وطول الرحلة من جبال الشمال إلي أراضي بابل، كان "أحمد" وجدته يستوقفان العربات ليركبا مجانًا لضيق ذات اليد، وخلال الرحلة التقيا بالكثير من الأهالي الذين يقومون برحلات مشابهة، وطوال الوقت راح "أحمد" يتتبع الخطي المنسية لأبٍ لم يعرفه قط محاولاً فهم ما تبحث عنه جدته، لكن الرحلة تصبح كفيلة بأن ينمو الولد وينضج ويزاد خبرة ومعرفة. "ابن بابل" تأليف وإخراج العراقي محمد الدراجي، الذي يقول عن التجربة :"كنت أحضر لفيلمي الأول "أحلام" في العاصمة العراقية بغداد، وبينما كنت أمشي في شارع الرشيد. سمعت أخباراً تُذاع علي راديو قريب كانت بمثابة مفاجأة بالنسبة لي حيث أفادت باكتُشاف مقابر جماعية بالقرب من بابل"، ولحظتها تسمرت في مكاني من هول المفاجأة ؛خصوصاً عندما علمت بوجود مايقرب من 400 ألف جثة في أول مجموعة من المقابر الجماعية. وأن أسرة عراقية واحدة لم تنج من هذا المصير الشنيع. وعلي الفور طار ذهني عائداً إلي ذكري ابن عمي الذي فقدناه منذ 15 عاما أثناء حرب الخليج، وعمتي التي لم تتلق أي أخبار عنه إلي الآن، فأردت أن أصنع فيلمًا يربط الجيل القديم الغارق في المعاناة. والجيل الجديد الذي يحمل الأمل في المستقبل، وكان دافعي أن أجد نوعًا من السلام وسط ما عانت منه عمتي. الأم التي تبحث عن ابنها الضائع، والابن الذي يخوض رحلة بحث عن نفسه. وعن والده، وكلاهما تائه في الصحراء بفعل عقود من الحرب والاحتلال".. ويضيف : "خلال الأربع سنوات التالية لذلك الحادث. وبينما كنت أكتب وأحضر للفيلم، جمعت القصص المنسية لهؤلاء الذين مضوا، فاتضح أنني أصنع ما هو أكبر بكثير من مجرد فيلم، فاخترت أن أحكي قصة أم كردية لا تنتمي إلي جيلي محاولاً أن يكون هناك تقمص عاطفي بين الثقافتين اللتين سكنتا العراق. فكلاهما ضحية.. كلاهما عاني الكثير وكلاهما أحس مرارة التيه؛فأن يستعيد بلدي وحدته فهذا معناه أن نصبح كيانًا واحدًا في ظل هذه المأساة، فلا يهمني الأصل أو النسب، بل كان هدفي تحقيق العدل لضحايا الماضي، وبث الأمل في نفوس جيل المستقبل؛فالمفارقة المأساوية أن معظم الجثث التي وجدت مازالت مجهولة الهوية، وكلي أمل أن أكون قد نجحت من خلال نبش ماضي أسرة ومعاناتها جراء فقدان أحد أفرادها في إبراز عملية الإبادة الجماعية المنكرة لمليون شخص مفقود في العراق. والتي لم يلق عليها الضوء طوال الكثير من السنوات. وكم أتمني أن يكون الفيلم بمثابة رسالة مدوية تجاه انتهاكات حقوق الإنسان، وتعلن، من ناحية أخري، أننا لن نسمح بتكرار حدوث ذلك. فقد أردت بهذا الفيلم أن أكشف الحقيقة وراء مصير جميع العراقيين المفقودين عساي أبعث في نفوس العائلات والأشخاص الذين أحبهم مشاعر الغفران والسلام والأمل في مستقبل أفضل. فيلم"ابن بابل" إنتاج مشترك بين شركة "بيراموفيز" التابعة لشركة بيراميديا، ومركز الإنتاج السينمائي (فلسطين)، و Sunny Land Film التابعة لشبكة راديو وتليفزيون العرب. جدير بالذكر أن محمد الدراجي هو المؤسس المشارك لشركة HUMAN FILM للإنتاج السينمائي، ومقرها المملكة المتحدة وهولندا. وكان قد درس الإنتاج السينمائي والتلفزيوني في أكاديمية وسائل الإعلام MEDIA ACADEMY بهيلفيرسيم HILVERSEM، وبعدها انتقل إلي المملكة المتحدة لاستكمال درجتي الماجستير في التصوير