مصر هى مهد الحضارات والأديان السماوية والتسامح الدينى ويدل على ذلك المعرض المقام حاليا بالقاعة 44 بالمتحف المصرى بالتحرير والذى يحمل اسم «إله واحد وثلاثة أديان.. التسامح الدينى على أرض النيل» وذلك بالتزامن مع المعرض المقام بالمتحف المصرى ببرلين الذى يحمل نفس الاسم لكنه يتحدث عن إرث إبراهيم أبو الأنبياء. ويضم المعرض 48 قطعة أثرية تلقى الضوء على مدى التسامح الدينى والتعايش الحضارى على أرض مصر بين الأديان السماوية الثلاثة.وقد قامت «أكتوبر» بزيارة المعرض، حيث أكد د. محمود الحلوجى مدير عام المتحف المصرى على أن فكرة المعرضين متشابهة فموضوع معرض برلين هو إرث إبراهيم على أساس أن نبى الله إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، أما هنا فالموضوع هو التسامح الدينى على أرض النيل، فمصر مثلما كانت مهد الحضارات هى أيضا مهد الأديان السماوية، فالإنسان المصرى منذ أكثر من 6000 عام بدأ البحث عن الإله الخالق الواحد وبدأ ينظر حوله وإلى شروق الشمس وغروبها وتعاقب الليل والنهار واهتدى إلى الإله الواحد وآمن بعقيدة البعث بعد الموت والحساب والجنة والنار وهى أفكار ليست آدمية، إنما سماوية بمعنى أنه لابد من أن هناك أنبياء ورسلا قد بعثوا إلى مصر فى العصور المبكرة وهذا ما يؤكده القرآن الكريم حينما قال الله عز و جل مخاطبا الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فى الآية 78 من سورة غافر «ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك»، كما أن أرض مصر شرفت بأن تطأ أقدام عدد من الأنبياء أرضها مثل نبى الله إبراهيم الذى تزوج من السيدة هاجر ويعقوب ويوسف وإخوته وموسى والعائلة المقدسة، كما أن الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أوصى الصحابة فى أحاديث عديدة بأهل مصر خيرا وأن يتخذوا من أبنائها جندا كثيرا كذلك فقد تزوج من السيدة ماريا القبطية، مضيفا أن الشخصية المصرية لديها القدرة على التعايش السلمى كنسيج واحد من خلال تقبل الرأى والرأى الآخر منذ أقدم العصور وحتى اليوم. وأشار إلى أن القطع المعروضة مختارة من عدة متاحف مصرية هى المتحف المصرى بالتحرير والمتحف القبطى ومتحف الفن الإسلامى والمتحف اليونانى الرومانى والمتحف القومى بالإسكندرية وجميعها تجسد روح التعايش السلمى والتسامح على أرض مصر. ففى الفاترينة الرئيسية بالمعرض تعرض رموز للديانات الثلاث مثل اللوحة المنقوش عليها شمعدان «المينورا» الذى يعد رمزا لنشأة الخلق فى الديانة اليهودية، كما أن هذا الشمعدان كان منقوشا على درع نبى الله داوود عليه السلام، كذلك هناك أيقونة ثلاثية تجسد صلب المسيح عليه السلام فى الوسط وعلى الجانبين اللصان وهى تغلق وتحفظ للاستخدام فى أسبوع الآلام فقط، لافتا إلى أن الأيقونات تستخدم فى سرد القصص الدينى والتعاليم المسيحية إلى جانب دورها الطقسى فى الكنيسة، كما أن هناك بلاطتين من الخزف الملون المزجج «الفيانس» مكتوبا عليهما الشهادتين لا إله إلا الله محمد رسول الله. كذلك هناك حنية «نيش» على شكل صدفة ومزخرفة بزخارف نباتية ويتوسطها صليب من الحجر الجيرى مصور عليها قصة الفداء، حيث يظهر بها رجل يمسك سكينًا ويضعه على رأس صغير بينما يظهر الكبش على يمينه، ويمثل المشهد إحدى القصص الدينية المعروفة فى الأديان السماوية الثلاثة، وهى قصة التضحية وتعبر تلك القطعة عن التشابه بين الأديان الثلاثة، كما أن هناك فاترينة تضم دعامتين لحمل الستائر منحوتتين من جذوع الأشجار كانتا مثبتتين فى منتصف حائط الأيقونات فى دير القديس أبولو فى باويط بمحافظة أسيوط بهما ثقبان خلفيان لحمل العصا المستخدمة لرفع الستائر أما الجزءان السفليان فكانا داخل الحائط، تحمل كلا الدعامتين نقشا للملكين ميخائيل وجبرائيل يحمل أولهما السيف والدرع أما الآخر فيحمل عصا وقرصا يرمز لقبة السماء. ويستكمل د. محمود الحلوجى حديثه قائلا إنه يعرض أيضا كتلة حجرية منفذ عليها بالنقش البارز ثلاثة أشخاص ممثلين فى هيئة المصلين يرتدون ملابس شرقية تتألف من عباءة قصيرة وغطاء رأس مثلث ونقش لملاك