادام صاحبنا» تلم «بالشكل ده، نسمع بيقول إيه، والمثل بيقول اصبر على منولوجست السوء»، ولما هدأوا تماماً بدأت ألقى أول مقطع فى المنولوج الفكاهى، وأتفنن فى تعبيراتى وحركاتى، وعندما انتهيت منه دوى المسرح بالتصفيق!
وألقيت المقطع الثانى بنفس الإتقان، وتلقيت نفس الثناء، وانتظر الجمهور المقطع الثالث، فقررت الانتقام من الجمهور، وقفت أحدق فيهم كأننى أتهيأ للإلقاء، ورأيت وجوههم تطفح بشراً وابتساماً، لكنهم فوجئوا بى أقول لهم: «يا قلالات الحياء، نسيتم استقبالكم لى اللى كان زى الزفت، طب مش ها أكمل بسبب الإهانة التى تعاملتم بها معى !».
وأسرعت بالخروج من على المسرح، ولامنى زملائى بالفرقة على تصرفى، وأخذوا يلحون علىّ لأكمال المنولوج، لكنى خفت أن أفعل فيقرر الجمهور أن يكون هو المنتقم هذه المرة، فخلصت نفسى من بين إيديهم وأسرعت بالفرار من المكان!
حسن فايق «الكواكب» - 17 يوليو 1956
اختلاف الأجيال
بقلم: توفيق الحكيم
العلاقة بين الأجيال ظاهرةٌ طبيعية تستوجب الدراسة والبحث، لكنها فى مصر اتَّخذت من الصُّور ما يُثير العَجَب ؛ فلقَدْ شاهدتُ بنفسى صورتَين متناقضتَين، الأُولى عاش فى إطارها جيلنا والأجيال التى سبقتْه، فقد سمعتُ المرحوم والدى يتحدَّث عن أبيه باحترامٍ عميق فى كلِّ مقام، وكان أبوه ممَّن تعلَّموا فى الأزهر، ثم أقاموا بعدئذٍ فى الريف، يزرعون ما يملكون من أطيان، وكان والدى فى الحلقة الرابعة من عمره ورُقِّى إلى منصب القضاء، وكان أبوه يتصرَّف فى أطيانه بالرَّهن والبيع، ويعود إلى الشراء والاقتناء، يقترض ويتعهَّد ويتعاقد، فقال بعض أصدقائه «هذه تصرُّفات قانونية وابنك من خيرة القضاة، ألَمْ تستشره ؟، فما كان من الأب إلَّا أن صاح «ابني؟ أستشير العيال ! »
لم يكُن والدى يجِدُ غضاضةً فى ذلك القول، كان يتلقَّاه بابتسامةِ التسامح وشُعور التوقير، ولو أنَّه فى دخيلةِ نفسه ما أراه أعتقد أنَّ أباه كان على صواب، ما سمعتُ منه نقدًا لأبيه، كان ينحنى على يده يقبِّلها أينما الْتقى به، ويلتمس له المعاذير، ويبرِّر كثرةَ زواجه بأنَّه كلَّما تزوَّج واحدةً وجَدَها أجهلَ من سابقتها، وعلى قَدرِ ما تُسعفنى ذاكرتى، خُيِّل إلى وقتئذٍ أنَّ والدى كانت له نظرةٌ أخرى فى الصلة التى يجب أن تقوم بين الآباء والأبناء، ولكنْ حدَثَ بعدئذٍ ما جعلنى أضرب كفًّا بكفٍّ من الدَّهشة والعجَب؛ فقَدْ صِرتُ أنا بدورى فى الحلقة الرابعة وانخرطتُ فى سلك القضاء، وشاهدتُ المرحوم والدى يتصرَّف بالرَّهن تلوَ الرهن فى بيتٍ كنَّا نعتزُّ به، ويقابل أمامى كلَّ مَن هبَّ ودبَّ من السماسرة والمُرابين، يُسرُّ إليهم الحديث ويهمس لهم فى الآذان، ولا يخطر بباله قَط أن يكشف لى عن جليَّةِ الأمر وبواعث التصرُّف، أو يسألنى رأيى فيما هو مقبلٌ عليه، وأنا الذى أحقِّق كلَّ يوم فى تصرُّفات الناس وأفحص وأزِنُ ما لهم وما عليهم من حُججٍ وبيِّنات، وأتحمَّل فى أرواحهم وحرياتهم وأموالهم أخطرَ التَّبِعات!
ومع ذلك قامت فى نفسى ثورة، وما ارتفع لى فى حضرته صوتٌ، ما كنتُ ألقاه وأنا فى ذروة العمر إلا بتقبيل يده والإصغاء لنصائحه، وتلك صورةٌ طواها الزمن وظهرت صورةً أخرى لجيلٍ جديد يرى الأمور بوضعٍ آخر؛ يصرُّ على أن يكون له رأيٌ فى محيط البيت والمدرسة والمجتمع، جاء هذا الجيل فى ظروفٍ عالمية تبرِّر الانقلابات، وظروفٍ قومية تنادى بالحرية، واجدًا من الجيل السابق الذى يحتضنه مؤازِرًا لنزعته ومشجِّعًا؛ وأبناؤنا ظفروا بحقِّ إبداء الرأى فى كلِّ شيء، ما من شابٍّ يَقبَل نُصحًا، أو يلقاك فتأنس منه توقيرًا لسنِّك، أو احترامًا لجيلك، يخاطبك مخاطبةَ القرينِ للقرين، رغم الفارقُ بينكما فى المكانة والسنِّ، ما من شابٍّ يقنع اليوم بأن يكون له فى شئُون أُسرته رأيٌ، وفى مذاهب السياسة رأيٌ، وفى برامج دراسته رأيٌ، وفى أساتذته رأيٌ، ومجرَّد إبداء الرأى أصبح لا يكفيه !
جُموح الشباب، وبلبلةُ الأفكار، وزلزلةُ القيم، وسرعة التطورات الاجتماعية؛ كلُّ هذا جعل الجيل الحديث يشبُّ على عدم احترام القديم الثابت من النُّظم والأفكار والقِيَم والأشخاص، وبانهيار هذا الجدار انطلق الشباب يهيم بلا ضابطٍ ولا رابط، وتولَّدت عنده عقيدةٌ راسخةٌ هى أنَّه ليس فى البلاد رأيٌ غير رأيه الذى تستقيم به الأمور، وأنَّ من حقِّه أن يفرض هذا الرأى فرضًا على آبائه وأساتذته وقادته، كلما استطاع إلى ذلك سبيلًا، وفى الصورتَين انفصالٌ بين الأجيال، فى الماضى كان آباؤنا يفرضون علينا إرادتهم، وفى الحاضر، أبناؤنا يريدون فرض إرادتهم علينا!، أتُرانا نحن الجيل الذى بلا إرادة، أعطيناها لآبائنا تبجيلًا، ولأبنائنا تشجيعًا؟
من كتاب «ثورة الشباب»


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.