مشروع «قانون السلطة القضائية» الذى تقدمت به الهيئة البرلمانية لحزب الوسط فى مجلس الشورى لمناقشته وإقراره فجر موجة من الغضب داخل مؤسسة القضاء بكل هيئاتها اعتراضًا على ما وصفه رجال القضاء بأن المشروع ما هو إلا تصفية حسابات سياسية وتعدٍ من السلطة التنفيذية والتشريعية على حدود السلطة القضائية. وما بين هذا الصراع الذى تفجر يقف الشارع المصرى يراقب بقلق أركان دولته التى تهتز، ويسأل: هل مشروع القانون الذى فجر هذا الجدل والصخب يصب بالفعل فى مصلحة إرساء دعائم دولة القانون وتطهير مؤسسات الدولة من بقايا الفاسدين من العهد الماضى.. أم أنه بالفعل صراع سياسى يستهدف فيه كل طرف تصفية خصومه من الطرف الآخر؟!فى البداية أوضح المستشار محمود خضير نائب رئيس محكمة النقض الأسبق أنه من الملاحظ والغريب أن معظم القوى السياسية الموجودة الآن على الساحة سواء كانت قوة مؤيدة أو معارضة لا تفكر فى مصلحة مصر، بل كلها صراعات سياسية من أجل تحقيق مصالح شخصية، مشيرًا إلى أن المواطن العادى لا يعنيه كل ما يحدث بقدر ما يعنيه الحصول على لقمة عيش لأولاده مع توفير الأمن والأمان، مؤكدًا أن مستقبل مصر لا يتحقق إلا بتكاتف الجميع وراء هدف واحد لأن صراعات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية شىء مفزع للغاية بسبب الطعون المستمرة من الجانبين بحق وبدون حق والبحث عن الحيل القانونية التى تقف فى وجه الآخر والنظر بعين الخيانة بهدف السيطرة على كل شىء. وأكد خضير أننى اقترحت منذ فترة ومازلت بإنشاء لجنة من الحكماء الذين ليسوا لهم أى اتجاهات سياسية أمثال شيخ الأزهر وبابا الكنيسة وطارق البشرى وفهمى هويدى وفاروق جويدة وأحمد زويل ومحمد غنيم وآمنة نصير وسمير مرقص لوضع تصور للمرحلة القادمة والتواصل مع جميع القوى السياسية سواء من داخل الحكم أو المعارضة من خلال حوار مفتوح يناسب الجميع ويحسب على مستقبل مصر ويطبق على الكل بالتقارب الفكرى والاجتماعى والاقتصادى مع احترام قراراتهم لتخطى المرحلة الانتقالية الآن من أجل تحقيق المصلحة الوطنية. فيما أشار د. شوقى السيد الدستورى أنه من الملاحظ فى الآونة الأخيرة بالسلطة التشريعية والتنفيذية الوقوف يدا بيد فى وجه السلطة القضائية وهذا المسلسل يزداد بشكل ملحوظ من وقت لآخر وهذا يعتبر عوارًا قانونيًا مؤكدًا أن القانون حسن ذلك من خلال مواده باحترام كل سلطة للسلطة الأخرى وعدم الجور والتعدى على حقوقها حتى يكون هناك تنسيق فيما بينها. وأضاف شوقى: وجدنا حصار المحكمة الدستورية وقضية النائب العام ومظاهرات تطهير القضاء كل ذلك يؤدى فى النهاية إلى تقليل من قيمة وهيبة القضاء وعدم احترام أحكامه من قبل المجتمع ويتساءل: هل هناك مذبحة للقضاة كما يشاع الآن؟ وفرض الأمر بالقوة، مشيرًا إلى أنه يجب على الحزب الحاكم أخذ العظة والعبرة من الماضى والاستفادة من الدروس التى تكاد تؤدى إلى انهيار القضاء. تنازلات وأضاف السيد أن على النظام تقديم بعض التنازلات وإعادة الثقة من خلال صوت الحكمة والبعد عن أى أعمال انتقامية أو إرهابية وفرض سيادة القانون مع احترام مراحل إصدار أى قانون ليسير فى الاتجاه الصحيح ليكون دستوريًا وهذا يمكن تطبيقه من خلال احترام السلطات لبعضها. المستشار صدقى خلوصى رئيس هيئة قضايا الدولة الأسبق، قال ل «أكتوبر» فى إجابته عن سؤال هل ما يحدث صراع بين السلطات، قال