يبدو أن الزلزال الذى فجره قبل عامين العميل السابق للاستخبارات الأمريكية إدوارد سنودن والمختبئ حاليا فى روسيا، لن تتوقف توابعه فى الأمد المنظور، وبخاصة بعد رفض مجلس الشيوخ الأمريكى لمشروع إصلاح عملية جمع وكالة الأمن القومى لمعلومات استخباراتية فى الولاياتالمتحدة، والذى صوت عليه مجلس النواب الأمريكى فى 13 مايو الحالى. والمثير للجدل حقا أن مجلس الشيوخ الذى رفض تمرير هذا المشروع «الإصلاحى» لعملية جمع المعلومات عن ملايين الأمريكيين الذين لا علاقة لهم بالإرهاب، عرقل أيضا عملية تمديد قانون المراقبة الوطنى المعروف ب «باتريوت آكت»، والذى سينتهى العمل به فى الأول من يونيو المقبل، وهو برنامج تقول وكالة الاستخبارات الأمريكية إنه مصمم لاصطياد الإرهابيين، ولكنه يخشى من اختراقه للأنشطة الخاصة، وهو ما يعنى انتهاء الأسس القانونية لاستخدام برنامج المراقبة الوطنى. وتأتى هذه التطورات عقب كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومى الأمريكى إدوارد سنودن قبل عامين النقاب عن برنامج جمع البيانات الذى جمعت بموجبه الوكالة معلومات هائلة عن سجلات هواتف مواطنين أمريكيين وأعمالهم. وشهد الكونجرس الأمريكى خلال الأسبوع الماضى مناقشات حامية حول عملية تمديد قانون المراقبة، وبخاصة البند 215 الذى يمنح الوكالة المبرر القانونى لمراقبة سجلات الهواتف ببرامج التجسس، وهو ما يثير خلافا واسعا داخل الكونجرس الأمريكى بين رغبة البعض إعادة تجديد البند أو استبداله، وبين فريق آخر يرى أنه يجب أن يترك هذا البند ليموت زمنيا، بعد أن فشل مجلس الشيوخ فى تمرير هذا الإجراء الذى كان يحتاج إلى 3 أصوات إضافية ليحصل على الستين صوتا اللازمة لإقراره. وخاض زعيم الجمهوريين فى مجلس الشيوخ الأمريكى ماك كونيل، معركته شبه الأخيرة لتمديد القانون، حيث تقدم كونيل للمجلس أول مرة طالبا قرارا بالإجماع لتمديد العمل ببرنامج المراقبة حتى 8 يونيو المقبل، وهو القرار الذى عارضه السناتور عن كنتاكى راند بول المرشح للانتخابات الرئاسية، وفى المرة الثانية طلب كونيل تمديده حتى 5 يونيو، وهو ما رفضه السناتور رون وايندن عضو مجلس الشيوخ عن أوريجون، والذى يتزعم حملة المعارضين الجمهوريين للقانون، أما الطلب الثالث فكان للتمديد حتى 3 يونيو، ورفضه السناتور مارتن هينريك عن ولاية نيومكسيكو، وأخيرا طلب كونيل أن يمدد العمل بالرنامج حتى 2 يونيو، وهو تمديد لمدة يوم واحد فقط بعد انتهاء التفويض بالعمل فى هذا البرنامج المثير للجدل. وعقب مداولات ساخنة، تقرر الموافقة على التمديد قصير الأمد للبرنامج حتى لا يصبح عمله مخالفا، وسط جلسة شهدت مشادات كلامية بين زعيم الأغلبية ماك كونيل، والشيوخ الثلاثة المعارضين للبرنامج، وبدا السخط واضحا على كونيل حيث نزع الميكروفون، وغادر الجلسة ليعود بعد دقائق ويعلن بأن المجلس سيعود للاجتماع اليوم الأحد 31 مايو، لدراسة طرق الحيلولة دون انتهاء صلاحية برنامج المراقبة الداخلية. ويرى المعارضون لهذا البرنامج بأنه يوفر إمكانية لجمع معلومات من تسجيلات المكالمات الهاتفية لجميع الأشخاص، حيث يعطى لأجهزة الشرطة صلاحيات من شأنها الاطلاع على المقتنيات الشخصية للأفراد ومراقبة اتصالاتهم والتنصت على مكالماتهم بغرض الكشف عن المؤامرات الإرهابية. ولهذا تحدث السيناتور راند بول لمدة عشرة ساعات ونصف أمضاها على منبر مجلس الشيوخ لإجهاض التصويت على عملية تجديد بنود قانون «باتريوت»، وقال بول: «يأتى وقت فى تاريخ الأمم يسمح فيه الخوف والتهاون بتركّز السلطات وكبت الحريات والخصوصيات، وهذا الوقت قد حان الآن، ولن أسمح لقانون باتريوت، والأفعال غير الوطنية بالمضى قدما دون مواجهة». ورغم الانتصار الذى حققه المعارضون لقانون «باتريوت» حتى الآن، واحتمالات عدم التجديد لبرنامج المراقبة الوطنى، إلا أن غالبية الأمريكيين غير واثقين من التزام وكالة الاستخبارات وأجهزة الأمن الأخرى بالتوقف عن ممارسة أنشطة التجسس عليهم بعد انتهاء 3 بنود تتعلق بالشبكة الهاتفية والتنصت وملاحقة من يطلق عليهم «الذئاب المنفردة». وهو ما عبر عنه العميل السابق إدوارد سنودن فى مداخلة عبر مواقع التواصل الاجتماعى، مؤكدا أن «هناك دائما أسباب للقلق أنه بغض النظر عن القوانين التى صدرت، إلا أن بعض الوكالات فى الحكومة الأمريكية مثل وكالة الأمن القومى، مكتب التحقيقات الفيدرالى، ووكالة المخابرات المركزية، قد تجاهلت الكثير من القوانين فى الماضى، وسوف يتظاهرون بعدم فهم قوانين الكونجرس الجديدة للحد من هذه العمليات، أو ببساطة سيتجاهلونها تماما».