لم يكن يدرك أحد أن تتزايد أزمة الاستهلاك والغذاء فى مصر خلال العقود الأخيرة لدرجة العجز عن الاكتفاء الذاتى من السلع الأساسية، وأن تتحول مصر إلى دولة استهلاكية فى المقام الأول، رغم أن القدماء المصريين هم من علّموا العالم فنون الزراعة. والخبراء أكدوا ضرورة ترشيد الاستهلاك والاعتماد على المنتجات المحلية لتخفيف الضغط على ميزان المدفوعات وتعويض الفاقد فى الاحتياطى النقدى الأجنبى، خاصة فى شهر رمضان الذى تتزايد فيه أنماط الاستهلاك الخطأ التى تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المصرى، فضلاً عن زيادة الضغط على الأسر الفقيرة التى تعانى من الدخول المنخفضة.وطالب الخبراء بضرورة الاستفادة من الأبحاث والخبرات العلمية فى تعاظم الاستفادة من المساحات المزروعة من خلال زيادة الإنتاج واستخدام الأساليب الحديثة، بالإضافة إلى تنفيذ المشروعات الاستراتيجية فى سيناء ومشروع ممر التعمير لزيادة الرقعة الزراعية. فى البداية وحول رأيه فى هذه القضية الشائكة يقول د. عاطف العوام رئيس جامعة عين شمس السابق إن سلوكنا الاستهلاكى لا يخضع لأى منطق علمى، ويخالف جميع التوقعات ولا يعتمد الاستهلاك على المعلومات المؤكدة فمثلا مجرد ظهور شائعة عن وجود أزمة فى البنزين تتجه السيارات إلى محطات الوقود حتى ولو كان لديها مخزون يكفى لعدة أيام! وهذا السلوك يسرى فى غالبية السلع الاستهلاكية، والمواطن المصرى بطبعه يوجه نسبة كبيرة من دخله إلى الانفاق على الاستهلاك حتى لو تجاوز ذلك حاجته الشخصية، إنما يقلد الآخرين، وفى بعض الأحيان يقترض لكى يشترى سلعا استهلاكية يمكن الاستغناء عنها بكل سهولة، وهذا معناه توجيه غالبية الدخل للاستهلاك ولعلاج هذا الأمر نحتاج إلى مشروع قومى يبدأ من التوعية عبر وسائل الإعلام ومؤسسات التعليم، ولابد أن يدرك الجميع خطورة النمط الاستهلاكى غير المبرر، وعلى جمعيات حماية المستهلك الدور المهم لترشيد سلوكيات المستهلكين، حتى نصل إلى قناعة عامة بأن عدم تغيير النمط الاستهلاكى للمصريين يسبب ضررا شديدا للفرد وللاقتصاد المصرى. وبالنسبة لتغطية احتياجاتنا من القمح يجب أن ترتبط زراعة القمح بالسياسة الزراعية للدولة.. ومن الممكن تخصيص مساحات كافية لزراعة القمح، أسوة بالسعودية التى بدأت فى التوسع فى زراعة القمح. وبالنسبة للانفاق فى شهر رمضان يقول العوام إنه لابد من منع استيراد السلع التى تستنفذ جزءا كبيرا من موارد الدولة.. ولا تحتاج لها الا قلة معينة ذات مستوى دخل مرتفع.. والاتجاه بصفة عامة إلى زيادة الإنتاج خاصة فى السلع الضرورية والمواد الغذائية. دعم محدودى الدخل وتقول د. سامية الجندى أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة الأزهر إن الأغنياء وراء انتشار ظاهرة الاستهلاك.. أما الطبقة الوسطى والأقل من الوسطى فهما الأقل استهلاكاً للسلع بكافة أنواعها، مؤكدة أن غير القادرين لا يشترون إلا احتياجاتهم الضرورية.. لأنهم فى الأساس ليس لديهم دخل يكفى احتياجاتهم الأساسية.. والأغنياء هم الذين يتجهون إلى الشراء والتخزين فى بعض الأحيان.. لهذا فلابد من مطالبة طبقة الأغنياء بترشيد الاستهلاك حتى لا يتسبب ذلك فى قلة السلع، خاصة الضرورية فى الأسواق. البداية من الأسرة ويؤكد د. عدلى رضا رئيس قسم الإذاعة والتليفزيون بجامعة القاهرة أن الإعلام بمفرده لا يستطيع بناء الوعى لترشيد الاستهلاك.. فهذا الأمر يبدأ من المنزل، ودور الأب والأم والبيئة المحيطة التى تعلم الطفل كيف يرشّد إنفاقه.. ولا ينحصر ترشيد الاستهلاك على السلع فقط، إنما يمتد إلى ترشيد الخدمات من كهرباء ومياه.. وكذلك المحافظة على المرافق العامة للدولة. ويواصل د. عدلى رضا حديثه بأن للإعلام دورا مكملا بعد الأسرة.. ويتمثل فى تقديم برامج ارشادية وتنويهات