وهو يحمل عصا كبيرة يخمد بها النيران وهى تروى قصة العبرانيين الثلاثة المقتطفة من كتاب دانيال الثالث، حيث رفضوا عبادة آلهة أخرى غير الله الواحد فحكم الملك نبوخذ نصّر عليهم بإلقائهم فى أتون النار ثم يجدون الخلاص الإلهى الذى ينقذهم من الهلاك، حيث أرسل الله إليهم ملاكا لينقذهم والذى قام بإطفاء النار وتعود تلك اللوحة إلى القرن السابع الميلادى. وأضاف أن الفنان القبطى اعتمد على مجموعة من الرموز لغرض دينى وذلك تفاديا وإتقاء لبطش الحاكم الرومانى الذى لم يكن يعترف بالديانة الجديدة و ظل هذا لمدة 350 عاما ويطلق على هذه الفترة عصور الاضطهاد الدينى أو عصور الشهداء لأن من كان يعتنق المسيحية كان ينكل به ويعذب سوء العذاب بواسطة الجنود والعساكر الرومان، ومن أمثلة القطع التى تحوى رموزا جزءًا من أفريز مزخرف بفرعين من عناقيد العنب وهى إشارة للسيد المسيح وهناك أيضا قطعة نسيج مطرزة من خيوط الكتان بخمسة صلبان تشكل معا صليبا واحدا وقنينة فخارية منقوشة من الجانبين، على الجانب الأول صليب والجانب الآخر مونوجرام للسيد المسيح ويتداخل حرفا الراء والخاء اللذان يشيران لاسم المسيح باللغة اليونانية «خريستوس» كما يوجد نقش مصور عليه صليب فى المنتصف يحده من كلا الجانبين اثنان من الدلافين التى ترمز للسيد المسيح المنقذ. وأشار إلى أن هناك قطعا تعبر عن التأثيرات المتبادلة بين فنون الديانات الثلاث مثل كسرة كبيرة من الخزف ذى البريق المعدنى الفاطمى منقوش عليها السيد المسيح يحيط برأسه هالة القداسة والتى كانت أحد رموز القديسين فى الفنون اليونانية والرومانية القديمة، هناك أيضا مخطوط مصور عليه مشهد لآدم وحواء فى الجنة وهو عبارة عن نشيد للمدح والتسبيح الكنسى ويسمى «الصلموديا» والتى تعنى الأناشيد والتراتيل الدينية فى العصر المسيحى، كما يوجد أيضا محراب خشبى مكتوب عليه اسم النبى صلى الله عليه وسلم وبعض الأئمة ويستخدم كبوصلة تشير لاتجاه مكة كذلك هناك جزء من طبق إسلامى عليه النجمة السداسية التى تعرف بنجمة داوود وتسمى أيضا بخاتم سليمان وترمز للشجاعة والنصر وقد اتخذه اليهود شعارا لهم نسبة لما فعله النبى داوود عندما انتصر لبنى إسرائيل على أعدائهم وقتل زعيمهم جالوت. كما توجد فاترينة تمثل الاحتفالات ومظاهر الحياة اليومية والمشاهد المحببة لفنانى العصرين القبطى والإسلامى ومن أكثر تلك المشاهد مناظر العزف والطرب لما توحى به من ترف وأبهة، فهناك نقش بارز يمثل مشهد حفل موسيقى يظهر به سيدتان إحداهما تعزف الناى بينما تضرب الثانية على الصنوج ويوجد شخصان يقومان بحركات راقصة، كذلك يوجد طبق من الخزف ذى البريق المعدنى نقش عليه سيدة تعزف على آلة ساسانية تسمى الرباب بأسلوب تجريدى حيث تجلس العازفة فى المنتصف على أرضية تزينها زخارف نباتية ودوائر مستوحاة من زخرفة عين الطاووس. يضم المعرض أيضا جزءا من أفريز يصور أشكالًا آدمية ربما لسيدات خلال جلسة طرب مثلما كان يحدث فى العصر الفاطمى، كذلك جزء من أفريز مصور عليه زخارف نباتية بالنقش البارز لإظهار الجماليات الفنية فى الأديان وحفر مفرغ على الفخار يمثل حيوان الأرنب، كما يعرض صندوق مزخرف بالنحاس ومطعم بالعاج على أرضية مزينة بالطيور والتشكيلات النباتية والوحدات الزخرفية الهندسية ويحمل كتابات عربية بالخط النسخ. وهناك فاترينة عن الكتب السماوية الثلاثة تضم مخطوطا مدونا باللغة القبطية من مزامير داوود وقد عثر عليه فى أخميم كذلك إنجيل الأربع بشائر متى ومرقص ولوقا ويوحنا ومصحف مكتوب بخط يد السيد حسين العاشقى من تلاميذ الشيخ عثمان الدسوقى فى أوله لوحتان بهما زخارف نباتية مذهبة تضم أولاهما سورة الفاتحة والأخرى أول سورة البقرة، كذلك فاترينة تسمى قديسين ورهبان تضم غلاف الإنجيل عليه نقش القديس مار مرقص أحد كتبة الأناجيل الأربعة ومؤسس الكنيسة المصرية والبابا الأول للبطريركية المصرية بالإسكندرية ومخطوط مدون عليه قوانين الرهبنة من قبل القديس باخوميوس حيث كانت الرهبنة تسير بنظام التوحد لكنه قام بجمع الرهبان سنويًا فى حياة مشتركة وشرع لها القوانين.