تبدو الصورة اليوم أكثر غموضاً من أي وقت مضي، إذ عاد البحث في قضايا عقائدية لم تكن في الحسبان حين بدأت المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية في العقد الماضي وبعد التقاء الطرفين بعدما دشن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب مؤتمر مدريد بإطلاقه مقولة "الأرض مقابل السلام". ولم يتوقف عند تفسيرات دينية كانت تعتبرها إسرائيل من أسس قيامها ومن أهمها أنها دولة قومية لليهود ولا يمكنها المخاطرة بالانفتاح علي أديان أخري من دون أن تزرع بنفسها أسباب هلاكها00 ولكن يبدو أنه رغم كل ما أحرزته المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية طوال السنوات الماضية فإن هناك قوي إسرائيلية فلسطينية تسعي جاهدة لإجهاض محاولات التصالح بين الطرفين وتفعيل التسويات السياسية للجانبين. كانت كل الدلائل تشير من خلال التصريحات الرسمية وغير الرسمية أن هناك مخاوف لقوي السلام من الجانبين خاصة وأن شارون ومن بعده أولمرت لا يملك مشروعاً للسلام أو آلية للتفاوض وأن الأخير يحمل نظرة شمولية لمفهوم الصراع العربي الإسرائيلي، كما أنه محسوب علي تيار التشدد في إسرائيل وليس العكس، وأنه ومؤيدوه من التيار المتشدد في الشارع الإسرائيلي من خلال تصعيد لغة الحرب طوال السنوات الماضية لم يستطيعوا السيطرة علي الوعي الجمعي الإسرائيلي، فما زال المجتمع الإسرائيلي بجملته مجتمعاً ببحث عن الأمن والسلام معاً من خلال آليات موضوعية وعملية لعملية التفاوض مع الفلسطينيين والسوريين علي حدٍ سواء وكما يعي كثير من الخبراء السياسيين أن مفهوم أولمرت للحرب أو مشروعه لا يستطيع أن يحسم حركة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومواجهته للأبد كما يتوعد عبر سياساته في الحصار والغارات المستمرة من قصف جوي وبري، فقرار الحرب إذا ما مضي أولمرت في التهديد به والتلويح لن يكون سهلاً حتي لإسرائيل، فأولمرت ليس منفصلاً عن الواقع والتاريخ فهناك حقائق علي أرض الواقع فرضتها ظروف داخلية وإقليمية ودولية، وهناك حقيقة هامة وواقع لا يستطيع أولمرت الإفلات منه وهو وجود السلطة الفلسطينية الشرعية برئاسة أبو مازن والتي لقيت دعماً دولياً وإقليمياً من خلال القمة الرباعية الأخيرة. فهل أولمرت يستغل هذا الإجماع ويسارع في تفعيل مسار عملية التفاوض مع الفلسطينيين ولن يكتفي بما حصل عليه الفلسطنييون حتي الآن؟ يمكن القول أن الخوف من ثمن السلام القادم بين الفلسطينيين والإسرائيليين يراود أولمرت وحكومته ويداعب المتشددين علي يمين الوسط السياسي والاجتماعي الإسرائيلي والفلسطيني. فهناك أصوات إسرائيلية ترتفع لتجميد عمليات التفاوض وتتزامن مع ضرب قطاع غزة وقصفه يوميآ00 أما علي الصعيد الفلسطيني بعد صعود حماس وتشكيلها للحكومة قد زاد الأمر سوءاً خاصة بعد تصريحات قادتها بعدم الاعتراف بإسرائيل ولا بأي مفاوضات أو تسويات تمت قبل ذلك، وهو ما يعني العودة للمربع رقم صفر في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي كما يعني أن كل ما أنجزته الحكومات الفلسطينية السابقة كأنه لم يكن، وهو ما أدي في النهاية إلي انقلاب حماس وسيطرتها علي قطاع غزة وتقسيم فلسطين إلي دولتين حتي وبعد مؤتمر شرم الشيخ الرباعي، ترددت أنباء عن أن حركة حماس مستعدة لتشكيل حكومة ترأسها شخصية مستقلة للخروج من مأزق الانقسام الحاد علي الساحة الفلسطينية، خاصة بعد ما تأكد لها أنها في عزلة بعد نتائج شرم الشيخ إلا أنها نفت ذلك، كما أن الأمر لن يكون بهذه البساطة التي تتصورها حماس الطامعة إلي السلطة ولكن يجب أولاً إزالة جميع مظاهر الانقلاب العسكري الذي أحدثته حماس، وهو السبيل الوحيد لإحياء عملية المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية التي هي الأساس والمبتغي.. فلم تع حماس بأن ما فعلته سيؤدي إلي العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني علي أيدي الإسرائيليين وسينتهي إلي حرب إقليمية وتنتهز إسرائيل الفرصة لتشديد الحصار في إطار سياسة العقاب الجماعي خاصة في ظل عدم شرعية