وإعلانات. من ناحية أخرى يقول د. محمود علاء عبد العزيز رئيس قسم الاقتصاد الزراعى بالمركز القومى للبحوث إن مصر تستورد 50% من القمح و90% من الزيوت و40% من اللحوم و30% من الأسماك و50% من الدواجن.. بالإضافة إلى أن شهر رمضان يتميز بزيادة الاستهلاك خاصة فى الحلويات والياميش.. ونحن نستورد لحوما ودواجن وأسماكا لسد الفجوة الغذائية فى شهر رمضان.. وتستلزم عملية الاستيراد نشاطا كبيرا فى الموانى والحجر الصحى.. ومعظم عمليات الاستيراد تتم بواسطة رجال الأعمال وليس من خلال الدولة.. لذلك تجب المحافظة على صحة المواطن بالمراقبة الصحية الدقيقة للواردات خاصة السلع الغذائية. تنمية صحارى مصر د. محمود رياض الجبالى أستاذ الاقتصاد بالمركز القومى للبحوث يطالب أجهزة الدولة بتنفيذ مشروع فاروق الباز للتنمية فى الصحراء الغربية.. وتنفيذ مشاريع شمال وجنوب سيناء بهدف زيادة المساحات المستصلحة للزراعة.. خاصة مع وجود مصادر المياه الجوفية.. وكذلك مشروع منخفض القطارة.. كما أنه توجد خطط فى مراكز البحوث الزراعية لاستنباط أصناف جديدة من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية عالية الإنتاج مثل القمح والذرة والأرز والخضراوات والفاكهة، كما أن وزراة التضامن الاجتماعى عليها دور فعال فى ضبط الأسعار، والقضاء على الاحتكار. تناول الوجبات السريعة ويقول د. حسن حسونة أستاذ التغذية بالمركز القومى للبحوث إن المصريين لهم أنماط غذائية عديدة نظراً لاختلاطهم بالشعوب الأخرى مثل الأتراك والفرنسيين والإنجليز الذين تأثروا وأثروا فى الثقافة الغذائية.. ومثل الفاطميين ادخلوا علينا أغذية مثل الكنافة وغيرها من الحلويات وجعلوها عادة فى شهر رمضان.. وللأسرة المصرية عادات سلبية منها الحديث عند تناول الطعام.. وهذا يؤدى إلى أضرار السمنة وزيادة الوزن. وظهرت فى الآونة الأخيرة الوجبات السريعة.. وهذه الأنواع من الأطعمة ضارة صحياً إذ تحتوى على كميات كبيرة من الدهون والسكريات التى تؤدى إلى رفع ضغط الدم.. ولذلك يجب الابتعاد عن تناول هذه الأطعمة.. والاتجاه إلى تناول الوجبات المصرية الأصيلة.. والتى يتم طهيها بالطرق السليمة.. على أن نتناول منها كميات متوسطة للحفاظ على الصحة من ناحية.. وترشيد الانفاق والاستهلاك من ناحية أخرى. مصر دولة زراعية وتأسف د. ليلى عبد الوهاب أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة أننا شعب لا ينتج طعامه!.. وغالبية طعامنا يأتينا من الخارج.. رغم أننا دولة زراعية منذ فجر التاريخ.. وقد علّم أجدادنا المصريون العالم فنون الزراعة وكانوا رواداً لها.. ونحن منذ عهد الانفتاح تخلينا عن إنتاج طعامنا وزادت الفجوة الزراعية والصناعية.. وبالرغم من أننا نملك الامكانات المادية والموارد البشرية فإننا لم نستطع تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الغذاء.. وهذه مسئولية الدولة الآن. ويرى محمود عليان الخبير الاقتصادى أننا نعيش حالة حرب اقتصادية.. وأن الاقتصاد المصرى فى حالة لا يحسد عليها.. ولذلك فلابد أن نقلل من الاستيراد، وكذلك التوقف تماماً عن استيراد السلع التى يوجد لها مماثل محلى مثل منتجات الياميش بمختلف أنواعها.. لأن تقليل الاستيراد سيخفف العبء على ميزان المدفوعات.. وأخيرا فلابد من زيادة فرص العمل للشباب، وبذلك نزيد الإنتاج.. والأهم التوجه إلى الاستقرار ووقف المظاهرات والاعتصامات. شهر التقرب إلى الله ويأمل د. إسماعيل شلبى أستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق أن يكون شهر رمضان للعبد والتقرب إلى الله جل شأنه.. وعندما نصوم علينا أن نعيش الحالة التى يعيشها الفقراء والمساكين.. والذين لا تتوافر عندهم احتياجات الطعام الأساسية.. ومن ثم يجب أن نعتدل فى المأكل والمشرب.. ونقلل النفقات فى