هل أضحي النفط العربي أداة من أدوات الكراهية ضمن سلسلة طويلة من الذرائع والمبررات المستخدمة طوعا أو قسرا في شن هجومات متنوعة علي العالم العربي والإسلامي ؟ يبدو أن ذلك كذلك ويبدو أيضا أن النفط العربي هو أحدث الآليات التي تستخدم في محاولة تشويه الوجه العربي عامة والخليجي خاصة . والواقع أن حال الولاياتالمتحدة الشهرين الماضيين قد كشف عن ابعاد هذه الازمة والتي يفترض أن ندفع ثمنها سيما بعد أن تقسم العالم تقسيما مانويا بين معسكرين احدهما للخير والأخر للشر وحسب الاتهامات الموجهة فان النفط العربي بات أداة من الادوات التي تستخدم في إثراء معسكر الشر ضد فسطاط الخير وعلي رأسه الولاياتالمتحدةالأمريكية . والقصة ليست وليدة اليوم في واقع الأمر فالولاياتالمتحدة في علاقة جدلية دائمة مع العرب منذ اكتشاف النفط في تلك البقعة من الأرض منذ أواسط القرن المنصرم وعليه أضحي هذا الاكتشاف جزءا لا يتجزأ من العلاقة الأمريكية بمنطقة الشرق الأوسط وقد تزامن هذا الاكتشاف مع قيام دولة إسرائيل بما جرته علي المنطقة من تبعات واضحي صانع القرار الأمريكي يراعي في وضع خططه واستراتيجياته البراجماتية دائما وأبدا التشابك في المصالح بين مساندة دولة إسرائيل وتامين إمدادات النفط وقد كانت حرب أكتوبر عام 1973 نقطة مفصلية في هذه العلاقة وقد قيل الكثير وقتها عن الخطط الأوربية - الأمريكية لجعل العرب ليسوا أكثر من حراس علي آبار النفط لا مالكين لها . واليوم نري هجوما وان لم يتصل بإسرائيل اتصالا مباشرا فانه يمتد إلي موضوعات الساعة الشبيهة وعلي رأسها قضية الإرهاب التي نجحت إدارة بوش في أن تجعل منها حجر الرحي لكافة تطلعاتها الإمبريالية وكأني بالنفط العربي اليوم هو المصدر الرئيس لازمات أمريكا الداخلية بدءا من ارتفاع أسعاره وصولا إلي استغلال عوائده في دعم تنظيم القاعدة كما يزعم توماس فريدمان في النيويورك تايمز غير مرة .. والتساؤل كيف بدأت القصة تأخذ هذا المنحني ألعدائي كما رصدناها داخل أمريكا الأشهر الماضية ؟ بدأت الأحداث في سياقها الزمني القريب وليس البعيد بما أشار إليه الرئيس بوش في خطاب حالة الاتحاد في نهاية يناير الماضي من ضرورة التخلص من نفط الشرق الأوسط بنسبة 75% مع حلول عام 2025 وفي شهر فبراير قال بوش انه ينبغي علي الولاياتالمتحدة لتعزيز أمنها القومي والاقتصادي أن تقلل اعتمادها علي النفط الذي يستورد معظمه من مصادر غير جديرة بالثقة في الخارج وكان بوش قد اختار مقر شركة " جونسون كونترول " بمدينة ميلووكي في ولاية ويسكونسون لإلقاء كلمته التي أشار فيها وهو يتحدث عن الاهتمامات والهواجس الأمنية إلي أن " بعض الدول التي نعتمد عليها في الحصول علي النفط لديها حكومات غير مستقرة أو توجد اختلافات أساسية بينها وبين الولاياتالمتحدة .... وأكمل بقوله إن هذا يثير قضية تتعلق بالأمن القومي حينما نصبح رهائن للطاقة الموجودة لدي دول أجنبية قد لا تكون راضية عنا . ومع تشبيه الرئيس الأمريكي لبلاده ومواطنيه بالرهائن كان كمن يعطي الإذن بفتح النار علي منظومة الدول شرق أوسطية ذات الحكومات غير المستقرة كما يتخيلها وان كان هذا ينافي الواقع ويجافيه شكلا وموضوعا . يكتب توماس فريدمان عبر النيويورك تايمز تحت عنوان " كيف أصبحت الطاقة اكبر تحد للولايات المتحدة ؟" يقول " لقد أصبحت الطاقة في معناها الواسع الأعم هي التحدي الأكثر أهمية من الناحيتين الجغرافية الاستراتيجية والجغرافية الاقتصادية بين كل ما يواجهه عالمنا الحالي من تحديات وتضاهي أهمية هذا التحدي ما كان عليه الاتحاد السوفيتي السابق لأربعة أسباب مختلفة نبينها كما يلي : أولها أننا نمول طرفي النزاع في حربنا ضد الإرهاب الدولي وإنفاقنا علي قواتنا المسلحة من عائدات الضرائب ومن جيوب المواطنين الأمريكيين ثم تمويلنا لبعض المتطرفين الإسلاميين والحكومات المتشددة بما توفره لهم عائدات مشترياتنا من النفط ". ومعني حديث توماس فريدمان هو أن أمريكا تقاوم الإرهاب علي نفقتها الخاصة ولا يدري المرء هل كان من المفترض أن ترسل واشنطن بهذه الفاتورة إلي العالم العربي ليدفعها أم ماذا ؟ أضف إلي ذلك فان حديثه جلي للعيان ويحمل اتهاما مباشرا بان عائدات النفط تستخدم في تمويل المتشددين وفي غير موضع قالها صراحة إن تمويل تنظيم القاعدة إنما يأتي من داخل الدول النفطية . وفيما يشبه أحاديث المؤامرة والتحريض المباشر ضد العرب ومحاولة ربط حديثه بالإصلاح والدمقرطة التي لا تنفك أمريكا تتشدق بها يضيف " انه هيهات لنا أن نبذر بذرة الديمقراطية في العراق والعالم العربي بأسره ما لم نتمكن من خفض أسعار النفط فما من سبيل لهذه الأنظمة العربية أن تتغير إلا في حالة اضطرارها لذلك وحملها عليه وما لم نفتح عيوننا جيدا فلن يكون العراق سوي دولة عربية أخري تلقي بثقلها التنموي كله علي آبار النفط بدلا من تنمية الشعوب وتأهيلها للمنافسة ". ولعل التساؤل الذي يجعلنا نشعر بالقلق ونوقن بان المؤامرة دائما كانت جزءا من المخطط الاستراتيجي الأكبر للدول العظمي هو ما الذي يعنيه فريدمان بحديث الاضطرار وحمل الدول العربية علي التغيير ؟ هل يود أن تقوم الآلة العسكرية الأمريكية العمياء بتجريدة عسكرية جديدة تدك فيها حصون العرب وقلاعهم وتعلن الحماية علي آبار النفط لتعليم العرب كيف وفيما يجب أن ينفقوا عوائد النفط التي اعتبرها برنارد لويس ذات مرة لطمة للحضارة دون أن يتساءل لماذا تسارع بلاده في عقد صفقات أسلحة تسترد بها تلك العوائد ودون أن يتطلع إلي الأرصدة النفطية الخليجية التي تسند تساند وزن وقيمة الدولار الأمريكي في بنوك بلاده ؟ والمؤكد انه ذات الشعار الاستعماري القديم الذي استخدمه الرجل الأبيض في تبرير احتلاله للدول وغزوه للمدائن تحت عنوان نشر الحضارة الغربية وصبغ العالم بوجه الحضارة غير انه عوضا عن أن يستقدم معه أدوات العلم والتعليم احضر معه الآلاف من براميل البارود التي فاحت ريحتها ولا تزال . ومن نيويورك إلي واشنطن حيث يكتب " اريك بيترز " مطلوب زيادة مصادر الطاقة داخليا حتي تشفي أمريكا من إدمان النفط الشرق الأوسط " ويستطرد فيقول تعج وسائل الأعلام المقرؤة والمرئية بالأخبار هذه الأيام التي تظهر أن عشرات من أعضاء الكونجرس ليسوا علي وعي بان التاريخ يظهر بشكل قائم علي الاستنتاجات إن الأسواق الحرة تعمل بكفاءة رائعة مقارنة بالركود المشوش لتلك الاقتصاديات التي تصدر الحكومات فيها قرارات بنتائج مثبتة". ويشير إلي طلب عضوي الكونجرس "ماريا كانتويل" " ورون ويدين" من وزير الطاقة الأمريكية "صامويل بودمان" تأييد مشروع قانون يضع أهدافا صارمة من اجل الحد من واردات النفط من الشرق الأوسط حتي تصل أمريكا إلي الخلاص من نفط الشرق الأوسط . ومفاد حديث " اريك بيترز " أن نفط الشرق الأوسط قد تخطي مرحلة الانتقادات ومقالات الرأي وصار طرحا مطروحا في ساحة المشرعين الأمريكيين داخل مبني الكابيتول الشهير حيث تدور الأحاديث في العلن وتبقي القرارت الحقيقية في الخفاء وبين الدهاليز وهو ما يعود بنا إلي الآليات التي يشير إليها فريدمان حول حمل الدول العربية وإجبارها علي تغيير مسلكها بحيث لا تتأثر إمدادات النفط وهو احد ركيزتين لا تقبل أمريكا حتي الساعة مساسا بهما تلك الأولي فيما الثانية امن دولة إسرائيل . وفي المشهد التحريضي ضد العرب وإسرائيل كذلك هناك من يحمل إيران تبعة ما يحدث في الأسواق الأمريكية من ارتفاع لأسعار النفط لا سيما عندما تهدد طهران بوقف إمداداتها النفطية وتعطيل حركة الملاحة في مضيق هرمز إذا تعرضت لضربات عسكرية أمريكية تستهدف منشآتها وبرنامجها النووي.