منذ سنوات غير قليلة ونحن نقرأ ونسمع عما يسمي ب(الحلم الأمريكي)، دافعا البعض أن يتمني أن يعايش هذا الحلم الذي يعتقد أنه يظلل من يعيش علي أرض الولاياتالمتحدة، لكننا في أيامنا الحالية بدأنا نسحب هذا المصطلح إلي أرضنا آملين فيما يبدو أن نوجِد له فرعا في مصر وذلك بأن ننعم علي أرضها بثمرات هذا الحلم، وخاصة في ظل القيادة الأمريكية الحالية، قيادة أوباما. في الدراسات الاجتماعية، هناك ما يعرف بأن شدة وطأة التخلف تدفع بكثيرين ممن يقاسونه أن يحلموا بعكسه تماما، وعبر المثل الشعبي عن هذه الحقيقة بقوله (الجعان يحلم بسوق العيش). والحلم في حد ذاته نعمة إلهية وضرورة بشرية، لكن فعله في المجتمع المتخلف، غيره في المجتمع السوي الناهض، في الأول، يؤدي إلي الهروب من الواقع والسباحة في أجواء الخيال المجاوز لمعطيات الواقع، مثله مثل الذي تعاطي مخدرا، فإذا به يحقق في عالم الخيال ما عجز عنه في عالم الواقع، فيكون الحلم هنا أداة لمزيد من القعود والتكاسل، ومن ثم، مزيدا من التخلف. أما في المجتمع السوي الناهض، فالحلم هو تطوير وتغيير، محدد الغايات، ينبني علي مناهج وأسالبيب علمية، تماما مثلما حلم الإنسان أن يصبح مثل الطيور قادرا علي السباحة في الفضاء، فتمكن من ذلك، وهكذا قل في كل ما أحرزه العلم من نتائج وانتصارات0 وشعوبنا العربية علي وجه العموم، ومصر في القلب منها، تعيش منذ أول التسعينيات بصفة خاصة مأزقا تاريخيا سوف تمتليء كتب التاريخ، فيما بعد، بالحديث عنه، مثلما حدث أيام الفتنة الكبري، بين علي بن أبي طالب ومعاوية بن ابي سفيان، ومن شدة العجز، والشعور بالتخاذل، وما يشبه انعدام القدرة علي البصر الصحيح، تطلعت القلوب إلي تبادل الزيارة مع بابا نويل الجديد، أوباما، وكأنه يحمل لنا في جعبته الحل والأمل ! لا أسعي إلي التشكيك في الرجل، وإنما أسعي إلي إيقاظ بني قومنا، فلا نحمل الرجل ما نحلم نحن به ونعجز عن تحقيقه. 00إنه زعيم أمريكا، فمن حقه أن يسعي إلي كل ما يصب في مصلحتها، فلا نُقَوِّله ما نتمني سماعه، ونعتب عليه فيما لم نسمعه منه، أو قاله ولم يصب في أمانينا. إن التراجع المخيف لمكانة مصر المعاصرة، قياسا إلي موقعها وتاريخها وتراثها وحضارتها، وانسحابها من أداء دور القوة الإقليمية الرئيسية والفاعلة، جعلنا نهلل ونصفق أن أوباما اختار مصر ليلقي منها خطابه إلي العالم الإسلامي، وتذكرنا : مكانة مصر وتاريخها وحضارتها وطاقتها البشرية، بينما السؤال الذي يبرز لنا هنا : أليس من المفروض أن نتذكر كل هذا فيما نتخذه _ أو لا نتخذه _ من مواقف إزاء العديد من الشروخ التي تمزق مجتمعنا، اجتماعيا واقتصاديا وثقافيا ودينيا وسياسيا عبر العقود القليلة الماضية ؟ أليس من المفروض أن نتذكر كل هذا ونحن أمام غزو العراق، وما يعانيه السودان من تصدعات، وما يتعرض له الشعب الفلسطيني من نهب علي يد سلطة قزمة كرتونية، وحصار خانق، وتنكيل وتخريب علي يد العدو الصهيوني؟ إن الوعي بالتناقض القائم بين المصالح العربية والإسلامية وبين المصالح الأمريكية، في ظل نظرة من الآخر بأن يكون هو الآمر الموجه، ونحن الذيول المطيعون، لابد أن يجعلنا نتواضع في توقعاتنا قبل وبعد تبادل الزيارات، ذلك أن كل قليل البصر بسياسات القوي الكبري لابد أن يدرك أن الوسائل ربما تتبدل، وأن التعبيرات ربما تتحول، لكن هناك توجهات أساسية يستحيل أن تتغير من رئيس جمهورية إلي آخر، ذلك لأن المجتمع الأمريكي في حد ذاته مجتمع موضوعي، بمعني أن الأهواء الشخصية لمن يحكموه ليست هي المسيطرة، وإنما مؤسساته ونظمه وقوانينه . وهو مجتمع يقوم علي العدل الداخلي، تتحقق فيه القاعدة الإسلامية المعروفة القائلة بأنه لا فضل لعربي علي أعجمي إلا بالتقوي، حيث التقوي عندهم هي ما يصب في المصلحة الأمريكية. إن هذا يجعلنا نعي جيدا أن أوباما ردد نفس الخرافة التي تذل بها الصهيونية الغرب، أثناء زيارته لمصر، علي الرغم من " العلمية " التي تعد ركنه الأساسي، ولا أحد يعمل عقله، ويفكر: كيف يمكن أن يلقي ستة ملايين يهودي حرقا في ألمانيا وعدد اليهود في العالم كله، يتراوح بين 11 و12 مليون يهودي، فهل كان نصفهم في ألمانيا حقا ؟