شهر رمضان.. لكن بكل أسف نرى العكس، حيث تقام الموائد الكبيرة والعزومات التى تزيد من السفه فى الانفاق ثلاثة أضعاف الانفاق العادى.. وهذا مخالف لما يطالبنا به ربنا ورسولنا الكريم بأننا لا نسرف «ولا نبذر إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين».. وشهر رمضان هو شهر الصوم والعبادة والتقرب إلى المولى. وينهى د. إسماعيل شلبى حديثه يجب أن نزيد من الانفاق على الفقراء والمساكين فى شهر رمضان بالذات.. وأن نكثر من قراءة القرآن الكريم. يؤكد الدكتور: طه السيسى الخبير فى الثروة الحيوانية والأسماك بالمركز القومى للبحوث الزراعية بجامعة القاهرة أنه لابد من توعية الموطنين عن طريق الدين والتوعية الثقافية والتوعية الصحية بأهمية ترشيد الاستهلاك فى الأطعمة وخاصة فى شهر رمضان والحد من العادات والتقاليد التي تؤدى إلى الاستهلاك العشوائي وأننا فى حاجة إلى المعرفة بأن الاستخدام الجيد وحسب الحاجة له العديد من الفوائد وخاصة فيما يتعلق بترشيد الاستهلاك وخفض الأسعار إلى جانب الفوائد الصحية لأن سوء الاستهلاك فى الطعام يؤدى إلى السمنة والعديد من الأمراض مثل الضغط وأمراض الروماتيزم لذلك فلابد من التوعية الثقافية حتى نتجنب تلك المشكلات والتي تؤدى إلى استنزاف الاقتصاد المصرى وطالب بزيادة رقعة الأرض الزراعية لتحقيق الاكتفاء الذاتى. وتشجيع الفلاح عن طريق رفع العائد المادى الذى يتناسب مع عائد ثمن المستورد من الخارج وخاصة محصول القمح والاعتماد بالقدر المستطاع على المنتجات والمحاصيل المصرية وتشجيع المواطن وتحفيزه فى استخدام ما هو مصري عن طريق تحسين مستوى الجودة إلى جانب الأخذ فى الاعتبار أن الإهدار فى جمع ونقل المحصول وتخزينه يؤدى إلى إهدار كميات كبيرة من المحاصيل الزراعية وخاصة القمح الذى يستخدم كميات منه كعلف للماشية رغم وجود العديد من الحلول العملية والبحوث فى جميع المجالات ولكن المشكلة الرئيسية هى نقص التمويل لتفعيل تلك الأبحاث وأن تدخل حيز التنفيذ وذلك عن طريق توفير الوسائل التى تساعد فى النمو الزراعى. ومن جانبه أكد الدكتور: سيد عبد العزيز رئيس شعبة الدواجن أن إنتاج مصر من الدواجن هذا العام جيد وأن الكميات المعروضة فى السوق تكفي لحاجة المواطنين على الرغم من ارتفاع أسعار الأعلاف الذى قد يؤثر على ارتفاع أسعار الدواجن خلال شهر رمضان ولابد من تغير النمط الاستهلاكى للمواطن المصري على اختلاف المستويات الاجتماعية وأن يكون الاستخدام حسب الاحتياجات الأساسية فقط والبعد عن عملية التخزين لبعض السلع والمواد الغذائية خاصة خلال شهر رمضان وبكميات كبيرة قد لا نستخدم سوي جزء بسيط منها والباقي قد يتلف نتيجة التخزين لذلك فإن الاستهلاك المفرط وهذا النمط العشوائي يؤدى إلى نقص العديد من السلع الغذائية فى السوق المحلية مما يترتب عليه ارتفاع الأسعار، مشيراً إلى أن تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الثروة الحيوانية بمختلف أنواعها يكمن فى إنتاج نوع من الأعلاف المصرية والمنتج محلياً بنسبة 100% وتشجيع المربين على الاستمرار فى عملية التربية وزيادة أعداد القطعان سواء بالنسبة للثروة الحيوانية أو الدواجن وبالفعل فنحن فى الطريق إلى تصنيع نوع من الأعلاف المنتج من استخدام المخلفات الزراعية مما يحقق لنا الهدف المطلوب من توفير أعلاف محلية الصنع وبسعر منخفض فى متناول جميع المربين. ومن جانبه يرى الدكتور: محمد رجائى بإدارة الطب البيطرى أن الوصول إلى الاكتفاء فى اللحوم الحمراء والبيضاء يحتاج إلى تعاون مشترك بين العديد من الجهات ومؤسسات الدولة ما بين وزارة الزراعة وإدارة الطب البيطري ومراكز البحوث ووزارة التجارة الخارجية من أجل تكوين فريق عمل بهدف توفير الأعلاف الخضراء والجافة بأسعار مناسبة ومنخفضة وتوفير الأبحاث.