السينمائي. والإخراج في كلية السينما الشمالية NORTHERN FILM SCHOOL في ليدزLEEDS. وحاز علي جائزة طالب كوداك المرموقة PRESTIGIOUS KODAK STUDENT AWARD عن أفضل إعلان في التصوير السينمائي، وبعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003، عاد إلي العراق ليصنع أول فيلم سينمائي طويل "أحلام"، الذي تناول من خلاله حالة الارتباك والفوضي التي سادت العراق في أعقاب الحرب، وثلاثة عقود من الديكتاتورية. وكما هي العادة في مثل هذه النوعية من الأفلام تسابق 125 مهرجانا سينمائيا عالميا علي عرض "أحلام"، وحصد علي جوائز أكد المخرج أنها تزيد علي 22 جائزة، وأختير الفيلم ليمثل العراق في التصفيات المؤهلة لجوائز الأوسكار. وكذلك مسابقة الجولدن جلوب عام 2007. كان فيلم "ابن بابل" قد عُرض ضمن فعاليات مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، الذي يعقد حالياً في أبوظبي، وفي الندوة التي أعقبت العرض كشف المخرج عن بعض التفاصيل الخاصة بمراحل إنتاج الفيلم، وأشار إلي أن "ابن بابل" يمثل علامة في المرحلة الراهنة التي تشهد محاولة لاستعادة نهضة الانتاج السينمائي في دولة العراق. في ظل عدم وجود سينما حقيقية مقارنة بالدول العربية الأخري. واعتماد السينما العراقية علي المبادرات الفردية، وهو ماأكده بقوله :"عقب كتابة سيناريو الفيلم قمنا بالبحث عن جهات لتمويله. وكان مقصدنا الأول وزارة الثقافة العراقية لكنها رفضت إنتاجه لضعف الامكانات المادية، وتقدمت بطلب لرئيس الوزراء العراقي الذي وافق علي دعم الفيلم بنسبة 20% مع شرط تغيير شخصيات الفيلم من الأكراد إلي عراقيين. كما تدخلت حكومة الاقليم في مجريات أحداث الفيلم. ولم أتوقف عن طرق أبواب عدة لإنتاج الفيلم حتي أنني ذهبت إلي وزارة الخارجية الفرنسية. ووزارة الثقافة الهولندية. وبالفعل تمت الموافقة علي دعم الفيلم دون شرط أو قيد. والفضل في ذلك للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي، الذي ساعدنا من خلال علاقاته بالمسئولين في أوروبا". وعن الدعم الذي قدمته شركة "بيراميديا"، قال"الدراجي": "التقيت صدفة مع المخرج البريطاني اليمني الأصل بدر بن حرسي ولما عرضت عليه مشاكل انتاج الفيلم قام بدوره بعرض أحداث الفيلم علي الإعلامية نشوة الرويني المدير التنفيذي للشركة، ووافقت علي تمويل الفيلم وكان لهم الفضل الكبير في خروج الفيلم للنور. وحول الصعوبات التي واجهته عند تصوير الفيلم قال:"صادفتنا الكثير من المشاكل أثناء التصوير، خاصة في اللقطات التي يظهر فيها الجنود الأمريكان ومعداتهم العسكرية واعتراض قوات الحكومة العراقية علي تصوير المواقع العسكرية، لدرجة أن تصوير إحدي اللقطات التي تظهر فيها طائرة مروحية أمريكية استغرق منا أكثر من ثلاثة أسابيع"! ومن ناحيتها أشارت نشوة الرويني إلي أن "الفيلم يعد رسالة واضحة للتسامح بين الأطراف المتنازعة في العراق، وقالت:"كوننا منتجين عربا يمكننا التأكيد علي أن الدول العربية هي أفضل استثمار في مشروعات الانتاج السينمائي وخاصة أنها تحظي بالعديد من القصص الروائية والشخصيات، وقد جاءت مشاركة شركة بيراميديا في الانتاج من منظور إيماننا الكامل بالرسالة التي يتبناها الفيلم، وكذلك القضية التي يطرحها، ونحن نشرف بذلك".