حينما يفكر الإنسان المصري في الهجرة إلي بلد ما.. فإنه قد يكون مضطرا لذلك عابرا مع سحابة الطموح آملا تحقيق المستقبل الأفضل، أو لأنه لم يجد الفرصة المناسبة التي تتفق وإمكاناته العلمية أو خبراته في تخصصه، وفي أحيان أخري يهاجر الإنسان نتيجة اضطهاد نفسي أو معنوي أو ديني، وتتم الهجرة أيضا نتيجة انعدام فرص العمل في بعض الأحيان. فالمهاجر يحلم بغد أفضل ليحقق ذاته وسعادته الأسرية، وتتنوع البلاد التي يهاجر إليها المصريون ما بين الدول العربية الشقيقة وباقي دول العالم المتقدمة وقد لا تخضع الهجرة للاحتياجات الدقيقة لهذه الدول مما يسبب أحيانا بعض المعاناة للمهاجر في الحصول علي فرصة عمل مناسبة مما يدفع الكثير من هؤلاء المهاجرين لرفع مستوياتهم الدراسية، بمواصلة الحصول علي العلوم، أملا في الحصول علي فرصة عمل أفضل، ولا يخفي علي أحد نبوغ العديد ممن هجروا مصر إلي دول العالم، فقد لمعت نجوم مصرية عديدة في شتي المجالات العلمية، ووضحت لنا سلوكيات الإنسان المصري في الخارج بين الجد والاجتهاد والطموح، إلا أن المعايير اختلفت بين دولة وأخري في جدية المعاملة التي يلاقيها المهاجر وهل هي معاملة تحكمها معايير الاحترام لحقوق الإنسان من عدمه، وهي بالتأكيد تختلف بين دولة وأخري مقياسا لما حصلته هذه الدولة أو تلك من تقدم وحرية تتيح للمهاجر فرصة سعيدة لإقامته علي أرض الدولة المضيفة، ولو قارنا بصراحة ودقة حياة المهاجر المصري أو العربي إلي الخارج لوجدنا أن نسب التفوق في العالم تختلف عن نسب التفوق لمن هاجروا إلي البلاد العربية، وأدلل علي ذلك بتعليقين التعليق الأول هو مدي نبوع المصريين في العالم الغربي ورغبة الغالبية علي الإقامة خارج مصر، أما التعليق الثاني فهو تلك المعاناة التي يتألم منها عشرات الآلاف من المصريين في معظم الدول العربية فهناك المئات وربما أكثر وقد ضمتهم غياهب السجون في السعودية وليبيا السواد الأعظم منهم يحلم بلحظة الإفراج عنه في أعياد الميلاد لملوك هذه البلاد ينتظرون هذه السنوات أو الشهور أملا في هذا العفو المهين. ولقد سمعنا منذ فترة قصيرة عن المحنة التي تعرض لها طبيب مصري في السعودية والحكم عليه بالجلد، والتي ربما تفضي بحياة الإنسان الذي ليس بمقدوره احتمالها، وأيضا ذلك الشاب المصري الذي قاضوه في السعودية لاحتفاله بعيد ميلاد ابنه الذي جاءت به السماء بعد سنوات من الزواج! وهناك المئات أيضا في سجون ليبيا يفرج عن بعضهم علي فترات متباعدة! لا أعتقد أننا صرنا شعبا سيئا لهذا الحد.. قد يحدث ذلك في بلاد أوروبية ولكنني أعتقد لا يرقي إلي مستوي 1% مما يحدث لأولادنا في بعض بلاد العرب. ألم يقدر بعض قادة هذه البلاد فضل مصر علي كل عالمنا العربي عبر تاريخ مضي فقد أفاضت عليهم بالمعلمين والبعثات العلمية والعسكرية أيضا وتقديم المساهمات الاجتماعية والدراسية كان ذلك عبر عقود لم يكن النفط فيها سيدا متوجا. ولعل أسوأ ما يقابل أي إنسان مهاجر إلي هذه البلدان نظام الكفيل الذي يمنح الفرصة لعديمي الضمائر ليتحكموا في خلق الله وكأنهم رعاياهم! رغم أن هناك بوادر أمل بدأت تلوح في الأفق ببعض هذه البلاد تنادي بإلغاء الكفالة لكنها لم تتحقق كما يجب، ونحن نشجع وندعو هذه الدولة التي مازالت قوانينها تمثل العبودية في ثوب تخفي بالقانون نشجعها أن تعيد النظر في القرن الواحد العشرين وتنظر للتقدم الذي حققه العظماء في هذا العالم، حتي تعود للإنسان حقوقه وآدميته، ولست أدري ما الذي يرغم الإنسان الحر علي قبول هذه الأصفاد المقنعة ليهزم كرامته وإنسانيته في داخله، الحر يقبل أن يبقي في بلده حتي "لو أكل عيش وملح!" وعلي ضوء كل هذه الثوابت العنيدة التي صنعتها يد اغتالت كرامة الإنسان لذلك نطالب بإعادة وزارة الهجرة والتي اختفت دون مبرر وفي ظروف غامضة جدا هل يستطيع مسئول حكيم وعاقل في مصر أن يقنعنا لماذا ألغيتم وزارة الهجرة؟! إن هذه الوزارة هي خير من ينظم هجرة الإنسان المصري وتحفظ له كرامته خلال منظومة مدروسة وثابتة وتنسيق دقيق مع كل بلدان العالم تصون للمهاجر هيبته وسعادته. إن هذه الوزارة لن تعمل بمفردها وهي موجودة في معظم دول العالم المتقدم والذي يغار علي الأبناء ويحفظ لهم كل ما هو مناسب. أبناء مصر هم ثروة يجب ألا نتجاهلها، وهي قيمة يجب ألا نفرط فيها بحال الأمر يحتاج إلي قرار حكيم بعد دراسة متأنية لأن ضم شئون المهاجرين علي وزارة القوي العاملة هو أكبر أخطاء التنظيم الوزاري، فحجمهم ومشاكلهم أكبر بكثير من أن تعبر عنها آلاف الشكاوي المهملة في السفارات بل والقنصليات في العالم، إن كرامة المهاجر ونبوغه تحتاج إلي جهود مخلصة لحمايتها حتي نصل إلي الأفضل ومن هذا الأفضل يدور السؤال.. هل استفادت مصر من أولادها الذين نبغوا الاستفادة المرجوة لهذا السؤال مقال آخر! آخر العمود: ما أجملك أيها الإنسان حينما تتحقق علي يديك صنعة الإله!