هل تم إجهاض العقوبات الغربية ضد ايران، عقب الاتفاق الايراني - البرازيلي - التركي بشأن الوقود النووي؟ وهل كسبت طهران المزيد من الوقت لصالح الملف النووي الايراني؟ هناك - في الغرب - من يري أنها خطوة هامة من جانب ايران تخفف الضغوط عليها. وهناك من يري أنها خطوة أولي ولكنها تظل ناقصة وغير كافية، ولا تبدد مخاوف الغرب. وينص الاتفاق الثلاثي علي شحن الوقود الايراني الي تركيا أي نقل 1200 كيلو جرام من اليورانيوم منخفض التخصيب، أي حوالي 58٪ من المخزون الايراني، الي تركيا في غضون شهر في مقابل الحصول علي 120 كيلوجراما من اليورانيوم عالي التخصيب خلال سنة لاستخدامه في الأغراض الطبية. والرأي السائد في دوائر مختلفة من العالم هو أن إيران سددت كرة قوية الي مرمي مجموعة فيينا - الوكالة الدولية للطاقة الذرية باعلان موافقتها المفاجئة علي المبادرة البرازيلية التركية، وأن النظام الايراني يلاعب الأمريكيين بطريقة أهل "البازار" . ويقول عدد من المعلقين أن إيران تمارس اللعب علي حافة الهاوية، وأنها وجهت ضربة للدبلوماسية الغربية، وألقت بالكرة في الملعب الأمريكي، وتسببت في حالة ارتباك في المعسكر الغربي، وأحدثت شرخا أو صدعا في التحالف الدولي المعارض للبرنامج النووي الايراني، وعادت لتمسك بزمام المبادرة. وفي نفس الوقت كثر الحديث عن بروز قوي جديدة علي المسرح الدولي خارج إطار الدول الكبري يمكن أن تكون مؤثرة في مجري الأحداث وتقوم بمبادرات لحل ملفات ساخنة. وهكذا أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أنه لم يعد هناك داع لعقوبات جديدة ضد ايران بعد هذا الاتفاق الثلاثي. غير أن الدول الخمس النووية الكبري الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن، بالاضافة الي المانيا، قدمت مشروع قرار فرض العقوبات علي ايران الي مجلس الأمن، رغم هذا الإتفاق الثلاثي. وهذه العقوبات تشمل مجال الطاقة وفرض حظر علي الأسلحة، الي جانب قائمة طويلة من القيود علي الأنشطة المالية والتجارية والعسكرية الإيرانية. وتم تفسير هذه الخطوة من جانب الدول الكبري علي أنها الرد علي "المناورة" الايرانية التي تمثلت في الموافقة علي المبادرة البرازيلية التركية التي تستهدف "الايقاع بين الدول المنتخبة لعضوية مجلس الأمن، مثل تركيا والبرازيل، وبين الدول النووية الخمس الدائمة العضوية في المجلس". كما قيل في تفسير التحرك لتوقيع العقوبات أن أمريكا تري في طرح مشروع العقوبات الرسمية أمام مجلس الأمن وسيلة تخدم جهود الوسطاء من اجل المزيد من الضغط علي طهران للحصول علي أكبر قدر من التعاون من جانبها تحت تهديد هذه العقوبات. والمؤكد أن ايران شعرت بأن شبح عقوبات جديدة قاسية يقترب، وأن العقوبات هذه المرة يمكن أن تحظي بقدر من الاجماع الدولي، وهو ما لا يتحمله النظام الايراني، خاصة أن المجموعة الحاكمة في ايران متمسكة بالسلطة ولن تخاطر لاحتمالات تعرضها للتهديد. وقد توارت تحليلات سابقة طرحها البعض وتشير الي أن تركيا والبرازيل ليستا بعيدتين عن الولاياتالمتحدة، وأنه من المستبعد أن تكونا قد تحركتا بمعزل عن تنسيق مسبق مع واشنطن حرصا منهما