عقد منتدي التعاون الصيني الأفريقي مؤتمره الثالث في الفترة من 4 6 نوفمبر 2006 ببكين علي مستوي القمة التي شارك فيها مايقارب من 48 رئيس دولة أو حكومة من الدول الافريقية بالاضافة للرئيس الصيني. وهذا المؤتمر هو حدث فريد في نوعه من أكثر من زاوية الأول: إنه يشمل طرفين أحدهما دولة تمثل خمس سكان العالم وهي الرابعة في الحجم الكلي للإنتاج الذي بلغ اثنين تريليون دولار عام 2005، والثالثة في التجارة الدولية عام 2005 واجمالي تجارتها 4.1 تريليون دولار وينمو اقتصادها بمعدل لاكثر من 9% سنويا، اي انها بعد الولاياتالمتحدةواليابان وبريطانيا. أما الطرف الثاني فهو قارة بأكملها وهي قارة يزداد فيها معدل الفقر وينخفض معدل التنمية، وينتشر الفساد وبها عدد لايستهان من الدول التي وصفتها المؤسسات الدولية بأنها في عدد الدول الاقل نموا ورغم كل ذلك فإن بها الكثير من الموارد الطبيعية والمواد الخام. الثاني: انه مؤتمر علي مستوي القمة اي ان قارة بأكملها تنتقل الي دولة هي المستضيفة وهي ايضا الطرف الثاني في المعادلة. الثالث: إن هذا المؤتمر هو الاول من نوعه علي مستوي القمة بين هذين الطرفين وهو يسعي لتعميق التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية بين الطرفين اللذين يشعر كل منهما بالحاجة الماسة للطرف الآخر. الرابع: إنه أول منتدي للتعاون أقامته الصين مع دول او مجموعات دولية وقد عقد اجتماعه الاول علي مستوي وزراء الخارجية والاقتصاد والتجارة في بكين في اكتوبر 2000 والثاني في اديس بابا عام 2002 والثالث تحول علي المستوي قادة الدول بمناسبة مرور خمسين عاماً علي اقامة العلاقات الافريقية الصينية حيث اقامت مصر في 30 مايو 1956 اول علاقات افريقية أو عربية مع الصين. الخامس: إن هذا المؤتمر أثار ومازال يثير الكثير من التساؤلات والشكوك والمخاوف فالتساؤلات نبعت من الطرفين منذ بدأت فكرة المؤتمر عام 2000 ثم تطورت وعكست المداولات والاجتماعات التمهيدية بين الطرفين هواجس افريقية عديدة حول هدف الصين من طرح هذه الفكرة ولكن الجميع تجاوب معها املاً في ايجاد مخرج اضافي لمساعدة عملية التنمية في افريقيا التي تواجه مشاكل وعقبات وصعوبات شتي منذ إخفاق عقود التنمية في أواخر القرن العشرين.. ثم تراجع الاهتمام العالمي بأفريقيا بعد انتهاء حقبة الحرب الباردة وانهيار الكتلة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفيتي. اما الشكوك فكانت تتعلق بنهوض الصين ونموها السريع وحاجتها للمواد الخام لتغذية صناعاتها وحاجاتها للطاقة وكذلك حاجتها للاسواق ومن هنا ابدي بعض الافارقة تخوفا من ان يكون للصين مطامع استعمارية بصورة جديدة بعد ان تخلصت القارة من الاستعمار الاوروبي القديم ولاتزال ترزح تحت نير استعمار جديد او استعمار معولم. وأما المخاوف فقد جاءت من دول اوروبا والولاياتالمتحدة والي حد ما اليابان حيث نظرت اوربا وامريكا للقارة الافريقية باعتبارها منطقة نفوذ لهم وهي تمثل خلفية استراتيجية وقد استطاع الغرب ان يتخلص من التنافس بين القوتين العظميين الولاياتالمتحدة والاتحاد السوفيتي في القارة، إبان الفترة الحرب الباردة ثم ظهر له فجأة المارد الصيني في افريقيا ومن ثم اصبح الغرب يخشي ذلك من اكثر من زاوية منها التنافس علي موارد القارة واسواقها ومنها استقطاب القارة سياسيا لصالح العملاق الجديد أما اليابان وهي بدورها عملاق اقتصادي ولكنها كانت قزما سياسيا وهي الآن في مرحلة البزوغ السياسي فقد خشيت من منافسة الصين لها في هذه الاراضي البعيدة بعد أن تعاظمت قوة الصين ووجودها في شرق آسيا وهذا كله يوحي بحدوث اختلال في مراكز القوي ومناطق النفوذ. ولاشك ان إلقاء نظرة علي علاقة الصين بأفريقيا تشير إلي أن حجم التبادل التجاري بلغ 3.39 مليار دولار عام 2005 وأن الاستثمارات الصينية في القارة أكثر من 3.1 مليار دولار، كما تشارك الصين في عمليات حفظ السلام