أول ما يلفت النظر فى باب السلطات العامة بمسودة الدستور الجديد، وفيما يتعلق بالسلطة التشريعية تحديدا.. هو انتهاء ظاهرة «سيد قراره».. حيث نصت المادة 85 على أن «تبطل العضوية من تاريخ إبلاغ البرلمان بحكم محكمة النقض».. والتى تختص وحدها فى الفصل فى صحة العضوية. كما لوحظ أيضا التأكيد على منح مجلس الشيوخ (الشورى) حق التشريع، حيث تنص المادة 102 على «.... وكل مشروع قانون يقرره أحد المجلسين يبعث به إلى المجلس الآخر، ولا يكون قانونا إلا إذا قرره المجلسان». ولكنى لم أفهم جيدا نص المادة 104 والتى تقول «يبلغ البرلمان رئيس الجمهورية بكل مشروع قانون أقره، فإذا اعترض عليه رئيس الجمهورية رده إلى البرلمان خلال ثلاثين يوما من تاريخ إبلاغه، وإذا لم يرد مشروع القانون فى هذا الميعاد، أو أقره البرلمان ثانية بعد رده إليه بأغلبية عدد الأعضاء فى كل مجلس، صار قانونا وأصدر.... إلى آخر المادة». وهو ما يعنى عدم اشتراط موافقة رئيس الجمهورية على التشريعات الصادرة من البرلمان «بغرفتيه النواب والشيوخ»، وبأغلبية أعضائهما عند نظر المشروع فى المرة الثانية وبعد ما اعترض عليه الرئيس فى المرة الأولى.. بل يصبح الرئيس ملزما بإصدار القانون خلال خمسة عشر يوما من إرساله إليه بعد إقراره نهائيا من مجلسى البرلمان.. وهو ما نصت عليه المادة 149 من المسودة. ولوحظ أيضا اختلاف فى شروط الترشيح بالنسبة لمجلس النواب عن الشيوخ، فالأول نزل بسن الترشح له إلى 25 عاما، وأن يكون المرشح حاصلا على شهادة إتمام التعليم الأساسى على الأقل، بينما رفع السن عند الترشح لمجلس الشيوخ إلى 40 عاما واشترط حصول المرشح على إحدى شهادات التعليم العالى. كذلك لم تحسم المسودة كيفية حل الخلاف الذى قد يحدث بين المجلسين النواب والشيوخ، ولكنها احتكمت إلى الشعب فى استفتاء عام عند الخلاف بين الحكومة ومجلس النواب وقيام الرئيس بحل المجلس بناء على طلب الحكومة وإذا لم يوافق الشعب على الحل.. وجب على الرئيس تقديم استقالته، ولكن لماذا يقدمها الرئيس إلى مجلس النواب فقط؟.. ولماذا لا يقدمها للبرلمان مجتمعا (النواب والشيوخ)؟ وقد أحسنت المسودة عندما أوجبت على مجلس الشيوخ أن يقوم بمهمة مجلس النواب عند حله.. على أن تعرض التشريعات والقرارات التى يصدرها فيما بعد على مجلس النواب عند عودته. ولكن يلاحظ أيضا أن شروط العضوية سواء للنواب أو الشيوخ مازالت خالية من نسبة ال 50% عمالا وفلاحين، وقد طالبنا من قبل بالاستمرار فى إقرار تلك النسبة ولو لعشر سنوات مقبلة.. أى دورتين مقبلتين لمجلس النواب على الأقل. ومع ذلك فقد أحسنت المسودة عندما لم تسمح لأعضاء الحكومة بعضوية البرلمان.. باعتباره الرقيب على أعمالها وله الحق فى مساءلتها وطرح الثقة بها. أما فيما يتعلق برئيس الجمهورية فإننى أنضم للذين طالبوا بإعادة صياغة نص المادة 133 والتى تقول «إن رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة، وهو رئيس السلطة التنفيذية، ويرعى مصالح الشعب، ويحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه.. ويرعى الحدود بين السلطات». نعم رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة.. ومن هذا المنطلق يجب عليه أن يرعى الحدود بين السلطات، فكيف ينص على أنه رئيس السلطة التنفيذية.. مع أنها إحدى سلطات الدولة الثلاث.. خاصة أنه وطبقا لنص المادة 144 أنه يضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، بالاشتراك مع الحكومة، كما أنه يتولى سلطاته (التنفيذية) بواسطة رئيس الوزراء ونوابه والوزراء.. فيما عدا تلك المنصوص عليها بالمواد الأخرى.. والخاصة برئيس الدولة. والمعنى أن هناك «حرجا» فى أن يكون رئيس الدولة هو رئيس السلطة التنفيذية، بينما عليه أن يراعى الحدود بين السلطات الثلاث. *** أما فيما يتعلق بمنصب النائب واختصاصاته فلم يفصح معدو المسودة عن اتجاههم أو نيتهم الحقيقية.. هل هو منصب شرفى؟.. أم هو منصب حقيقى؟.. ومن يتولاه له حقوق وعليه واجبات.. ومسئوليات. فالمادة 140 استبدلت كلمة «يجوز» فى بدايتها إلى كلمة «يعين» رئيس الجمهورية خلال ستين يوما على الأكثر من مباشرة مهام منصبه، نائبا له أو أكثر، ويحدد اختصاصاته، فإذا اقتضت الحال إعفاءه من منصبه وجب أن يعين غيره، وتسرى الشروط الواجب توافرها فى رئيس الجمهورية والقواعد المنظمة لمساءلته على نواب الرئيس. والمعنى أنه هناك شروط معينة يجب توافرها فيما يعين نائبا للرئيس.. بل إنه يساءل- لو أخطأ- كما يساءل الرئيس. فلماذا عندما يخلو منصب الرئيس لمانع مؤقت (المرض أو المحاكمة) يتولى مهامه رئيس الوزراء. وكذلك عندما يخلو المنصب تماما فى حالات الاستقالة أو الوفاة أو العجز الكلى.. يتولى مباشرة مهام المنصب رئيس مجلس النواب.. أو رئيس مجلس الشيوخ إذا كان مجلس النواب منحلا؟! ألم يكن السادات نائبا لعبد الناصر؟.. ألم يكن مبارك نائبا للسادات؟.. فلماذا يحرم النائب الجديد فى العصر الجديد من مباشرة مهام منصب الرئيس فى حالة غيابه بسبب مانع مؤقت أو استكمال مدته فى حالة قيام مانع دائم؟! هل لأن الرئيس هو الذى اختاره.. بينما الشعب انتخب رئيس النواب، وكذلك رئيس الشيوخ؟.. وهل رئيس الوزراء الذى سيختاره الرئيس والذى سيحل محله فى حالة حدوث مانع مؤقت منتخب من الشعب؟.. هل هناك نص فى الدستور على ذلك؟. التحديد مطلوب.. والصراحة.. راحة.. [email protected]