إلي جانب الحرب الدائرة في العراق، أضحت الأزمة النووية الإيرانية تحتل الأولوية القصوي ضمن السياسة الخارجية لإدارة الرئيس بوش. فبينما تواصلت الجهود الحثيثة في مجلس الأمن لخلق إجماع بين الدول الخمس دائمة العضوية وإقناعها بممارسة المزيد من الضغوط علي إيران بغية التخلي عن برنامجها للتخصيب النووي، يبرز الدور الحاسم لروسيا الذي من دونه لن يكتب النجاح لتلك الجهود. فلا شك أن روسيا في جعبتها الكثير لتقدمه من أجل حل الأزمة النووية الإيرانية، إذا ما أرادت، بالنظر إلي نفوذها الواضح في إيران. كما أنه من غير المرجح أن تظل الصين، العضو الدائم في مجلس الأمن، المعارض الوحيد للإجراءات العقابية الكفيلة بحمل إيران علي الخضوع لقرارات المجلس إذا ما قامت روسيا بالخطوة الأولي في ذات الاتجاه. بيد أن الرهانات الاقتصادية والاستراتيجية التي تعول عليها روسيا من خلال علاقاتها الجيدة مع الجمهورية الإسلامية، تجعل من الصعب ضمان موافقة موسكو علي مسألة فرض عقوبات ضد طهران. ومع ذلك يعتقد أغلب المراقبين بأن روسيا لن تتخذ إجراءات ضد إيران إلا في سياق حوافز تمس القضايا الحيوية لموسكو تؤمنها لها الولاياتالمتحدة. لكن ذلك لن يري النور مع الأسف إذا ما أخذنا الزيارة الأخيرة لديك تشيني إلي منطقتي البلقان وآسيا الوسطي كمعيار للسياسة الخارجية الأمريكية. فقد أدلي نائب الرئيس الأمريكي في كل من ليتوانيا وكازاخستان بخُطب أغضبت كثيراً حكومة الرئيس بوتين، حيث وجه تشيني تهماً لروسيا بقمع حرية المواطنين، وبتوظيف صادراتها الهائلة من النفط والغاز الطبيعي "كسلاح" ضد جيرانها. وفي تلميح واضح إلي سياسة روسيا تجاه أوكرانيا صرح تشيني "بأنه لا شيء يبرر إضعاف الوحدة الترابية لدولة جارة، أو التدخل لوأد الحركات الديمقراطية". ولئن كانت تصريحات نائب الرئيس جاءت لتعكس قلقاً حقيقياً يشعر به الأوروبيون والأمريكيون بشأن السياسة الروسية إزاء الدول الصغيرة المجاورة لها، إلا أنها غير موفقة من الناحية السياسية، خصوصا في ظل سعي الولاياتالمتحدة إلي تأمين تعاون روسيا حول الملف الإيراني. لكن تصريحات نائب الرئيس تشيني لا تدل علي أنه مهتم كثيرا بالأولوية الأمريكية المرتبطة بإيران. فمن ناحيتها تنظر روسيا إلي إيران باعتبارها شريكاً مهماً تقع أراضيها ضمن جزء حيوي من العالم يتميز بعدم الاستقرار، وهي مطلة علي القوقاز وآسيا الوسطي، في حين تري روسيا أن السياسة الأمريكية في جوارها القريب، ترمي إلي المواجهة والصدام. ولم يعد سراً أن الهدف الذي سطرته الإدارة الأمريكية وتعمل علي تحقيقه يتمثل في تعزيز الحريات في منطقة آسيا الوسطي وتشجيعها، فضلا عن تطوير طرق متعددة لأنابيب نقل النفط في سياق أمن الطاقة الأمريكي. وفي ظل هذا الوضع، علي الولاياتالمتحدة أن تسأل نفسها ما الذي تستطيع تقديمه لروسيا حتي تقنعها بالتخلي عن شريك استراتيجي مهم كإيران؟ وبالطبع ليس خافياً علي أحد الحوافز التي يمكن أن تقدمها واشنطن؛ مثل التعهد بعدم انضمام أوكرانيا إلي حلف شمال الأطلسي، والكف عن الإدلاء بالتصريحات المستفزة علي أعتاب روسيا قبل أسابيع قليلة فقط من استضافتها لقمة مجموعة الثماني الكبري. والأكثر من ذلك أن روسيا لا تتخوف فقط من التدخل الأمريكي في حديقتها الخلفية، بل تتوجس أيضا من احتمال إبرام واشنطن "لصفقة كبري" مع طهران تفقد خلالها روسيا مكانتها السياسية ونفوذها الاقتصادي علي إيران. وما لم يطرأ تغيير جوهري علي السياسة الأمريكية تجاه روسيا، سيبقي الوصول إلي أي اتفاق في مجلس الأمن بشأن الملف الإيراني أمراً صعب المنال، وهو ما سيشرع الباب أمام الولاياتالمتحدة للسعي نحو تشكيل "تحالف للدول الراغبة"، ستعمل من خلاله كل من أمريكا والدول الأوروبية واليابان علي حشد تأييد بعض الدول لفرض عقوبات اقتصادية علي إيران دون ترخيص من الأممالمتحدة. ورغم العواقب الوخيمة التي ستترتب علي هذا السيناريو، في حال حدوثه، علي الاقتصاد الإيراني، فإنه من غير المرجح أن ينجح في دفع إيران إلي تغيير سياساتها النووية، لا سيما إذا ما ظلت روسيا والصين خارج تحالف الدول الراغبة