حماس علي المستوي الدولي باستثمار بعض الأطراف الإقليمية المعروف نواياها وإستراتيجيتها وأهدافها00 وفي هذا الإطار فإن مفاوضات السلام بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي أصبحت رهن الاعتقال وتصاعدت حدة الحسابات الأمنية وطغت علي أهداف التسويات السياسية، وأصبح الطرفان في مأزق تجاه تحقيق السلام العادل المنشود للطرفين. ونستطيع أن نقول أنه مع التطورات الجارية سيتم اعتقال مفاوضات السلام لفترة ليست قصيرة، إضافة إلي ذلك فإن هذه المفاوضات من الآن فصاعداً ستكون في مسيرة نفق مظلم لن تخرج منه إلا بتفعيل قوي السلام وتقليص آليات قوي الحرب علي الجانبين وأن تتجاوز العقلية اليمينية المتشددة بإسرائيل إطلاق عبارات الويل00 ومراهقة حماس في النحيب والحسرة فإسرائيل وشعبها هي التي لفظت نتانياهو ومن بعده شارون وقادرة علي لفظ المتشددين لأنها تعلم أنه كي يتم الأمن ويتحقق لابد من التعامل مع الوقائع التي تقتضي ملامسة الحقائق والتعاطي معها بعقلانية00 ولكن في المقابل هل آن الآوان أن تتخلص المنطقة من مغامرين ووكلاء أغبياء لأحداث ثأرية لا ترتقي إلي مستوي شعوبها، وهل سيتعلم وكلاء الحروب وسماسرة بورصة المزايدات أنهم كمساهمين في شراكات التدمير أن من يدفع الأثمان هم الأبرياء والمدنيون، وأن شرعية ومشروعية القضية الفلسطينية يتحقق جلاؤها وتنصع شفافيتها من خلال استراتيجيات فعالة لهدم قوي الحرب بين الجانبين. إن التجارب أثبتت أن جبروت القوي لم يستطع هزيمة السلام، كما لم ينجح السلام في دحر قوي الحرب ومن هنا فالخوف كل الخوف أن تتفاعل وتتسع قوي اللاسلام الفلسطينية والإسرائيلية، ومثلما صعدت قوي التشدد والسيطرة علي مقاليد الحكم في إسرائيل، ومثلما أصبح باراك الذي عينه أولمرت يسوق لأفكار الدولة التي تدافع عن نفسها أمام قوي اللاسلام ومثلما خفقت أصوات قوي السلام في إسرائيل وتحولوا إلي صقور، فبالتالي تحولت صقور حماس إلي دعاة حرب وحركات انتحارية رافعة شعار الشهادة أو الموت، فكيف يستثمر أولمرت دونما ما يغذي وجودهما علي الضفة الأخري مشعل وهنية وصار ما يحدث حلقات متتالية لموت متكافئ بترسيخ منطق القوة، وبدأت تتشكل هواجس الانتحار البطيء، وأصبحت مرطبات الكلام لا تستطيع إطفاء نيران حرب تسعي إليها قوي فلسطينية وإسرائيلية بدعم من وسطاء غير نزهاء، فالأجواء الإقليمية الساخنة لن تلطفها نشرات جوية غير دقيقة عن حلول مواتية ومساعي التهدئة. ولعل قمة شرم الشيخ الرباعية الأخيرة تكون حلقة البدء في إثبات حسن نوايا الجانبين، فمثلما وعدت إسرائيل بالإفراج عن 100 مليون دولار محتجزة من جملة الضرائب التي جري تحصيلها عن الصادرات الفلسطينية للخارج والعمالة الفلسطينية في إسرائيل وقدرها 600 مليون دولار هي جزء قد يساعد السلطة في مواجهة التحديات التي تواجهها علي صعيد الشارع الفلسطيني، علاوة علي تخفيض القيود التي تفرضها إسرائيل علي الحواجز التي تبلغ ما يزيد علي 250 حاجزا بين دائم ومتنقل. ولعل الغطاء الشرعي الذي غطي به محمود عباس( أبو مازن) من الدول العربية والغربية والتي تدعو إلي إنهاء المقاطعة واستئناف المعونات، سيكون له من الأثر الإيجابي في أن تحظي سلطة ( أبو مازن ) بتأييد من القوي الاجتماعية الفلسطينية، والتي ستساعده علي كبح جماح حركات التمرد والتفكك والانفصال علي السلطة من جانب حماس واخواتها. وهو الشرط الأساسي للوصول مرة أخري إلي الهدف الاستراتيجي الأساسي وهو استئناف المفاوضات الفلسطينية والإسرائيلية ليحصل الشعب الفلسطيني علي حقوقه الشرعية كاملة في ظل سلام متوازن وعادل بين الطرفين، وهذا لن يتحقق بالتأكيد _ في الوضع الراهن- طالما ظلت حماس تسن السيوف وغير قادرة علي إيجاد الحلول السياسية ومكتفية فقط بوضع نصف الوطن الفلسطيني علي حقول البارود والديناميت وقادتها يتحركون بين عاصمة وأخري يتلقون التدريبات علي تجزئة فلسطين بلحي التمرد وشعارات الطوائف الفاشية وليست بأهداف السياسيين الراشدين الذين يفضلون سلام وحياة شعوبهم أكثر من ظمائهم للإرتواء من بير السلطة وفسادها....