علي تفادي الفشل. ولكن ما أثار الدهشة هو أن واشنطن اعتبرت الخطوة الايرانية غير ذات قيمة، بدلا من أن تعتبرها مدخلا لعملية تفاوضية سبق أن دعت اليها الإدارة الامريكية. الآن.. تتوالي التأكيدات من واشنطن بأن ما تريده أمريكا هو وقف تخصيب اليورانيوم، بينما تقول ايران إنها ستمضي في تخصيب اليورانيوم، والمعروف أن التخصيب هو حق من حقوق ايران بموجب المعاهدة الدولية لحظر الانتشار النووي. يقول المعلق الأمريكي الشهير باتريك بوكانان: "إن الاتفاق الثلاثي عبارة عن نسخة تكاد تكون طبق الأصل من العرض الذي قدمه الرئيس الأمريكي باراك أوباما لايران قبل ثمانية أشهر، وأنه من الغريب أن تبدو الولاياتالمتحدة اليوم في حالة غضب لأن ايران تتجاوب مع عرض سبق أن قدمته أمريكا مما يعني أننا لا نريد حلا سلميا، وأننا نحن واسرائيل نريد الحرب وتغيير نظام الحكم في ايران، كما فعل الرئيس السابق جورج بوش في العراق". ويتساءل بوكانان عما اذا كان أوباما قد تخلي عن أسلوب المفاوضات وانضم الي معسكر الحرب في واشنطن. والمعروف أن اوباما كان قد انتهج منذ البداية سياسة اليد الممدودة مع ايران بدعم أوروبي. ولذلك فان موقفه الحالي يثير الاستغراب، خاصة أن اسرائيل الآن في أشد حالات الضيق بسبب الاتفاق الثلاثي، بل هي تتهم تركيا والبرازيل بأنهما تحاولان اللعب في الوقت الضائع، وتتهم طهران بأنها تحاول الالتفاف علي الضغط الدولي وتمارس الخداع. والسبب في هذا الاستغراب أن أوباما يتخذ موقفا يتطابق مع الموقف الاسرائيلي في هذا الصدد. ومن الواضح أن الولاياتالمتحدة علي ثقة بأنها تملك الأصوات التسعة اللازمة لتوقيع العقوبات، التي ستفرض بموجب الفصل السابع من ميثاق الأممالمتحدة، وستكون ملزمة لجميع الدول، بما فيها تلك التي تمتنع عن التصويت. وتتلخص الأخطاء الفادحة التي وقع بها الايرانيون في فقدانهم للتأييد الروسي والصيني، الأمر الذي وضعهم الآن في أخطر المواقف الحرجة، فقد سبق لايران الموافقة في شهر أكتوبر الماضي علي صفقة لتخصيب اليورانيوم في روسيا ثم تراجعت بعد ذلك عن الموافقة قبل أن توافق الآن علي نفس الفكرة بعد الوساطة التركية البرازيلية، الأمر الذي اثار غضب روسيا التي أخذت في الوقت الحاضر تبحث عن مصالحها. وأسرعت الولاياتالمتحدة الي تلبية هذه المصالح عن طريق رفع الحظر، الذي سبق أن فرضته علي شركات اسلحة روسية والغاء العقوبات المفروضة عليها وقبول تسليم روسيالطهران نظام الصواريخ الدفاعي "إس-300" حتي لا تتعرض المصالح الروسية لاضرار مادية! ومن الواضح أن ايران عجزت مؤخرا عن الاحتفاظ بالتأييد الصيني لها، بدليل أن الصين توافق الآن علي فكرة العقوبات بعد أن كانت تعارضها. وهكذا ضاعت هباء كلمات الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون"، الذي أعرب عن أمله في أن تفتح مبادرة تركيا والبرازيل الباب للتوصل الي تسوية في نزاع طهران مع الغرب بشأن برنامجها النووي حتي يمكن إنهاء التوتر بالوسائل السلمية . والمأزق الذي يواجه أمريكا هو أن العقوبات قد لا تؤدي الي حل المشكلة، والبديل حرب ودمار وخراب للجميع، ومغامرة تدفع المنطقة الي المجهول.