في افريقيا ولديها العديد من برامج المساعدة في مجالات الزراعة والصحة وبناء الطرق وقاعات المؤتمرات وتدريب الكوادر البشرية كما ان لدي الصين في افريقيا 9 الاف مشروع و18 الف طالب افريقي يدرسون في الصين و16 الف طبيب صيني يعملون في افريقيا وقدمت مساعدات ل 34 دولة افريقية وقامت بإلغاء ديون علي الدول الافريقية الاكثر فقراً بلغت 3.1 مليار دولار. ولقد سافر كل رئيس افريقي للصين للمشاركة في القمة وهو يحمل في جبهته عدة قوائم ومطالب من الصين وتطلعات بأمل ان يحققها له المنتدي الصيني الافريقي ودائما تزداد قوائم المطالب الافريقية ويصعب علي الصين او غيرها من الدول المانحة وان كانت الصين لاتستخدم هذا التعبير الغربي الذي يدل علي المن والتعالي، نقول ان مطالب القارة كثيرة وان تجاوب الاخرين محدود، وهنا لابد من ملاحظات صريحة وموضوعية. الأولي: إن كثيراً من دول القارة الافريقية تتمتع بموارد ضخمة وكان يمكن لها ان تحقق نتائج كبري في مجال التقدم والتنمية ولكن نظراً لمحدودية الكوادر البشرية وضعف كفاءتها فضلا عن اخفاق الفكر السياسي والاستراتيجي لكثير من القادة في افريقيا ادي بها الي ان تصبح في ذيل القائمة في النمو والتقدم والديمقراطية وحقوق الانسان. الثانية: ان قادة الكثير من الدول الافريقية ظلوا في مواقعهم لسنوات عديدة ومن ثم تجمد فكرهم وعجزوا عن ادراك المتغيرات وعاشوا في فكر حقبة التحرر من الاستعمار. الثالثة: ان الصين اكدت اكثر من مرة للقادة الافارقة انها دولة نامية وان قدراتها محدودة وانها حريصة علي التعاون والمساعدة في حدود قدراتها وامكانيتها. الرابعة: ان الصين نظراً لضخامة التوقعات منها اصبحت تشير الي ان اوربا وامريكا علاقاتهما قديمة مع افريقيا ومع هذا فلم يستطيعا حل مشاكل القارة ولذا فلا ينبغي ان يتوقع احد ان لدي الصين عصا سحرية للقيام بمعجزة حل المشاكل المعقدة في القارة الافريقية. الخامسة: إن المبدأ السليم في تحقيق التنمية وحل مشاكلها هو مبدأ الاعتماد علي الذات أولاً ثم طلب مساعدة الاخرين بعد ذلك ومن ثم فإن الواجب علي قادة افريقيا وايضا علي العرب ان يبدأوا بالبحث في ذواتهم عن اوجه القصور ومعالجتها قبل طلب مساعدة الغير حتي يكون لمثل هذا الطلب مصداقية. السادسة: ان الصين طورت بالفعل علاقاتها مع عدد من الدول الافريقية التي أبدت تجاوباً حقيقياً او مع الدول الافريقية التي بها موارد طبيعية تحتاجها الصين وتسعي اليها. السابعة: إن ساحة التنافس الدولي مازالت مفتوحة سياسيا واقتصاديا وتجاريا وثقافيا ومن ثم فإن عملية ادارة علاقات كل دولة بغيرها من الدول تعتمد علي مقدرة كوادر وقيادات تلك الدول ورؤاها الاستراتيجية ومدي التزامها بمبادئ التعامل الدولي وإدراكها لطبيعة المتغيرات في العالم المعاصر الثامنة: ان الدول العربية في افريقيا تمثل خمس عدد الدول الافريقية تقريبا وهي عضو في نوعين من المنتديات مع الصين الاول هو المنتدي الصيني الافريقي والثاني المنتدي العربي الصيني ومن ثم ينبغي ان تكون استفادتها اكبر اذا احسنت الاستعداد وطورت آليات تعاملها الدولي. التاسعة: إن مؤتمر المنتدي الصيني العربي القادم سيعقد في المنامة عاصمة البحرين عام 2008 وهذا يضع عبئا علي الدبلوماسية البحرينية وعلي مؤسسات الدولة للاستعداد الجاد لذلك، كما إنه يتيح فرصا لتأكيد دور البحرين ونشاطها ويسمح لها بتعزيز وتطوير علاقاتها مع العالم الخارجي والصين بوجه خاص. العاشرة: إن مؤتمر المنتدي الصيني الافريقي سيعقد في القاهرة عاصمة جمهورية مصر العربية عام 2009 وهذا يستدعي من الدبلوماسية المصرية نشاطا مكثفا في التعامل مع الدول الافريقية ومع مختلف مجالات العلاقات مع الصين لكي نقدم نموذجاً يقتدي به خاصة ان مصر هي اول دولة عربية واول دولة افريقية اقامت علاقات مع الصين الشعبية وبذلك فتحت المجال للصين لانشاء وتعزيز علاقاتها مع هذين التجمعين الهامين.