فى الوقت الذى سادت فيه أجواء الهلع فى عدد من العواصمالغربية بسبب «أزمة الطرود المفخخة»، بعد العثور على طردين ملغمين فى طائرتين بدبى وبريطانيا كانتا فى طريقهما من اليمن إلى الولاياتالمتحدة، اتخذت عدة دول أوروبية إجراءات أمنية مشددة فى مطاراتها وعززت مستويات المراقبة على الطائرات القادمة إليها خصوصا القادمة من الشرق الأوسط. ومع تسارع الأحداث فى الولاياتالمتحدة عقب العثور على الطردين المرسلين جوا من اليمن، اعتبرهما الرئيس باراك أوباما «تهديدا إرهابيا خطيرا» متهما تنظيم القاعدة بالتخطيط لشن هجمات جديدة على أراضى بلاده،وذلك خلال مؤتمر صحفى عقده بالبيت الأبيض وقال إن الطردين كانا موجهين لمراكز يهودية بشيكاغو، وجرى اعتراضهما فى مطار دبى ومطار إيست ميدلاند البريطانى. فى الوقت نفسه دعا رئيس الوزراء البريطانى ديفيد كاميرون إلى هزيمة ما وصفه ب «سرطان الإرهاب» فى منطقة شبه الجزيرة العربية، وقال كاميرون أمام مجلس العموم البريطانى إن «حقيقة أن القنبلة جرى حملها عبر طائرة شحن من اليمن إلى الإمارات ثم إلى ألمانيا وبريطانيا فى طريقها إلى الولاياتالمتحدة، تُظهر اهتمام العالم كله بالعمل معًا للتعامل مع هذا الأمر». ومن جانبها أعلنت ألمانيا وقف استقبال الرحلات الجوية القادمة من اليمن، كما أعلن وزير الداخلية الإيطالى روبرتو مارونى أنه بعد اكتشاف الطرود المفخخة ستكثف إيطاليا مراقبة الطائرات التى تهبط فى مطاراتها وعلى وجه الخصوص تلك القادمة من دول من الشرق الأوسط. والأمر الذى بدا جليا منذ الوهلة الأولى لمعالجة الغرب لهذه الحالة الإرهابية الجديدة أن أسلوب التلويح بالقوة مازال هو الأسلوب الوحيد المعتمد لدى العقلية الغربية، حيث هدد الرئيس الأمريكى أوباما عقب اكتشاف الطردين مباشرة بتدمير تنظيم القاعدة فى اليمن، بينما تعهد مستشار الرئيس الأمريكى لشئون الأمن القومى جون برنان بمضاعفة الجهود لتدمير تنظيم القاعدة، معتبرا أن فرع القاعدة باليمن أخطر من باقى فروع التنظيم. وبهذا الأسلوب تواصل واشنطن ومعها حلفاؤها فيما يسمى «الحرب على الإرهاب» نفس المنوال الخاطئ الذى أدى خلال فترة الرئيس السابق جورج بوش الابن إلى مزيد من الحوادث الإرهابية حول العالم ومزيد من الجماعات المسلحة والخطرة على أمن الدول،وخصوصا فى منطقة الشرق الأوسط.وهو الأمر الذى دفع بالسياسى اليمنى صلاح الصيادى الأمين العام لحزب الشعب الديمقراطى إلى اتهام الولاياتالمتحدة بالتخطيط لاحتلال اليمن كما فعلت فى العراق، فى وقت شهد فيه البرلمان اليمنى جلسة صاخبة بحثت قضية الطرود المشبوهة التى اعتقلت على خلفيتها اليمنية حنان السماوى ثم أطلق سراحها لاحقا. وقال الصايدى إن الأمريكيين يسعون للسيطرة على باب المندب، وجزيرة سقطرى بالمحيط الهندى، لأنه كما يبدو أن المنطقة قادمة على حدث كبير لا نعلم ما هو، وأعتقد أن اليمن سيكون ضمن هذا الحدث الكبير. وكانت مؤسسة أبحاث تقدم المشورة لوزارة الدفاع والجيش الأمريكى، قد أوصت بالاستعانة بالشرطة والاستخبارات بدلا عن الجيش لمحاربة تنظيم القاعدة والتخلى عن استعمال مقولة «الحرب على الإرهاب» واستبدالها «بمكافحة الإرهاب». ودعت الدراسة التى أجرتها مؤسسة «راند كوربوريشن» واشنطن إلى تغيير استراتيجيتها فى محاربة القاعدة، مشددة على أن الشرطة والاستخبارات تشكلان العمود الفقرى فى الجهود الأمريكية، نظرا إلى أن هذه الأجهزة هى أفضل تسليحا لخرق المنظمات «الإرهابية» ومطاردة قادتها، واعتبرت الدراسة أن القوات العسكرية المحلية للدول غالبا ما تعتبر أكثر شرعية للتحرك من الولاياتالمتحدة، ولديها معرفة أكبر بالبيئة العملانية. وحذرت الدراسة من أنه إذا كان الجيش الأميركى استطاع أن يلعب دورا حاسما فى تحسين القدرات المحلية للدول لمحاربة من وصفهم بالمتمردين، فإن تدخله فى مجتمعات مسلمة على العكس قد يحرك «نزاعات إرهابية». إذن على الولاياتالمتحدةالأمريكية وحلفائها فى «الناتو» أن تغير من سياساتها واستراتيجياتها حيال الحركات المسلحة والجماعات الإرهابية التى تنامى نفوذها خلال الحرب على الإرهاب، ولابد من العمل والتعاون والوقوف مع الدول التى تتواجد فيها هذه التنظيمات من أجل القضاء عليها دون التدخل فى الشئون الداخلية لهذه الدول أو ارتكاب أية حماقات عسكرية جديدة تزيد اشتعال النيران فى المنطقة.