أم أن المسألة لا تزيد علي بضع آلاف، عشرات أو مئات تقل عن عدد أصابع اليد الواحدة ؟! لكن أوباما لم ينتبه _ أو لا يريد ذلك _ إلي اغتصاب وطن، وتشريد ثلاثة أو أربعة ملايين فلسطيني من قبل الدولة الصهيونية ! ونكرر، مرة واثنين، أننا لا نلوم الرجل بكلامنا هذا، وإنما ننبه الغافلين من أبناء قومنا الذين رأوا الورود، ولم ينتبهوا إلي أشواكها! والرجل، لم ير أن شعبا احتلت أرضه، فلابد أن يعطي هذا شرعية ل" المقاومة "، ولكنه رأي هذه المقاومة " عنفا "، ولو سلمنا حتي بهذا، لكنه لم ير أن العنف الإسرائيلي أشد وطأة وأكثر تكرارا، وهو دائما الذي يبدأ، فإذا تم الرد باستحياء عليه، برزت الدموع التي تذرف علي الأطفال والنساء والشيوخ الإسرائيليين، بينما لا يتذكرون أضعافهم علي الأرض الفلسطينية! ولو فتشنا في مضمون الخطاب الذي ألقاه أوباما في مصر بالنسبة للقضية الفلسطينية فسوف لا نجد إلا مسألتين، أولاهما، ضرورة تجميد المستوطنات، وبعدها بأيام قليلة، اجتمع مجلس الوزراء الإسرائيلي ليؤكد أن بناء المستوطنات سوف يستمر، وأن هذا بتفاهم إسرائيلي أمريكي ! أما المسألة الثانية، فهي ما يتعلق بحل الدولتين، والذي كان يتردد علي الألسن الأمريكية منذ عدة سنوات.. ولم ير أوباما أن دولته جيشت العالم أجمع لضرب أعرق الشعوب علي أرض العراق، بينما لم يكن لهذا البلد، شعبا وحكومة، يد فيما حدث في سبتمبر 2001 بأمريكا، وضيع علي العالمين العربي والإسلامي آلاف القتلي، أضعاف أضعاف من راحوا ضحية موقعة سبتمبر0 وإذا كان من الممكن المجادلة في بعض المسئولية بالنسبة لطالبان التي كانت تحكم أفغانستان، فها نحن اليوم نسمع بين الحين والآخر، غارات أمريكية تقتل بعض المدنيين، خطأ، ليس مرة أواثنتين، بل يكاد أن يكون هذا نهجا !! فما ذنب هؤلاء ولا علاقة لهم بتنظيم القاعدة ومهاجمي برجي التجارة بنيويورك؟ ليست المشكلة في الحقيقة في أوباما أو في أمريكا، وإنما هي فينا نحن، ومن ثم فإن التغيير المنتظر لابد أن يكون علي أرضنا نحن، لا علي الأرض أو العقلية الأمريكية.. إنها القاعدة التي نعرفها جميعا، لكن لا أثر لها علي أرض الحقيقة المجتمعية العربية عامة ومصر خاصة ألا وهي التي نبه إليها القرآن الكريم بأن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم. ولنأخذ مثالا قد يبدو بسيطا للغاية، ولكن دلالاته علي درجة عالية من الأهمية، فننظر إلي ما يحدث علي الأرض الأمريكية عندما يذهب أي مسئول عربي أو غير عربي... لا شئ، تمضي حياة الناس كما هي، وقد لا يشعر أمريكي بالزيارة. قد يقول البعض إن المسألة تفرق عندما يزور رئيس أكبر دولة في العالم بلدنا، وبين أن يزور رئيس عربي أمريكا، فنشير إلي أن هناك رؤساء دول كثيرة كبيرة ومتقدمة، مثل الصين وانجلترا وفرنسا وألمانيا وغيرهم زاروا أمريكا، لكن، تمضي الحياة كما هي، بينما ما زلت أتذكر ما حدث في القاهرة يوم زيارة أوباما حيث أظهرنا، كأفراد شعب، بمظهر " القطيع " الذي يدخله صاحب المزرعة في القفص، حتي تنتهي زيارة الضيوف ! هل رأينا في دولة أنها تؤجل امتحانات ثلاث جامعات كبري، بمناسبة الزيارة؟ هذه الحركات الشهيرة، التي أصبحت جزءا من تراثنا الثقافي والسياسي والاجتماعي، عندما يزور مسئول منطقة أو مشروعا، تتكاتف الأيدي للتزويق والتجميل والانتظام، فإذا تمت الزيارة، عاد كل شئ إلي مكانه. 00هل يحدث شئ مثل هذا في أية دولة متقدمة ؟ كلا، ذلك لأن هذا يدخل في باب " الواجبات اليومية " والوظيفية والمهنية والوطنية. هنا تكمن القضية : عندما يصبح المواطن المصري هو السيد الذي يأمر ويوجه ويري ويختار من يحكمه، وليس هو العبد الذي يؤمر ويزاح، ويذل، سوف تتغير سياسة أمريكا تجاهنا إلي ما هو أفضل، ومهما جاء رؤساء أمريكان، ومهما دبجت المقالات ودشنت الحفلات، وانفقت الملايين للترحيب، واستمر حال المواطن بالحال التي هو عليها، فلن يشفع لنا هذا عند السيد الأمريكي، وسوف يظل علي نظرته لنا، نظرة من يعطي، لمن يستجدي !