الآتى: نعم هناك صراعات بين السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية بسبب عدم احترامهم لقراراتهم مع العلم أن القانون حدد صلاحيات كل سلطة ولكن للأسف اختلط الحابل بالنابل فى الفترة الأخيرة وعناد من أجل العناد، فنجد مثلًا أنه عندما قامت المحكمة الدستورية العليا بحل مجلس الشعب السابق لوجود عوار قانونى كان رجع الصدى من قبل السلطة التشريعية والتنفيذية سلبى للغاية واعتبرته تعدى على اختصاصها فكان رجع الصدى المظاهرات والانفلات الأمنى فى كل مكان. مرحلة تاريخية وأضاف خلوصى أنه عندما قامت ثورة يوليو 52 كانت ثورة مسلحة بمعنى السيطرة عل كل شىء تحت عنوان الشرعية الثورية وفقدان كل السلطات صلاحياتها لأن البلاد كانت تمر لمرحلة تاريخية لا تحتمل الجدل. وتساءل خلوصى: كيف يكون مجلس الشورى الحالى مكونًا من 270 عضوا ومعين فيه 60 عضوا من الحزب الحاكم؟ ذلك يثير القلق والدهشة من قبل الأحزاب الأخرى مع العلم أنه يجب أن ينوب عن الشعب بأكمله فهذا يعتبر عوارا قانونيا يكون له صدى سلبى، ويتساءل أيضًا: كيف نقضى على الانفلات الأمنى ويكون هناك اختلاف بين السلطات التى تضيع القوانين وتنفذه على أرض الواقع ليكون رادعًا للجميع. نصوص وقواعد وفى نفس السياق يقول عاطف لبيب النجمى خبير دستورى: لا تمتك أى سلطة فى دولة القانون حق التصرف فى أمر إلا من خلال نصوص وقواعد قانونية ضامنة حتى لا تتعدى سلطة على صلاحيات أو قوانين سلطة أخرى وإذا حدث تعدٍ من سلطة على أخرى فلا يجب البحث عن سلوكيات أفراد السلطة وإنما لابد من النظر والرجوع إلى النصوص واللوئح القانونية. كما يؤكد النجمى: على أن الصراع الموجود على الساحة السياسية الآن يتعارض مع مصلحة المواطن المصرى فجميع السلطات تتصارع من أجل سيطرتها ومصالحها والحصول على امتيازات. مشيراً إلى أن السلطة القضائية تتصارع من أجل الحصول على امتيازات جديدة مع الحفاظ على امتيازات كل سلطة، لكن السلطة التنفيذية تتصارع من أجل السيطرة على الدولة وأيضا جهاز الشرطة الذى يحتاج لتعديل بعض قوانينه يتصارع من أجل الاستقلال عن السلطة النتفيذية والحصول على امتيازات وضمانات جديدة لحمايتها فالشرطة «تنظر أسفل قدميها» فى ظل النظام السياسى الجديد الذى يتميز بالتعددية الحزبية ومبدأ تداول السلطة. كما أن الصراع الموجود الآن غير سافر ولا يجدى شيئا فى ظل ظروف البلاد الراهنة. ونبه أن الدولة الآن لم تصل بعد إلى «دولة القانون» ولا تستطيع أن ترجع إلى دوله القوة فأصبحت دولة لا مسمى لها، ولابد من الحوار المتبادل بين جميع القوى السياسية لحل الصراع وتجاوز هذا لأزمة من أجل مصر. ماذا تريد المعارضة؟ وأكد صبحى صالح الخبير الدستورى والقيادى فى جماعة الإخوان المسلمين: أن المعارضة تنظر إلى الأمر من وجهة نظرها الخاصة وبغير موضوعية وتصور الأمر بنظرة أحادية الجانب، فلماذا يتم تصوير الوقفة أمام الدستورية على أنها حصار على الرغم من أنه لم يتم منع دخول أو خروج أى شخص أثناء الوقفة بشهادة قيادات الداخلية التى كانت متواجدة أمام الدستورية فى حين لم يتحدث احد عما حدث أمام الاتحادية والحصار الذى تم لمقر الرئاسة. مشيرا إلى أن سلطه القضاء لها كل الاحترام والتقدير وللرئاسة أيضا دون أن يتم الإعلاء من شأن سلطه على الأخرى، فالقضاء سلطة مستقلة ولها قوانينها ولا يمكن التعدى على سلطتها