لم تمر أبدا هذه العلاقات فى خط مستقيم بل شهدت موجات من المد الجزر وفى هذا السياق فإن المرحلة التى تعيشها العلاقات الثنائية فى هذه الأيام تأتى فى إطار تلك المسيرة وبقراءة صفحات التاريخ يتضح أن هذه العلاقات مرت بأربع مراحل تاريخية كانت البداية فى عهد جمال عبد الناصر والتى شهدت فيها العلاقات حالة من الضبابية نتيجة لعدم الاستجابة لمطالب مصر فى تمويل إنشاء السد العالى وتسليح الجيش فكانت النتيجة اتجاه مصر للمعسكر الشرقى ثم جاءت هزيمة الجيش المصرى فى يونيو 67 وتمت القطيعة بعدها أما المرحلة الثانية فى عهد أنور السادات وتدعمت بالمساعدات العسكرية والاقتصادية لمصر والتى جعلت مصر ثانى دولة بعد إسرائيل فى تلقى المساعدات الخارجية الأمريكية وهى ما تستخدمها أمريكا بين والحين والتلويح بقطعها خاصة العسكرية البالغة 1.3 مليار دولار متناسية أنها إن فعلت ذلك تضر بمصالحها فى الشرق الأوسط وتهدد إتفاقية السلام وباقى الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل وتهدد التأمين المرورى الدائم لسفنها الحربية والمدنية فى القناة وتخرج الجيش المصرى من عباءة الالتزام بعقيدة التسليح الأمريكية وتعطى الاختيار لمصر فى التنحى عن إتباع سياسة السوق الحر فى إدارة الاقتصاد وبالتالى فإن التيار الغالب الآن فى أمريكا هو التيار المثالى الذى يدعو إلى مساندة مصر فى التوجه الديمقراطى والحفاظ على الثبات مع الجيش المصرى لأنه الممثل الوحيد الموثوق به عن الساحة والتعاون مع المخابرات لمواجهة الارهاب وضمان صفقات السلاح وهى أمور تجعل من أمريكا مستحوذة على 50% من ثروات العالم على الرغم من أن سكانها لايتجاوزون 6% من سكان المعمورة وهذا الاستحواذ لن يتم كما قال جورج كانن المخطط الاستراتيجى الأمريكى الإ إذا ضربت أمريكا بعرض الحائط العواطف والمشاعر وحقوق الإنسان والديمقراطية وعدم الاكتراث برفع مستويات المعيشة وبالتالى ليس من المستغرب نتائج تقرير معهد سيبرى السويدى الذى أكد أن الولاياتالمتحدةالأمريكية تفرض إراداتها على الدول العربية ومحاربة أى توجه نحو الوحدة الاقتصادية التى حدثت فى حرب أكتوبر 1973 التى لم تكن انتصارا عسكريا بل إقتصاديا جعل العرب قادرين على التحكم فى جغرافيا العالم ودلل المعهد على ذلك بقيمة السلاح الذى حصل عليه العرب والذى لم يتجاوز 2.8 مليار دولار عن الفترة من 1948 حتى 1973 وهى فترة الحروب الكبرى بينما الفترة من 1990 إلى 2000فتجاوزت 506 مليار دولار وهذا يؤكد أن المعونة الأمريكية كانت الستار لبسط النفوذ الأمريكى على القرار العربى. أما المرحلة الثالثة فكان فى عهد مبارك الذى حاول إعادة التوازن للعلاقات المصرية الاقليمية والدولية فعادت العلاقات العربية والسوفيتية وبلغ التعاون قمته بعد إشتراك مصر فى الائتلاف الدولى لإخراج صدام من الكويت وتم الإعفاء من الديون العسكرية الأمريكية والأوروبية ورغم ذلك شهدت العلاقات شوائب خاصة بعد إجتياح إسرائيل للبنان 1982 وغزة 2000 ومعارضة سياسة الترويج للديمقراطية فى عهد بوش الابن 2004.وبرغم ذلك كانت هناك تبعية وتعاون كبير للولايات المتحدةالأمريكية خاصة التعاون الاستخبارتى بعد أحداث سبتمبر والسماح بمرور السفن الحربية وفتح الأجواء المصرية وتوقيع اتفاقية الكويز وتزويد إسرائيل بالغاز وهو ما أدى لرضا أمريكا عن النظام ... أما المرحلة الرابعة فكانت بعد ثورة 25 يناير 2011 وهى تمثل وضع جديد لم تتوقعه السياسة الخارجية الأمريكية التى اتسمت بالجمود والاعتماد على ثوابت راسخة غير قابلة للتغيير نتيجة لدراسات ثم الاعتماد عليها فى فترة الستينيات والسبعينات والثمانينات بأن الأوضاع الداخلية فى مصر لن تتغير فى ظل عدم وجود تنمية سياسية حقيقية نتج عنها الابتعاد عن التحديث والقرب من التخلف والاستبداد والعسكرة والحكم المستبد وهو ما أدى إلى الانقسام الحاد فى الإدارة الأمريكية مابين مؤيد للثورة ويمثله التيار المثالى ومعارض للثورة ويمثله التيار الواقعى الذى يرفض أى توجيه نحو الديمقراطية فى مصر لأنها سوف تتعارض مع المصالح الأمريكية فى المنطقة وبالتالى فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية مطالبة بالبحث عن آليات جديدة لكى تتعامل مع مصر فى ظل عصر تنتقل فيه مقاليد الأمور وإدارة السياسات والحرية من يد حكومات استبدادية ليد الشعوب أو تحاول تطبيق نفس السياسات القديمة المتبعة قبل 25 يناير 2011 وهذا يتطلب تمهيد الأرض لاستبداد جديد يبدأ عادة بخلق حالة عامة من الإحباط تتبعها حالة من اليأس ما تلبث أن تنتهى بتفشى ظاهرة الخوف من الغد المقترنة بالحنين إلى الماضى المستبد وتكون أولى خطواتة مباركة عودة النظام الماضى.