أو قمعها. وتسأل صالح «ماذا تريد المعارضة بالضبط». قبل الثورة المستشار حاتم الحسينى رئيس محكمة استئناف طنطا: الصراع الموجود الآن على الساحة السياسية متوقع منذ فترة طويلة ولكن لمن يتابع الأحداث وما تتعرض له السلطة القضائية من محاولات سيطرة من قبل السلطة التنفيذية ليس بجديد فهذه المحاولات موجودة من وقت ما قبل الثورة حتى الآن ولكن السلطة القضائية لها قوانينها التى لا يجوز التعدى عليها فهى سلطه مستقلة، فلكل سلطة حدود فالسلطة التنفيذية حدودها إدارة البلاد من الناحية الفنية والإدارية والمهنية وتوطيد العلاقات الخارجية وحدود السلطة القضائية إتباع القوانين والحكم فى القضايا والعمل على نشر العدل، فلا يجب تعدى أى سلطة على حدود السلطة الأخرى. وأوضح الحسينى: إن الخروج من هذا المأزق صعب جدا لأنه يحتاج لوعى من الشعب المصرى وأصبح الوعى الآن لدى الشارع المصرى بأكمله ضعيفًا جدا. ويؤكد عبد الله حسن عضو اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس الشورى وعضو الهيئة البرلمانية لحزب لحرية: أن للقضاء له كل الاحترام والتقدير ويجب أن يتم التأكيد للسلطة القضائية وللمجلس الأعلى للقضاء على أن تعديل قانون السلطة القضائية ليس للانتقام من أحد ولكن لحفظ مكتسبات القضاة ورفع قدرهم وتحصينهم ضد أى توغل من أية سلطو أخرى ولا يجب أن تؤخذ التعديلات فى قانون السلطة القضائية على أن الروح الانتقامية هى التى تسيطر على الوضع. مشيرا إلى أن صراع السلطات ليس منطقى خاصة وأن الدستور يحدد اختصاصات كل سلطة ويحفظ حدودها وفى حاله الصراع بين سلطة وأخرى فالإحتكام إلى الدستور هو الحل وفى النهاية يكون رئيس الجمهورية هو الضامن لحدود كل سلطة. ويضيف حسن أن هذه المرحلة التى تمر بها مصر مرحلة صعبة وما يحدث ليس صراع سلطات بقدر ما هو صراع أرادت ومن الضرورى اختيار الوقت المناسب لطرح ومناقشه الامور محل الخلاف فبعض المشاريع إن لم التطرح فى الوقت المناسب تضر أكثر من ما تنفع. لا مجال المستشار أشرف محمود نائب رئيس محكمه النقض:الصراع الموجود الآن بين السلطات لا أساس له ولا يوجد له مجال فى ظل ظروف البلاد الراهنة فكل سلطة لها حدودها التى يجب ألا تتعداها فحدود السلطة التنفيذية تكمن فى الإشراف على مجلس الشورى ومجلس الوزراء وعلى المواطنين ومناقشة أزمات البلاد - والمشاكل السياسية وأمور الدولة الخارجية والداخلية أما السلطة القضائية فحدودها تنفيذ القوانين ونشر العدل فالقضاء سلطة مستقلة بذاتها ولديها القوانين الكافية واللازمة «لتطيهر نفسه بنفسه». وأشار محمود إلى أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية أن تتدخل فى أحكام القضاء لأن القاضى يحكم بناء على قوانين وأدلة وبراهين «وبما يمليه عليه ضميره» الذى حلف اليمين من أجله حتى إذا أخطأ القاضى يكون الخطأ غير مقصود. وأضاف محمود قائلا: للخروج من هذه الأزمة يجب الجمع بين شيوخ القضاء والمجلس الأعلى للقضاة ونادى القضاة ورئيس مجلس الدولة ورئيس المحكمة الإدارية وقيادات القضاة وبين الرئيس مرسى ووضع حدود للتداخلات والوصول إلى حلول ترضى جميع الأطراف ومن هذه الحلول أن يصدر نص قانونى بعدم تدخل وزير العدل فى تعين القضاة داخل أى محكمة فالقضاء أقدر وأعلم بمن يستحق العمل داخله ولكى نصل إلى استقرار البلاد يجب أن يكون هناك حوار ودى لعبور هذه الأزمة.